مجدل عنجر
تحية طيبة لكم جميعاً، والشكر لكم لإفراد صفحتين كاملتين عن مجدل عنجر، وللاهتمام المتواصل بها. إلا أنه لا بد من توضيح بعض النقاط التي وردت أخيراً («الأخبار»، 9/10/2010):
أولاً: في وضع المقالة في إطارها السياسي: كنت أتمنى أن يربط وضع مجدل عنجر بوضع البلد بالكامل والمنطقة، وهي نقطة حية في محيط ملتهب لا يهدأ ولا يترك للمشاعر مساحةً للراحة. كيف لا ونحن نرى ساسة بلدنا يستهترون بالبلاد والعباد، ويتبادلون شتى أنواع الشتائم والسباب من كل الأعيرة، وهم يتجاوزون كل شيء من حرية الفرد إلى حرية الوطن، ويتاجرون باستقلال وطننا لبنان وسيادته ودستوره، ووضعه دائماً على كف عفريت، وكذلك يتاجرون بالقضايا القومية والدولية المحقة. لكنّ وسائل الإعلام بتنوعها لا تتوقف عند ذلك كما تتوقف عند أي حادثة، ولو دقيقة، في مجدل عنجر. والمثال ساطع على هذا، أن صحيفتكم في عددها 1158 بتاريخ السبت 3 تموز 2010 تضع بالمانشيت العريض «انتفاضة مجدل عنجر»، بينما المقالة في الداخل لا تعكس انتفاضة بقدر ما هي توضيح صورة. وفي عدد السبت الفائت، تعنونون «راحت السكرة وجاءت الفكرة». سكرة إيه وفكرة إيه؟
صحيح أن مجدل عنجر موقع جغرافي مميز، إلا أن فعلها ليس مرتبطاً بصدفةٍ في الزمان ولا في المكان.
ثانياً: مجدل عنجر لم تكن يوماً تتحرك بدافعٍ ديني فئوي، والتاريخ يشهد لها. كان محركها الأول والأخير وطنياً وقومياً، والأدلة كثيرة وتظهر بوضوح، وخاصةً لمن أراد الحقيقة وتوخّاها بموضوعية. أما الذين يشحنون البلد بالطائفية والمذهبية ويعممونها، فهم الذين يفعلون ذلك لأجل مصالحهم الضيقة، ولأجل بقائهم في السلطة كأمراء طوائف، لكي لا تجرفهم مصالح الناس التي تشترك فيها كل الطوائف، وتحديداً المعيشية.
وعبارة «لم تعرف في تاريخها اتجاه بيروت» كلام غير دقيق، إذ إن بيروت أمّ التظاهرات وحركة الاعتراض ليست فقط على المستوى اللبناني والعربي، بل الدولي أيضاً. وشباب المجدل لم يتخلفوا عن مناسبة من هذه المناسبات. ثم «ما قاتلت (مجدل عنجر) إلا لغيرة الدين»، فهذا أمر طارئ فرضته الأحداث المتتالية على مستوى البلد كله، ونرجو أن لا تحمل مجدل عنجر وزراً، المسؤول عنه قادة وتنظيمات كبيرة في البلد تتباهى بالوطنية والقومية وبالنضال والمقاومة، وهي أبعد ما تكون عنها. وكنت أتمنّى على السيد فداء أن يتذكر ويكتب أن مع انطلاقة المقاومة الوطنية اللبنانية، كان لأبناء مجدل عنجر الشرف الكبير في رفدها بخيرة الشباب والاشتراك في أبرز العمليات، ولعل أرشيف الحزب الشيوعي يخبركم بذلك. ثمّة مثال آخر بعد احتلال العراق، حين هبّوا شباباً وشيباً باتجاه العراق لأن الطريق مفتوحة لا على قاعدة «يا غيرة الدين» فقط، بل لأن الشعور القومي باحتلال بلد عربي غالٍ علينا دفعهم إلى هناك، والشهداء ليسوا قلة.
وأما صرخة أبناء المجدل على أثر دخول حزب الله إلى المطار لإنقاذ جميل السيد، فهي ليست «يا غيرة الدين»، وإذا ما سمعها من فردٍ ما، فهذا ليس تمثيلاً للبلد. فقد كنا نصرخ مع شوشو «آخ يا بلدنا» الذي تستباح جميع مؤسساته، ولا من يتحرك ضميره، أو يقف عند حده. ثم تضرب مثالاً يا سيد فداء على التعايش بالمدرسة الإنجيلية، ولعلك لم ترَ بلدة عنجر ذات الغالبية الأرمنية التي لا يفصلها عن مجدل عنجر إلا الطريق الدولية، مع أن الكثير من المنازل تداخل بعضها ببعض. ومنذ مجيء الأرمن إلى عنجر لم يسجل إشكال بيننا، ولتتأكد راجع تقارير قوى الأمن الداخلي أو تعال إلى عنجر واسأل مسؤوليها.
مجدل عنجر بلدة مؤمنة مسالمة محبة، ولعل الصحافي عفيف دياب في مقالته على الصفحة نفسها من العدد نفسه، أنصفها قليلاً بإعطائها بعضاً من حقها لما نالت من ظلمٍ على مر العصور والعهود.
انضمام الشباب إلى تيار المستقبل لم يكن على قاعدة شعار «يا غيرة الدين»، ولعل معظم شباب المستقبل ليسوا من الأصوليين ولا من المواظبين على الصلاة أو المتشددين دينياً، بل القاعدة كانت الشعور بأن اغتيال الرئيس الحريري كان ظلماً مجحفاً بحق الجميع من دون استثناء شباب مجدل عنجر.
ثالثاً، لا وجود لمعارضة وموالاة بالمعنى السائد بالبلد. وما أُؤكده للسيد عيتاني أن لائحتَيْ البلدية لم تكونا مفرزتين على هذا الأساس. إذ إن لائحة سامي العجمي (رئيس البلدية الحالي) التي عدّها تلفزيون المنار لائحة المعارضة، تضم أبرز مسؤولي تيار المستقبل في البلدة، بينما اللائحة الأخرى لا تضم أحداً.
رابعاً، لدى السؤال عن تعبئة تيار المستقبل للبلدة سنياً، كان جوابنا أنه لا تعبئة بالمعنى الممارس حزبياً، بمعنى أن كوادر تأتي وأخرى تروح وشأنها فقط تعبئة الناس. وحادثة المطار خدمت التعبئة أضعاف ما يستطيعه قادة المستقبل أو ما يقدرون عليه. لكن من غير الصحيح أن تيار المستقبل «هو هيكل من كرتون».
خامساً، فوز السيد سامي العجمي المقرب من سوريا لا يختلف عن فوز اللائحة الأخرى، إذ إن رئيسها أيضاً من المقربين جداً من سوريا. ثم إن الفرز العائلي وتسعيره أدىا إلى انقسامات وخلافات قد لا تزول آثارها إلى أجيالٍ مقبلة، وبالتالي أدىا إلى حصر الخدمات كل بعائلته أو بناخبيه. وبالنسبة إلى المجلس البلدي الجديد، فإنّه لم يزفت أي طريق لغاية الآن.
سادساً، إن الكثير من الصياغات يا سيد عيتاني أضاعت المعنى الأساسي وخلطت الأمور، وكنت أتمنى عليك أن تسجل الأحاديث كي تعرضها بصدقٍ وأمانة وموضوعية من دون انحياز أو تشويه للمعنى. إلا أن تسجيل نقاط محددة، ثم العودة إلى صياغتها بعد وقت، أفقداك الكثير من الصدقية وجعلاك تبدو منحازاً، وجعلت من صحيفتكم تختار طريقاً آخر بعكس آمال مجدل عنجر وطموحاتها. لذا نرجو التصويب وتوخي الدقة ولكم الشكر.
محمد الخطيب (مجدل عنجر)

«الأخبار»: ورد خطأً في مقالة مجدل عنجر اسم «محمد إسماعيل» بدلاً من «محمد الخطيب»، لذا اقتضى التوضيح والاعتذار.