عصام العريانلكنّ التشاؤم نابع أيضاً من وضع المعارضة المصرية. فهي مكوّنة من نخبة فكرية وسياسيين مستقلين وأحزاب سياسية وحركات احتجاجية، تشهد انقساماً شديداً حتّى بات التنسيق في ما بينها عسيراً أو صعباً.
وقد شهدت أحزاب الائتلاف الأربعة خروجاً لحزب الجبهة الديموقراطية، أحدث الأحزاب المصرية، من الائتلاف بسبب إصراره على مقاطعة الانتخابات، ثم أعلن أطراف الائتلاف الثلاثة عدم قدرتها على التنسيق المشترك بين قوائمها التي بدأ الإعلان عنها (الوفد والتجمع والناصري).
الإخوان المسلمون أعلنوا قرارهم المرتقب بعد مشاورات طويلة، داخلية وخارجية، وزيارات متتالية لشخصيات وطنية تطالب الإخوان بالاستجابة لمطلب مقاطعة الانتخابات. وكان القرار متوقعاً في ضوء استراتيجية الإخوان الثابتة بالمشاركة في الحياة السياسية والعامة وكل الانتخابات العامة، لتحقيق المصالح الوطنية المشتركة، وفي ضوء خطة الإخوان للإفلات من الحصار الأمني المفروض على نشاطها بإحكام منذ ما يزيد على 15 سنة متواصلة، ولتثبيت موقفها القاضي بالتغيير وفق الوسائل السلمية الدستورية وعبر صناديق الاقتراع بما يضمن الاستقرار والأمن لمصر وشعبها ورفض أي مغامرات تقود البلاد إلى الفوضى أو المجهول.
وقد أعلن الإخوان المسلمون ترحيبهم بأي مبادرات للتنسيق المشترك مع المرشحين والقوى السياسية الوطنية سواء كان على المستوى المركزي (الذي بات صعباً) أو على المستوى الميداني في دوائر بعينها. ولذلك يرجئون إعلان القائمة النهائية للمرشحين حتى يحصل ذلك التنسيق وكذلك الالتزام بالنسبة التي حددها مجلس الشورى العام (في حدود 30%) بما يعني أن عدد المرشحين النهائي لن يصل إلى أرقام كبيرة كما كان يتوقع البعض.
النظام يدفع البلاد إلى طريق مسدود، ويعطي المغامرين حججاً قوية ويقدّم للمتعجلين الذرائع المنطقية للقول بعدم جدوى سلوك الطرق الدستورية والقانونية من أجل الإصلاح والتغيير.
فقد جرى خلال سنوات ثلاث التراجع عن كل ما حققته المعارضة من مكاسب توجت بالإشراف القضائي التام على الانتخابات عام 2005، وذلك بالتعديلات الدستورية الباطلة التي أعادت عقارب الساعة إلى الوراء. وكان يمكن النظام أن يقول إنه رغم عدوله عن الإشراف القضائي، فإنه سيقرر بإرادة سياسية واضحة إجراء انتخابات نزيهة وسليمة ذات قدر معقول من الصدقية. وكان عليه أن يترجم ذلك عملياً، إلا أنه أهدر كل الفرص خلال الانتخابات الثلاثة للمحليات ولمجلس الشورى لإثبات ذلك، بل أثبت العكس تماماً.
وبذلك عادت الكرة إلى ملعب الشعب المصري والقوى السياسية الحية المعارضة للجهاد من جديد بكل الطرق الممكنة سلمياً ودستورياً وقانونياً لحصار النظام وإجباره على التسليم بإرادة الشعب في انتخابات حرة وسليمة.
والبداية الحقيقية هي أن تتجمّع جهود كل القوى المعارضة، وتتناسى ما بينها من خلافات ثانوية في البرامج التفصيلية، لتتفق جميعها على رؤية واضحة ومحددة للخروج بالبلاد من مأزقها السياسي. فلن ينضم الشعب إلى قوى متنافرة ومنقسمة ومتناحرة انشغلت بخلافاتها الداخلية أو في ما بينها وبين بعضها بعضاً.
خلال ثلاث سنوات، جرى التراجع عن كل ما حقّقته المعارضة من مكاسب توّجت بالإشراف القضائي على انتخابات 2005
لم يكتفِ النظام بذلك، لكنه مهّد للانتخابات المقبلة بإسكات الأصوات العالية المنتقدة، وذلك لإرهاب بقية الإعلاميين والصحافيين في خطوات متلاحقة بدأت بحصار برنامج «القاهرة اليوم» ومنع بث قنوات «أوربت» من القاهرة، ثم إسكات صوت إبراهيم عيسى من قناة «أو تي في»، ثم إخراج إبراهيم عيسى من رئاسة تحرير «الدستور» وتغيير السياسة التحريرية للجريدة بعدما انتقلت ملكيتها لمالكين جدد، ثم إغلاق قنوات عديدة كلها دينية «الناس، الحافظ، الخليجية والصحة والجمال»، وإنذار آخرين ومنع رسائل المحمول الإخبارية ومنع البث المباشر للفضائيات إلا بعد تجديد التراخيص... وهكذا توالت الإجراءات لكمّ الأفواه قبل الانتخابات البرلمانية من أجل التعتيم الكامل على كل مجريات الأحداث. وبات واضحاً أن الشهور المقبلة، وإلى أن تنتهي الانتخابات الرئاسية، ستكون صعبة وعسيرة ومليئة بالمفاجآت وحبلى بالأحداث والتراجعات، ما يعني تقليص هامش الحريات المتاح الآن وسيادة مناخ من الإرهاب البوليسي لملاحقة الناشطين والطلاب وكل حركات الاحتجاج الشعبية.
نصيب الإخوان حتى الآن من المطاردات وصل الى اعتقال 154 مواطناً، ومداهمة 88 منشأة اقتصادية لأفراد الإخوان.
وقبيل الانتخابات العامة البرلمانية، شهدت الجامعات المصرية حملة قمع قاسية ضد الطلاب ومنعاً للانتخابات الطلابية التي جرت دون منافسة بعد شطب كل المرشحين المنافسين بحيث تم تعيين الاتحادات الطلابية بالتزكية.
يتلخص إذاً المشهد السياسي قبيل الانتخابات البرلمانية في الآتي:
ــ مناخ دستوري قلّص أو ألغى الإشراف القضائي التام على الصناديق ومراكز الاقتراع.
ــ مناخ قانوني يطارد صور الدعاية المختلفة ويمنع صور المراقبة المختلفة.
ــ تعتيم إعلامي واضح على مجريات الأحداث الانتخابية.
ــ انقسام سياسي بين النخب السياسية والمعارضة وسط تلاسن لا محل له.
ــ حالة من الإحباط الشعبي بسبب موجة غلاء شديدة وتدهور في المرافق والخدمات.
أصبحت مصر أشبه بغرفة مغلقة تمتلئ بالغاز القابل للاشتعال وتوشك أن تنفجر في أي لحظة.
الأمل الوحيد فى إنقاذها يأتي في صحوة شعبية حقيقية تصرّ على استخلاص البلاد من المصير الذي وصلت إليه والمنحدر الذي تسير إليه بسبب سياسات الحزب الحاكم ونخبة النظام المتحالفة مع رجال المال والأعمال.
هذا الشعب الصابر على مدار القرون، قادر على النهوض من جديد ويحتاج إلى من يحفّزه على الإيجابية والمشاركة، لا على الخروج من المشهد والمقاطعة.
هذا الشعب يحتاج إلى من يقوده إلى التغيير فى مسيرة واضحة المعالم، لا إلى من يصيبه باليأس والإحباط فيقعده عن العمل والإصلاح.
هذا الشعب يحتاج إلى من يقدّم له القدوة في التضحية والثبات، فيصبر على طول الطريق، وليس في حاجة إلى من يتكلم ويتكلم فقط ولا يثبت عند مواجهة الشدائد والصعاب.
هذه الانتخابات المقبلة محطة من محطات عديدة، وليست المحطة النهائية كما يتصور البعض.
هذه الانتخابات فرصة لإحياء روح الإيجابية والمشاركة في صفوف الشعب من أجل فرض إرادته الحرة ضد تسلط النظام.
هذه الانتخابات المقبلة فرصة لمواجهة التسلط البوليسي والإرهاب الحكومي بالإصرار والعزيمة والاشتباك السلمي من أجل انتزاع ضمانات نزاهة الانتخابات.
لقد واجه المصريون في انتخابات برلمانية سابقة في أعوام 1976، 1979، 1984، 1987، 2000 الظروف نفسها، واستطاعوا أن ينتزعوا مقاعد للمعارضة الحقيقية التي أقلقت النظام دون إشراف كامل للقضاء، وفي الظروف الإعلامية والقانونية والسياسية نفسها.
تستطيع مصر في هذه الانتخابات أن تثبت للعصبة الفاسدة والمفسدة أن إرادة الشعب من إرادة الله، وأن الشعب لن يتسول ضمانات حياد الانتخابات، وأن إصرار القوى الحية على المشاركة هو إصرارها على منع التزوير وتزييف إرادة الناخبين، وهذه هي المعركة الحقيقية، وليس مجرد كشف فساد النظام أو فضحه أمام العالم. يجب أن يسعى شعب مصر بكل قوة لمنع التزوير وإبطال النتائج المترتبة عليه لنعطي الأجيال المقبلة أملاً في انتخابات حرّة يحققها هو بإرادته الحرّة.
* قيادي في جماعة الإخوان المسلمين في مصر