وائل عبد الفتاحجو كابوسي إلى حد كبير، مستشار، نائب رئيس محكمة القضاء الإداري في مصر يلقى مصرعه في حادث سيارة على طريق الساحل الشمالي. أصابع الاتهام بحثت عن شبهة جنائية وربطت بين الحادث ومسؤولية المستشار عن حكم ببطلان عقد مشروع «مدينتي»، وهو أحد أضخم مدن الإسكان الفاخر في مصر. مشروع تملكه شركة طلعت مصطفى الشهيرة بمشاريعها وابنها هشام، إمبراطور العقارات، المحكوم عليه بالإعدام بتهمة استئجار قاتل للتخلص من المغنية اللبنانية سوزان تميم.
«الإمبراطور»، عضو لجنة السياسات في الحزب الحاكم، الجناح الفعال لجمال مبارك، قفزات شركته في عشر سنوات، حفر فيها لنفسه مكاناً بالقرب من مركز صناعة القرار، وبطلان عقد المدينة يعني خسارة بالمليارات واهتزاز عنيف في الثقل المعنوي في سوق العقارات، وإمكان فتح ملفات مسكوت عنها في علاقة الزواج بين المال والسلطة.
العلاقة تضفي طابع المافيا على شريحة المسؤولين في الدولة، لأنه قد يكون مثيراً الحديث عن عصابات منظمة تقتل القضاة الذين يصدرون أحكاماً على الديناصورات الكبار. إثارة بلا سند واقعي، لكنها شعور بوجود «عصابة» تحكم وتسيطر، وهو شعور أقوى في التأثير من وجود العصابات نفسها.
فكرة وجود عصابات سرية في مصر، فكرة قائمة وموجودة، تعبّر عن وجود قوى موازية لسلطة الدولة. قوى مالية وعائلية وربما طائفية وسياسية، تحاول حسم الحروب الصغيرة، وقطع الطريق على من يهدد مصالحها عبر تجنيد عناصر مدربة في عصابات محترفة.
الشعور بوجود هذه العصابات أحياناً أخطر من وجودها. فعلاً، لأنها قد تكون في لحظة من اللحظات عنصراً حاسماً في حسم معركة سياسية أو قضائية، يتعطل فيها القانون وينتصر فيها الأقوى أو الأكثر قدرة على الإيحاء بأنه الأقوى.
العصابة سر القوة. عامل الحسم السريع… وعرض الجبروت، والتعبير الواضح عن شعور أصحاب الثروات بالقلق من ثرواتهم. وشعور الجمهور المتفرج على الثروات بأن هذه الثروات تحميها عصابات منظمة.
ومن الطبيعي، في ظل مناخ مشحون بصراع القوى الخفية، أن يكون أول رد فعل هو ربط مصرع المستشار بالحكم الذي يفسد طبخة ثمينة.
التفكير في جرائم من هذا النوع جديد على مصر، ويشير إلى خيال أصبح يقبل أنواعاً من جرائم تفوق الحدود التي كانت تقصر الجرائم الغامضة على أجنحة أو أجهزة في الدولة. ولعل جرائم شرفات لندن هي أقصى ما وصل إليه خيال الجمهور المتفرج على صراعات القوى في مصر. وهناك حادثة أخرى تخص المشير أحمد بدوي، وزير الدفاع الأسبق، حين سقطت به طائرة الهليكوبتر، وقيل إنها عملية تخلص من منافس قوي.
خيال نشيط في نسج قصص عما يدور في كواليس دولة عسكرية، يتصارع فيها العسكر، لينتصر الأقوى والأكثر قدرة على التخلص من منافسيه.
القصص ربما كانت قد حدثت، أو تسربت أسرارها بفعل أجهزة ما، لكن رد الفعل الأول يكون من صنع المناخ الغامض لصراعات مالية وسياسية أو بين قوى تخفي ثلاثة أرباع قوتها في مخابئ غير معلنة رسمياً، لكنها ظاهرة لمن يتابع ويدقق، ويقدر على تخيل ما يدور خلف الأسوار العالية، وخصوصاً أن أطفال السلطة المدللين خرجوا عن السيطرة، ويمارسون حياة فوق الخيال يشاهدها جمهور متعطش لعروض دم وقتل، يتشفى فيها من الطبقات المحمية، ويبرر ضعفه بجبروت العصابة السرية التي لم تعد مجرد حكايات نميمة تسلي ليالي الإحباط والعجز.
طريقة الحكم أثمرت منتجها الفاتن. أثمرت أشخاصاً ممنوعاً الاقتراب منهم أو المس بهم UNTOUCHABLE. شخصيات فوق القانون، يحميهم جيش من المأجورين، وعصابات تزوير وقتل وتلفيق قضايا.
الوجود في العصابات أصبح قانوناً. لا فرق هنا بين شخص مشاغب يبني سمعته على امتلاكه عصابة سرية وشخص يؤجر بلطجية، لكنه طيب، لا يحب المشاكل. لكنه قانون الملعب إذا أردت البقاء داخله.
العصابات السرية موجودة وتحسم الخلافات وتفرض حضور القادر على دفع تكاليفها، لكنها اليوم لم تعد جيوشاً خلفية، لكنها تقدمت خطوة، أصبح وجودها الافتراضي (قبل الواقعي)، عنصراً حاسماً في الصراع السياسي أو المالي.
وهذه مرحلة جديدة تدفع الدولة إلى طابعها المافياوي، بكل ما في بنيتها من استبداد يربي الفساد، ويقوي به طبقة الحماية من تقلبات الإصلاح السياسي.