ياسين تملالي *بعدما رفضت المحكمة الأميركية العليا طعنَ دفاعها ورفض حاكمُ ولاية فيرجينيا العفو عنها، نُفّذ الإعدام بالحقنة القاتلة يوم 24 أيلول/ سبتمبر في تيريزا لويس، عقاباً لها على مساعدتها عشيقها وأحد أصدقائه على قتل زوجها وربيبها. وكان محاميها قد ركّز في دفاعه على أنّ منفذي الجريمة استغلّا إعاقتها الذهنية، وطالب، من دون جدوى، بتطبيق قانون يمنع إعدام المتخلفين ذهنياً، مؤكداً أن معدل ذكاء موكلته لا يُخرجها من خانة فاقدي الأهلية وإن تعدى بقليل الحد الأدنى لتعريف التخلف الذهني في أميركا.
وطوال سنوات، لم تدخر كبرى منظمات حقوق الإنسان، ومنها منظمة العفو الدولية، جهداً في إدانة حكم القضاء الأميركي ودعوته إلى تخفيفه، كما تابعت الصحافة الدولية القضية باهتمام كبير من يوم اندلاعها إلى يوم إعدام تيريزا لويس في سجن غرينسفيل.
وبعيداً عن أميركا، في سجن بمدينة تبريز الإيرانية، تقبع سيدة أخرى، سكينة محمدي أشتياني، في انتظار تنفيذ الإعدام فيها بعدما أدينت بتهمة التواطؤ مع عشيقها لقتل زوجها، وقد نالت قضيتها نفس اهتمام الصحافة العالمية وتجندت منظمات حقوق الإنسان داعية إلى تخفيف هذه العقوبة ومنددة بالرجم طريقةً لتطبيقها.
سيدتان حُكم عليهما بالموت لمشاركتهما في قتل زوجيهما بالتواطؤ مع صديقيهما. ما هو الفرق بينهما؟ وهل إحداهما، على حظها العاثر، أكثر حظاً من الأخرى؟ «سكينة محمدي أشتياني، المحكوم عليها بالإعدام رجماً في دولة إيران الإسلامية، الموصوفة بالفاشستية، أفضل حالاً من تيريزا لويس التي حكم عليها بالإعدام بالحقنة القاتلة في الولايات المتحدة الموصوفة زوراً ما بعده زور بالتقدمية»: هذا ما كتبه في 25 أيلول/ سبتمبر الماضي المفكر الإيطالي دانيال سلفاتور شيفر (وهو من قادة الحملة المطالبة بالرأفة بالسيدة الإيرانية). وأضاف شارحاً: «في الحالة الأولى، يمكننا أن نأمل تجنّد الرأي العام العالمي لإنقاذ سكينة من مصيرها البشع، خصوصاً أن السلطات الإيرانية علّقت تنفيذ حكم الرجم إن لم تكن قد ألغته (...). عكس هذا، لم يفلح أيٌّ من نداءاتنا في تليين قلب المدعو بوب ماك دونيل، حاكم فرجينيا الجمهوري، أو المحكمة (الأميركية) العليا».
المعارضة المطلقة لعقوبة الإعدام لم تقنع أوروبا بالدفاع عن متخلّفة ذهنياً قضت قتلاً بالسمّ في سجن أميركي رهيب
هل هذا هو الفرق الوحيد؟ لا، الفرق الثاني هو تباين درجة تجند الشخصيات العامة والطبقة السياسية في أوروبا في كلتا القضيتين. برنارد هنري ليفي، الفيلسوف الفرنسي المتخصص بالتأمل في الخطر الإيراني، نشر مقالات كثيرة كلها تعاطف مع سكينة محمدي أشتياني وأطلق عريضة مساندة لها وقّعها إلى الآن 150 ألف شخص. ماذا فعل لإنقاذ تيريزا لويس؟ لا شيء، فالقضاة الذين حاكموها أميركيون متحضرون لا «مسلمون متعصبون».
هل دعت سيغولان روايال وكورين لاباج وإيزابيل هوبرت وجاين بركين إلى التظاهر من أجل إنقاذ تيريزا لويس كما فعلن تضامناً مع سكينة محمدي أشتياني؟ لا، ولم يمضين العرائض من أجلها. كذلك حال قرينة الرئيس الفرنسي، كارلا بروني: لم ترسل إلى سجن غرينسفيل رسالة كتلك التي أرسلتها إلى سجن تبريز في آب/ أغسطس 2010 وكتبت فيها، وكأنها لا تعلم أن السيدة الإيرانية متهمة بالتواطؤ على قتل زوجها: «هل يسعنا الصمت بعد الحكم الصادر عليك، لا لشيء سوى لأنك عشت وأحببت؟».
أمام البرلمان الأوروبي (7 أيلول/ سبتمبر)، قال رئيس المفوضية الأوروبية خوسي مانويل باروسو، إن الحكم على سكينة محمدي أشتياني بالموت رجماًَ «من الهمجية بحيث يتعذر وصفه»، وصفّق له النواب قبل أن يبادروا في اليوم التالي بالتصويت على لائحة تدين هذا الحكم. هل تأثر باروسو لمصاب تيريزا لويس؟ لا، فربما أنسته بشاعة الرجم (وكونه تعذيباً لا إعداماً فحسب) أن المسألة الأساسية مبدئية، العمل بعقوبة الإعدام، وليست عدم تحضر وسائل تنفيذها. ولم يكن البرلمان الأوروبي أقل صمتاً من رئيس المفوضية الأوروبية، فلم ينتقد المحكمة العليا الأميركية ولم يطلب منها التراجع عن قرارها القاسي.
وفي خطاب أمام مؤتمر للدبلوماسيين الفرنسيين في باريس (25 آب/ أغسطس)، أدرج نيكولا ساركوزي الحكم على سكينة محمدي أشتياني في إطار ما سماه «استعمال النظام الإيراني الواسع النطاق للإعدام للتحكم بزمام الأمور في البلاد»، وأضاف أن مصير هذه السيدة «مسؤولية فرنسا». هل قال شيئاً عن إعدام تيريزا لويس في دولة تحتل المرتبة الخامسة في قائمة الدول التي تطبّق الإعدام بعد الصين وإيران والعراق والمملكة العربية السعودية (تقرير العفو الدولية 2009)؟ لا، ولا كانت له جرأة جعل مصير هذه السيدة ضمن «مسؤوليات فرنسا»، فهي مواطنة أميركية وباراك أوباما من أصدق الأصدقاء.
رأى نيكولا ساركوزي أنّ مصير سكينة محمدي أشتياني من «مسؤولية فرنسا»
وتنديداً بالحكم على سكينة محمدي أشتياني، قال وزير الخارجية الفرنسي، برنارد كوشنير (7 أيلول/ سبتمبر) إنه «مستعد لعمل كل ما في وسعه لإنقاذها بما في ذلك الانتقال إلى طهران». ماذا كان موقفه في قضية تيريزا لويس؟ لم يدلِ بأي تصريح ولم يعد بالسفر إلى فرجينيا لإقناع بوب ماك دونيل بالصفح عنها، بينما اكتفت الخارجية الفرنسية ببيان «أسفت» فيه لرفض المحكمة الأميركية العليا الطعون في حكم الإعدام الصادر بحقها (21 أيلول/ سبتمبر).
وفي معرض التعليق على قضية سكينة محمدي أشتياني (5 أيلول/ سبتمبر)، وصف الناطق باسم الفاتيكان، فيديريكو لومباردي، الرجم بأنه «طريقة شديدة القسوة لتنفيذ عقوبة الإعدام التي نعارضها على أية حال»، كما وعد بأنه سيتوسط لدى طهران لإعادة النظر في الحكم الصادر في حق هذه السيدة. هل علق الفاتيكان على قضية تيريزا لويس وهل تدخل لصالحها لدى واشنطن؟ لا، طبعاً. الوصف نفسه، أي الكيل الواضح بمكيالين، يمكن أن يطلق على مواقف ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وإسبانيا ودول أوروبية أخرى لم تقنعها «معارضتها المطلقة لعقوبة الإعدام» بالدفاع عن متخلّفة ذهنياً قضت قتلاً بالسم في سجن أميركي رهيب.
ما سر اهتمام الساسة الأوروبيين والرأي العام الأوروبي بمصير سكينة محمدي أشتياني وعدم اكتراثهم لمصير تيريزا لويس، على تشابه تفاصيل قضيتيهما وبشاعة مصيريهما؟ هل هو تنفيذ بعض أحكام الإعدام رجماً في إيران وما يسببه في المخيلة الأوروبية، على رأي الصحافي الفرنسي تييري ميسان (مقال بعنوان «فضيحة قضية سكينة»، 16 أيلول/ سبتمبر 2010، www.voltairenet.org) من استرجاع لقول السيد المسيح لمطالبيه برجم امرأة اتهمت بالزنا: «من كان منكم بلا خطيئة، فليرمها بحجر»؟ ربما كان ذلك صحيحاً، لكن إيران ليست الدولة الوحيدة التي تشرع الرجم وتطبّقه. دول أخرى، منها أفغانستان وباكستان والسعودية والإمارات، تشرعه ولا تزال تطبقه أحياناً، لكنها دول «معتدلة» هي حليفة أوروبا المضمونة، وليس من «أخلاق» أوروبا إدانة الحلفاء.
* كاتب جزائري