خالد صاغيةمن النادر أن يعثر المرء على وزير دفاع يتمتّع بحسّ فكاهة. لكنّ الولايات المتحدة الأميركية تملك واحداً من هؤلاء. فلمناسبة سحب عدد من الجنود الأميركيين من العراق، علّق روبرت غيتس قائلاً: «إنّ مشكلة الحرب بالنسبة إلى الأميركيّين تكمن في أنّ الأسباب التي قُدِّمت لتبريرها لم تكن صالحة»، أي إنّ الحرب خيضت بحجّة أسلحة دمار شامل، تبيّن أنّها غير موجودة. لكنّ ذلك لم يمنع السيّد غيتس من التوصّل إلى خلاصة مفادها أنّه بالرغم من هذا التضليل في البداية، فإنّ «النتيجة جيّدة من وجهة النظر الأميركيّة».
إذا وضعنا الفكاهة جانباً، فمن الصعب الاستنتاج كيف وصل وزير الدفاع الأميركي إلى هذه النتيجة «الجيّدة». فالأرقام المتوافرة تشير إلى 4400 قتيل أميركي، أكثر من 35000 جريح، وما يفوق 700 مليار دولار حُرِم المواطن الأميركيّ منها كي تستخدمها حكوماته لتمويل حربها في العراق. علماً بأنّ رقم المليارات المتداول هذا متواضع قياساً لحسابات قام بها اقتصاديّون ضمّنوا نفقات الحرب مليارات إضافيّة من التكاليف غير المباشرة.
فلنضع الأرقام جانباً، إذ يمكن وزير الدفاع أن يعتبر كلّ ذلك عَرضياً لو كانت الولايات المتحدة الأميركية قد تمكّنت من تعزيز موقع هيمنتها على العالم. لكنّ الوقائع تشير إلى أنّ أحد الدروس العراقيّة المهمّة هو أنّها أظهرت حدود استخدام التفوّق العسكري الأميركي، وإن كانت الإدارة الأميركيّة عازمة على عدم التعلّم من هذا الدرس، فتراها تكرّر الأخطاء نفسها في أفغانستان.
لكنّ الأهمّ هو أنّ التعثّر العسكريّ الأميركيّ في القرن الحادي والعشرين لا يشبه التعثّر الذي أصاب الإمبراطوريّة خلال حرب فييتنام. فبخلاف ستّينيّات القرن الماضي، لم تعد الولايات المتحدة تملك تفوّقاً في مجال الإنتاج الاقتصادي، الذي انتقل إلى مناطق أخرى من العالم تتمتّع بيد عاملة رخيصة. وبخلاف بدايات هذا القرن، سقطت أسطورة الاقتصاد المالي، وها هي الإمبراطوريّة تعاني أسوأ أزمة اقتصاديّة منذ عام 1929.
الولايات المتحدة الأميركية اليوم هي أمّة تلبس ممّا لا تنسج، وتنفق ممّا تقترض، وتقترع لمن يعدها بإعادة جيشها إلى البيت. هذا لا يعني بالطبع نهاية الإمبراطوريّة، لكنّه يعني أنّ الإمبراطوريّة ليست بخير. أمّا العراق، فحكاية أخرى.