القيادة كمغامرة


في الصباح الباكر، بمجرد أن تسري الحياة في عروقنا من جديد ... تعود الأسئلة نفسها تلقائياً إلى أذهاننا: ماذا سنصادف اليوم؟ وهل سندخل في مبارزة حامية على الطريق؟
أجل، إنه الهاجس الذي يرافق الغالبية العظمى من اللبنانيين. فبالرغم من كل التحذيرات والمآسي والحوادث المتكررة، لا تزال الفاجعة ذاتها! أجل، وللمرة المليون، نقول إنها فاجعة بكل ما للكلمة من معنى! فاجعة أن تلاحق الشاحنة العملاقة سيارة تبدو أمامها كالحشرة التي تهرب نحو... الهاوية كي لا تُداس وتختفي عن الأبصار! إنها فاجعة أن تتزاحم السيارات دون أي رادع، ودون أي رحمة، لأن من يودّ أن يتجاوز غيره من السيارات ما عليه سوى أن يضع يده على «الزمور» بطريقة هستيرية من دون أن يكترث لكون السيارة التي تسبقه قادرة على إعطائه الطريق أو لا! إنها فاجعة أن يقود أحدهم سيارته بتمهّلٍ يثير الغيظ، لا لشيء إلا لأنه منسجم مع الموسيقى الصاخبة غير آبه بما يُسمى «انسياب السير» بطريقة صحيحة! إنها فاجعة أن يلاحق ذاك المغرور فتاة تقود سيارتها بأمان لا لشيء إلا لأن رجولته بحاجة إلى تأكيد وتثبيت، وليس هناك من مكان آخر سوى... الطريق!
إنها فاجعة أن تحمل تلك الأم ولدها الرضيع على كتفها وبيدها الثانية طفلها الآخر المسكين محاولة تجاوز الطريق السريع، رغم أنها قريبة من جسر المشاة وربما قريبة جداً من... الموت!
إنها فاجعة أن نصرخ وليس هناك من يسمع! إنها فاجعة أن تدخل المصيبة إلى كل بيت والأهل نيام! إنها فاجعة أن تنعدم كل أصول التعامل واللياقة أثناء القيادة ونبقى ... سائقين! إنها فاجعة أن نشعر بالقلق كلما خططنا لمشوار! إنها فاجعة أن يلفّنا الرعب كلما تأخر أحد الأعزاء على الطريق لا لشيء إلا لأن القيادة باتت في بلادنا مجرد... مغامرة! قد ننجو منها أو تكون النهاية في أية لحظة وكل ما يبقى عبارات هي ذاتها... لن ننساك!
ورغم كل هذا الأسى، نتمنى السلامة لكل من يفكّر ويتجرأ ويقود سيارته على طرقات هذا البلد العجيب...
د. الياس ميشال الشويري
(رئيس الجمعية اللبنانية للسلامة العامة)