وائل عبد الفتاحاللغز بلا حل قريب. الأب أم الابن؟ إنه النجاح المذهل لفريق الحزب الحاكم في مصر: صنعوا اللغز وورّطوا الجميع في السباق بشأن الوصول إلى الحل: الأب أم الابن؟ الأبناء مختلفون في مصر لمن يراها الأب الروحي للجنرالات الملوك. الابن المنتصر في حرب أبناء الزعيم الليبي معمر القذافي، يرى مثل أبيه مصر نموذجه الفاتن. حدث هذا بعد سنوات من محاولة التمرد على الأب «الروحي» و«الفعلي». لكنه بعد حرب أبناء الجنرال عاد، وها هو يحل أزمة الجاسوس الإسرائيلي على الطريقة المصرية: مفاوضات سرية وعلاقات مع أطراف جديدة على النظام الليبي وعقلية لا تقيدها اللاءات القديمة.
هكذا انتهت أزمة الجاسوس رفائيل حداد، وشعر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان بالسعادة، بينما العقلية المفتوحة لابن الجنرال لا تمنح تلك السعادة لملايين آخرين يعيشون في حصار الممنوعات «الثورية» منذ ٤٠ عاماً.
القنوات مسدودة في الداخل. والعقليات مفتوحة أمام الخارج. وهذا أيضاً درس مصري: «انفتاح مع الخارج يحميك في الداخل». وهذا سر لغز الأب أو الابن في مصر.
أمين الإعلام في الحزب الوطني الحاكم في مصر قال: «الأب... ولا أحد غير الأب». ورجل أعمال من متخرّجي منظمة الشباب (الناصرية) وتربية الأجهزة العليا قال بثقة شديدة: «الابن... الابن إذا لم يستطع الأب تكملة مسيرة الاستقرار والاستمرار».
اللغز أكبر من الأزمات. شوارع العاصمة تتبادل العتمة بعد قرار خفض ٥٠ في المئة من استهلاك الكهرباء، واللحوم فاسدة، ومياه البيوت ملوثة ولا تصل، وماء النيل رهن الإصلاح الدبلوماسي مع دول الحوض، والخبز في انتظار أزمة جديدة أعنف... بعد القرار الروسي بوقف تصدير القمح.
مصر حسب صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» من أكبر مستوردي القمح في السوق العالمية، حيث تشتري سنوياً من 6 إلى 7 ملايين طن، نصفها من روسيا، والقرار الروسي بمنع تصدير القمح إلى الخارج يعني أن مصر لن تستقبل 540 ألف طن من القمح التي كان من المقرر أن تحصل عليها قبل 10 أيلول. الحكومة كالعادة، حاولت التقليل من وقع الأزمة وتحدثت عن مخزون أربعة أشهر من القمح وخطة لشراء 60 ألف طن إضافية شهرياً من بلدان أخرى (أميركا وفرنسا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق). خبراء التجارة والزراعة قالوا إن الأزمة حدثت بسبب غفلة الحكومة عن أزمة تعتبر بالنسبة لمصر أزمة أمن قومي، ولا تنتج مصر عملياً سوي 8 ملايين طن فقط من القمح المحلي سنوياً، وقال مسؤول في الغرفة التجارية للصحيفة الأميركية «خزانة الدولة لن تمكنها من إنفاق مبلغ 5 مليارات جنيه إضافية لمواجهة الزيادة في أسعار القمح الدولية»، بينما خرج أمين أباظة، وزير الزراعة، من الباب الوردي التقليدي وصرح بأن مصر ستصل للاكتفاء الذاتي بعد ١٠ سنوات.
أزمة تهز الدولة. لكن لا أحد يهتم سوى الرئيس، الذي طلب تقريراً من الحكومة. هذا من واقع خبرته في ترويض الشعب، يعرف أن رغيف الخبز أهم من بطاقة الانتخاب، وأن الشخص العادي لا يربط بين الرغيف والبطاقة.
الرئيس في مصر يمتلك أكثر من ٦٦ في المئة من صلاحيات الدولة، وتغييره مهم، لكن المهم تغيير نوع العلاقة التي لا تمنح من يقفز على الكرسي الحق في أن يخطف البلد، ويسعى الى الخلود.
المهم هو استعادة المجال العام، لكي لا يصبح كل شيء في مصر «ملك الحكومة». المجال العام يعني السياسة والشارع. السياسة بما أنها اتفاق على طريقة إدارة المصالح في المجتمع. والشارع بما أنه مساحة انتفاع عمومية من حق الجميع، حق لا يخضع لمزاج السلطة.
الأنظمة في مصر تسيطر على السلطة لأنها تحتكر المجال العام، وبدلاً من المجال العام، هناك الفضائيات، ولهذا فإنها لحظة الكومبارس في مصر. سيملأون كل الساحات تقريباً من هنا وحتى انتخاب الرئيس الجديد. سيخرجون من مخازن الحزب الحاكم، والمعارضة، ليلعبوا الدور الكبير في استمرار أوضاع مصر على ما هي عليه.
الكومبارس سيحسمون المعركة. النظام لديه محترفون في ترويض الكومبارس، واستعارتهم حتى من خصومه. الكومبارس يلعبون دور «الشعب» بكل ما يمتلكون من مهارة وخبرة في حكم الجنرال الملك.