تعقد «الهيئة الوطنية لحماية الحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني» اليوم لقاءً تشاورياً عربياً في بيروت، يعرض خلاله المفكّر العربي، الدكتور عزمي بشارة، ورقة سياسية تحمل تعريفاً بالهيئة وأهدافها. هنا نص الورقة
عزمي بشارة*
1ـــــ اجتماعنا اليوم هو اجتماع عربي دُعِيَ إليه مثقفون ونشطاء ومناضلون عرب تشغلهم قضية فلسطين، ويعدّونها قضيتهم. ويتغيّب عنه عدد كبير جداً من الإخوة والأخوات المناضلين والمناضلات والمثقفين العرب، الذين عبّروا عن دعمهم الكامل للمبادرة، إذ لم يتمكّنوا من الحضور لضيق الفترة بين الدعوة والاجتماع. وعلى كل حال اجتماعنا تشاوري وتصعب إدارته بحضور جمهور غفير، وقد رأينا أن ندعو إليه لأنّ أحد أهم أهداف الهيئة هو استعادة البعد العربي لقضية فلسطين. فبموجب هذا الهدف يصبح هذا الاجتماع مقدمة ضرورية لمؤتمر الهيئة التي تفتح عضويتها للإخوة العرب. وهو ليس هدفاً عشوائياً أو شعاراً ينمّ عن حنين لما مضى وانقضى، بل هو موقف مبني على تشخيص وتحليل. وتشخيصنا السياسي هنا هو أن التراجع الذي أصاب تمثيل الشعب الفلسطيني سياسياً على مستوى المفاوضات وغيرها، ومسلسل التنازلات المستمرة التي تنجم عن كل جولة تفاوض منذ اتفاقيات أوسلو، هما تحصيل حاصل فصل قضية فلسطين عن الأمة العربية، وتحويلها إلى قضية الفلسطينيين.
2ـــــ وما نشهده حالياً من تفاوض هو دليل آخر على هذه المقولة. لقد قبل الطرف المفاوض من جانب السلطة الفلسطينية أن يحوّل نفسه إلى مجرد أداة في العلاقات العامة للسياسة الأميركية في المنطقة، وإلى أداة في العلاقات الاستراتيجية الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. فبموجب حاجات هذه العلاقات تقرّرت جولة المفاوضات الأخيرة، التي انتقلت إلى القدس المحتلة، التي تجري فيها عمليات التهويد دون توقف، ولا تخضع لتجميد الاستيطان. وفي هذه الجولة الأخيرة جرى تهميش حتى ما يسمّى مرجعية المفاوضات، وذلك بعدما همّشت الجولات السابقة حتى القرارات الدولية الناقصة، وجعلت المفاوضات برعاية أميركية حصرية، وجعلت موازين القوى فيها هي المقررة لا حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة، ولا حتى تلك المنقوصة، التي نصت عليها القرارات الدولية. ونتائج المفاوضات دون مرجعية ودون نضال وبالتخلي عن أية أداة أخرى هي إمّا قبول الشروط الإسرائيلية أو الاستمرار في التفاوض، لتصبح عملية التفاوض هدفاً قائماً بذاته.
3 ـــــ وفي وقت تسخيف مؤيدي التسوية الراهنة لفكرة الثوابت، أو كما نسميها نحن الحقوق الثابتة، أي غير القابلة للتصرف، في غياب أيّ مرجعية أخرى، أود أن أذكّر بأن هنالك طرفاً يتمسك بثوابته، وحوّلها إلى ما يسميه مبادئ الاجتماع القومي. وهو الاحتلال الإسرائيلي، الذي صار يسمى طرفاً. صحيح أن هذا «الطرف» قد قدم بعض التنازلات هنا وهناك، وصورت هذه من جانب اليمين الإسرائيلي، لأسبابه المتعلقة بوجوده في المعارضة، ومن جانب مؤيدي التسوية العرب، كأنها نهاية المشروع الصهيوني، وبداية لتراجع الصهيونية، إلا أن أياً منها لم يمسّ بالأسس. وهي:
أ‌ ـــــ يهودية الدولة، أو الدولة اليهودية ويشتق منها:
ب‌ ـــــ رفض حق العودة، ورفض العودة إلى حدود عام 1967، مع عدم ضم المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 لكي لا تتعرّض يهودية الدولة للخطر.
ج ـــــ التمسك بالسيادة الإسرائيلية على القدس.
د ـــــ عدم الموافقة على أية خطوة من شأنها المس بالأمن الإسرائيلي (وهذا يعني عادةً ترتيبات أمنية تمسّ بسيادة الآخرين).
هـ ـــــ الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
4 ـــــ وهذا يعني أنه حتى حين اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية، فإنها لم تتنازل عن أي من الثوابت. فيما قدمت المنظمة تنازلات في مقابل الاعتراف بها. لقد استخدمت الانتفاضة الأولى للاعتراف بمنظمة التحرير لا بحقوق الشعب الفلسطيني. وكل ما فعلته إسرائيل إزاء الوضع الجديد دولياً وعربياً هو أنها استبدلت تسوية إقليمية في الضفة الغربية مع الأردن بتسوية إقليمية في الضفة الغربية وغزّة مع منظمة التحرير، وسلام منفرد مع الأردن. وبدل نقل المناطق الفلسطينية المكتظة بالسكان إلى إدارة أردنية في إطار التسوية. يجري نقلها إلى منظمة التحرير لتديرها. كل هذا مع الحفاظ على مبدأ عدم الانسحاب إلى حدود 1967 بما في ذلك في القدس، وأن يكون الكيان الفلسطيني الوليد منزوع السلاح، وإبقاء السيادة الإسرائيلية على الأجواء، وحتى على المياه الجوفية، ووجود إسرائيلي على الحدود مع الأردن.
5ـــــ نحن نؤكد البعد العربي لقضية فلسطين لأن اتفاقيات أوسلو، التي نكبت حركة التحرر الوطني الفلسطيني وحولتها إلى كيان سياسي في ظل الاحتلال ومقيّد بقيوده، هي التطبيق الفلسطيني الممسوخ لنموذج اتفاقيات الصلح المنفرد مع إسرائيل، التي بدأت باتفاقيات كامب ديفيد وانتقلت إلى أسلو، وتبعتها اتفاقية غور الأردن. تنطلق اتفاقيات الصلح العربية من أن قضية فلسطين هي قضية الفلسطينيين، (لتصبح قضية جزءٍ من الفلسطينيين عبر ممثلهم، الذي كان شرعياً ووحيداً يريح النظام الرسمي العربي من عبء القضية، ثم أصبح سلطة في ظل الاحتلال وتنسق معه أمنياً). كما تبين أنه بعد ذلك تصبح القضية العالقة بين أية دولة عربية على حدة، وإسرائيل، هي قضية أراضيها المحتلة عام 1967 على النموذج الذي قدمته مصر في كامب ديفيد. لتصبح استعادة هذه الأراضي شرط السلام الوحيد.
6ـــــ وعندما جرى تبني هذا النموذج المفتّت للأمة ولهويتها فلسطينياً، لم يبقَ شيء من حركة التحرر الوطني الفلسطيني، وذلك قبل أن تحقّق أهدافها. فلسطينياً حوّل هذا الوضع حق العودة إلى قضية علاقة بين اللاجئين في كل دولة عربية وبين الدولة ذاتها، وحوّله من حق العودة المرتبط بالتحرير إلى مجرد رفض التوطين، وما يجره هذا الانتقال من سياسات هوية وطنية محلّوية تُبنى على حساب الفلسطينيين وعبر التحريض عليهم أحياناً. وهذا ينقل الصراع العربي الإسرائيلي إلى صراع داخل الساحة العربية، تماماً كما حوّلت اتفاقيات أوسلو الصراع الفلسطيني ضد إسرائيل إلى صراع فلسطيني فلسطيني.
7ـــــ وعلى المستوى العربي أسهم هذا الانفصال عن قضية فلسطين في تفتيت الأمة، لأن الدول العربية وجدت نفسها مضطرة إلى إضعاف الانتماء العربي لدى شعوبها لتمرير هذا النوع من التفكير في قضية فلسطين. وإضعاف الانتماء العربي لا يفتّت الأمة الى دول غير ناجحة في إقامة أمم بديلة فحسب، بل يسهم أيضاً في تشتيت المجتمعات العربية داخلياً، أي في كل دولة على حدة، وليس هذا هو السبب الوحيد للتفتيت الجاري حالياً، لكننا ندعو إلى عدم الاستخفاف بوزن قضية فلسطين في تكوّن وتلاحم الهوية العربية الحديثة رغم الحدود بين الدول.
8 ـــــ وهذا الوضع هو الوضع الذي حض سابقاً على ترك العراق للعراقيين، خلافاً للموقف العربي المشهود من ثورة الجزائر، وهو الذي أسس في الثقافة العربية السياسية للاعتراف العربي عملياً بمجلس الحكم المؤقت. ولترك المؤازرة والمقاومة للشعوب بطريقة تتحدى القوانين والحدود العربية، وذلك من دون اعتراف الدول بفكرة المقاومة العراقية، ولا حتى بتسميتها كذلك. لقد كانت الخطيئة الأولى في فلسطيني، ترك فلسطين للفلسطينيين، وعملياً تركها فريسة للإسرائيليين، وكانت الخطيئة الثانية في تحويل حدود 67 إلى غاية المطالب العربية للسلام مع اسرائيل. وهذا غير ممكن من دون تهميش قضية فلسطين، وكانت الخطيئة الثالثة الاعتراف العربي بسلطة فلسطينية في ظل الاحتلال. والموقف العربي من العراق والسودان والصومال هو تحصيل حاصل لانتشار هذه الثقافة السياسية في الأنظمة العربية.
9ـــــ وفلسطينياً عنى هذا الوضع التمسك بفكرة الدولة والكيان كبديل عن الحقوق التي نسميها نحن الحقوق الثابتة. كان يجب أن يكون أساس الصلح المنفرد كما في كل حالة عربية صلحاً بين دولة فلسطينية وأخرى إسرائيلية من الناحية النظرية، أما عملياً، فهنالك دولة يهودية محتلة وتنازل فلسطيني عن الحقوق الثابتة ليس مقابل دولة، بل مقابل فكرة الدولة. وهي تتحقق بالتدريج ويجري تفصيلها بموجب موازين القوى. كان ثمن فكرة الدولة الاعتراف بإسرائيل والتخلي عن حركة التحرر فكراً وممارسة، ثم كانت النتيجة الفورية هي التخلي عن قضية اللاجئين، قضية العودة، فما حركة التحرر الوطني الفلسطينية إلا حركة لاجئين... وسوف تنتهي حتى الى التخلي عن حدود 67 بما فيها القدس الشرقية. وهي الحدود التي تمثّل شرطاً للصلح المنفرد بين أية دولة عربية وإسرائيل. ومن هنا نقول ينتهي فلسطينيو التسوية الى شكل ممسوخ من الصلح المنفرد، لا يتضمن حتى حدود 67، ولا يتضمن حتى دولة مستقلة فعلاً. ونحن نلمس هذا التنازل عبر الحديث عن موافقة فلسطينية على مبدأ تبادل الأراضي. أما القيود على سيادة هذه الدولة، فيجري الحديث عنها صراحة كأمر مفروغ منه، وهي قيود سافرة في الممارسة الحالية للسلطة الفلسطينية، وذلك من خلال تغلّب الجانب الأمني على وظيفتها وطبيعة اتفاقياتها وممارساتها. وتحويل التطوير الاقتصادي من جهة، والحصار من جهة أخرى، إلى أدوات في خدمة الوظيفة الأمنية للسلطة كعملية احتواء للإدارة الشعبية من جهة، وكردع لها من جهة أخرى.
10ـــــ وهذه حالة سياسية أنجبت نخباً سياسية على صورتها ومثالها، فلكل زمن دولة ورجال، وكنا قد قلنا إنّ الباقي تفاصيل، لولا أن بعض التفاصيل هو حياة بشر يومية، وثقافة أمة، وهويتها وانقلاب قيمي سيكون له، إذا مرّ، أثر كبير في شخصية الشاب العربي، فتاريخياً قضية فلسطين هي قضية استعمارية على جزء من الوطن العربي، إنها قضية الوطن واللاجئين. وتاريخياً هي قضية الأمة، والأمة التي تسلّم باحتلال جزء منها، إنما تسلّم باحتلال أجزاء أخرى. والأهم من ذلك أنها تفقد مقوّمات وحدتها وقيمتها وهويتها.
11ـــــ لقد أدى خيار التسوية والتخلي عن صيغة حركة التحرر الوطني الفلسطيني الموحدة الى ظهور واقع جديد هو المقاومة العابرة للفصائل من جهة، والتنسيق الأمني مع الاحتلال من جهة أخرى. لقد تميّزت مرحلة ياسر عرفات الأولى في السلطة بعد اتفاقيات أوسلو بمحاولة للتوفيق بين الأمرين. لكن هذه المحاولة لم تتجنّب الأضرار الكبيرة والكارثية لاتفاقيات أوسلو، وانتهت نهاية مأساوية باستشهاده. وقد كشفت هذه النهاية عن فرز سياسي غير مسبوق على الساحة الفلسطينية.
12ـــــ لقد عرفت الحركة الوطنية الفلسطينية في الماضي انقسامات وخلافات، بعضها سياسي فلسطيني فعلاً، وبعضها يعبّر عن خلافات بين دول عربية، وقد وصل بعضها إلى حد الاشتباك. ولكنّ أياً من هذه الخلافات لم يجرِ خارج سقف الموقف الوطني، الذي يرى في إسرائيل عدواً. أما الخلاف الحالي، فهو بين قوى تنفّذ اتفاقيات مع إسرائيل، وتشمل التنسيق الأمني ضد المقاومة (بغض النظر عن انتماء المقاومة الفصائلي، فقد كان مقاومو حركة فتح هم أول الضحايا لعملية التنسيق الأمني هذه) من جهة، وقوى سياسية أخرى ترفض الامتثال لاتفاقيات أوسلو من جهة أخرى. والأخيرة هي قوى المقاومة، بغض النظر إن كانت تمارس المقاومة المسلحة في أي لحظة معطاة. فالمقاومة ورفض اتفاقيات أوسلو هما خيارها العلني، وهي تتعرض للحصار بسببه. وقد جرى التآمر على نتائج الانتخابات الفلسطينية بحصار دولي، ثم أفشلت حكومة الوحدة الوطنية بتواطؤ عربي أيضاً بسبب خيارها هذا.
13ـــــ الطريف أنّ من يحارب المقاومة وينسّق أمنياً مع إسرائيل بإجراءات ضدها يتهمها حين يحلو له بأنها لا تقاوم، وذلك بحسب طبيعة الجمهور المخاطب، وذلك بنبرة تهكّمية، لكنها خطيرة، لأنها ترغب في الإيحاء أنه لا فرق بين طرف وآخر، وأنه لا أحد يقاوم، إذا كانت حركات المقاومة لا تقاوم في أي لحظة معطاة، فهذه حجة على من يتهمها لا عليها، لأن أحد أسباب عدم تمكّنها من المقاومة هو تنسيقه الأمني مع إسرائيل.
14ـــــ ومن هناك فإن أي تحرك لاستعادة البعد العربي لقضية فلسطين، وللتمسك بالحقوق الثابتة لشعب فلسطيني لا يمكن أن يقف موقفاً محايداً بين المقاومة من جهة، والتنسيق الأمني مع الاحتلال من جهة أخرى. وهذا لا يعني أن يتخذ التحرك موقفاً فصائلياً. فليست الهيئة طرفاً في الصراع الحزبي والتنظيمي القائم، ويجب أن تبقى خارج الصراع الفصائلي، ويتشارك الكثير من أعضاء جميع التنظيمات والفصائل القائمة في الموقف المتمسك بالحقوق الثابتة لشعب فلسطين، كما يتشاركون في التمسك بخيار المقاومة، أو في رفض التنسيق الأمني مع الاحتلال على الأقل، نحن نتوقع من كل وطني، بغض النظر عن التنظيم الذي انتمى إليه في حياته السياسية، أن

قبِل الطرف المفاوض من جانب السلطة الفلسطينية أن يحوّل نفسه إلى مجرد أداة

حتى حين اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية فإنها لم تتنازل عن أيّ من الثوابت

يتمسّك بالحقوق الثابتة، وأن يرفض التنسيق الأمني مع الاحتلال، والهيئة هي مكان له إلى جانب فلسطينيين لا ينتمون إلى أيّ تنظيم، وإلى جانب عرب يرون في قضية فلسطين على هذه الأسس قضية الأمة.
15ـــــ تسعى الهيئة الوطنية إلى نشر ثقافة التمسك بالحقوق الثابتة لشعب فلسطين، بما فيها حق العودة وتقرير المصير، كما تسعى إلى استعادة البعد العربي لقضية فلسطين حين لا تبقى الخيارات المطروحة بين مفاوضات عبثية من جهة، ومقاومة تتحدى حصاراً عربياً رسمياً، وخيار المقاومة من جهة أخرى. وفي حالة فلسطين لا يمكن أيها الإخوة أن ينتصر خيار المقاومة إذا لم يكن عربياً. قد يحقق منع التطبيع مع الاحتلال نجاحاً، ويحقق إنجازاً هنا وآخر هناك، كما قد يعطي إشارات مهمة إلى إمكان النجاح على جبهات عينية، لكنه لا يحسم الصراع من دون البعد العربي. المقاومة هي شرط ضروري لكنه غير كاف للنجاح، وخاصةً في ظل الأوضاع العربية الراهنة. وعلينا في هذا الاجتماع أن نناقش دور الهيئة في استعادة البعد العربي، وفك الحصار الرسمي عن خيار المقاومة.
16ـــــ ونحن نرى أن الهيئة يجب أن تجمع الفعاليات المستقلة كافةً، من جمعيات ومؤسسات وشخصيات مستقلة ومناضلين ومناضلات من داخل الفصائل وخارجها، أولئك الذين نشطوا بطريقة مستقلة دفاعاً عن الحقوق الفلسطينية، وخاصةً حين غابت منظمة التحرير عن المشهد، وحين حوّلت المفاوضات إلى الأداة الوحيدة لتحصيل الحقوق فهمّشت الحقوق، أو حين سمح بتحويلها إلى مجرد أداة بيد السلطة الفلسطينية في مقارعة الخصوم السياسيين. لا بد من جمع هؤلاء الذين نشطوا بطريقة فردية أو جماعية في مواقعهم في اللحظات الصعبة التي مرت منذ الانتفاضة الثانية. ولا بد من منحهم سقفاًَ سياسياً يوجّه النضال وينسّق بينهم، ويجعل منهم قوة سياسية فاعلة وجماهيرية، ومؤثرة في عملية صنع القرار فلسطينياً وعربياً. كذلك يحولها إلى قوة ضاغطة لإعادة بناء منظمة التحرير. وهذا يتطلب عملاً على توسيع عمل الهيئة عربياً، ورفدها بقوى وشخصيات وازنة في كل بلد عربي. وعلينا اليوم أن نتداول ونقترح نوع النشاطات والخطوات التي سوف تقوم به على النطاق الفلسطيني والعربي.
17ـــــ ليس الحديث هنا عن فصيل فلسطيني جديد، ولا عن تحرك ضد الفصائل والقوى القائمة، فالهيئة تحترم الفصائل كافةً، وترى فيها محور الحركة الوطنية الفلسطينية. ولن تدخل الهيئة في صراع، أو حتى في سجال، مع أيّ منها. بل إن الحديث هو عن حراك شعبي على المستوى الفلسطيني والعربي، وعلى المستوى الدولي. ويشارك فيه أعضاء مختلف الفصائل وآخرون لا ينتمون إلى أي فصيل. وظيفتنا أن نوفّر لهم أخيراً مكاناً ينسّقون فيه معاً ويناضلون معاً على أساس الموقف السياسي المتمسّك بحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة، غير القابلة للتصرف، ليتحوّلوا إلى قوة مؤثّرة سياسياً. وهذا بحدّ ذاته إنجاز مهم في مرحلة الاستقطاب، التي منعت حتى القوى الوطنية من الالتقاء.
18ـــــ وعلى المستوى الدولي، لا بد من تأطير مئات الهيئات والفعاليات التي تقوم بعمل في دول العالم تضامناً مع الشعب الفلسطيني، ولا تجد طرفاً فلسطينياً منظماً يتفاعل معها، لأن ما كان يمثّل في الماضي عنواناً يُشغل بالمفاوضات، ولا يرى حاجة إلى التضامن الدولي، بل يحرجه هذا التضامن، لا بد من تحويل هذه القوى العديدة والمتعددة إلى حركة عالمية ضد نظام الاحتلال والفصل العنصري في فلسطين، وهذا يتطلب أن تقيم الهيئة فروعاً ومؤسسات لها في جميع أنحاء العالم، ليس الصراع مع الصهيونية كحركة استعمارية صراعاً مع اليهود، هذا رغم أن الصهيونية تلبس لبوس حركة قومية تمثّل اليهود، إنه في الجوهر صراع ضد الاحتلال والعنصرية ونظام الفصل العنصري في فلسطين، الذي يشمل ليس فقط فصل الفلسطينيين في الداخل، بل أيضاً إقصاء اللاجئين، وفصلهم عن وطنهم. فالفصل العنصري الصهيوني لا يستهدف الباقين على الأرض فقط، بل يشمل الطرد والتهجير كجزء من عملية ضمان حقوق وامتيازات لأغلبية مصطنعة. ومن هنا فإن قضية فلسطين هي قضية عربية. وهي أيضاً ببعدها هذا قضية إنسانية يجب أن تشمل الديموقراطيين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الديمقراطيون اليهود والمسلمون والأميركيون والأوروبيون وغيرهم.
* مفكّر عربي