خالد صاغيةفي 14 آب 2006، كان على كلّ شيء أن ينتهي.
في ذلك اليوم، أُعلِن رسمياً فشل الحرب الإسرائيليّة على لبنان. وهي لم تكن حرباً إسرائيليّة وحسب. كانت حرباً خاضتها الولايات المتّحدة من أجل شرق أوسطها الجديد. لم تخفِ كوندوليزا رايس هدفها لحظةً واحدة. كانت أيضاً حرباً تعزّز لمرّة أخيرة سلطة فريق من اللبنانيين على الفريق الآخر، وتعلن نجاح «ثورة الأرز». على تلك المائدة في السفارة الأميركيّة في بيروت، كانت البيادق الأميركيّة تستمع إلى أمر اليوم، وهي تأكل السندويش بشهيّة.
في 14 آب 2006، كان على كلّ شيء أن ينتهي.
فالحرب الأميركيّة ـــــ الإسرائيليّة انتهت إلى غير ما كان متوقّعاً لها. هُزم مشروع، ولم يُعلن انتصار مشروع آخر. بقي فؤاد السنيورة في السرايا، لكن كمجرّد ظلّ لفؤاد السنيورة رئيس الحكومة. لم تجتح جماهير المعارضة المقرّ الحكومي الذي بدأ يتعاطى المسكّنات المذهبيّة، لكنّ المقرّ لم يعد مقرّاً، والحكومة لم تعد حكومة.
في 14 آب 2006، كان على كلّ شيء أن ينتهي.
كان واضحاً أنّ ثمّة من يكابر في إعلان لحظة الهزيمة. وثمّة من تواطأ مروّجاً للّاغالب واللامغلوب. مرجعيون لم تكن فضيحة أخلاقيّة. الدموع لم تكن دموع تماسيح. عناق رئيس الحكومة لرايس كطفل خائف يعانق أمّه كان مجرّد جهد دبلوماسيّ. انتصار إسرائيل لم ينتظره أحد في لبنان. ما زالت أمام ثورة الأرز دروب ثوريّة طويلة. ابتسم البعض بخبث، وأخرج من جيبه شعار الفتنة.
في 14 آب 2006، كان على كلّ شيء أن ينتهي.
في تلك اللحظة، كان على «الثورة» أن تعلن فشلها، وعلى «الثوّار» أن يعيدوا حساباتهم. كنّا وفّرنا حروب الأزقّة، والجرائم الصغيرة، وأحداث 7 أيّار، واعتصام وسط بيروت، واتفاق الدوحة... كنّا وفّرنا بعض الأحقاد والاستقطابات المذهبيّة... كنّا وفّرنا على أنفسنا الشلل الحكومي باسم الوفاق الوطني، ومسرحيّة العلاقات الشخصية الممتازة بين «ابن الشهيد» و«المتّهم لسنوات باغتيال الوالد»...
في 14 آب 2006، كان على كلّ شيء أن ينتهي.
لبنان ما بعد حرب تمّوز هو غيره ما قبلها. المنطقة كلّها باتت لا تشبه ما كانت عليه. ثمّة من لم يقتنع بهذه المعادلة بعد. لديه متّسع من الوقت كي يقنع نفسه. وفي الانتظار، يمكنه أن يستمرّ في جرجرة الهزيمة وترقُّب قرار ظنّي، أو حرب إسرائيليّة أخرى.