يقول الخبر: «اضطرت إدارة النادي الأهلي السعودي إلى إلغاء معسكر الفريق القائم حالياً في مدينة سيفليد النمساوية قبل نهايته بخمسة أيام، إلى جانب المواجهة الودية المقرر لها السبت المقبل... بسبب وجود فريق إسرائيلي اتخذ من الفندق الذي تقطنه البعثة مقراً له... ما دعا الإدارة الأهلاوية إلى نقل المعسكر إلى ضاحية بادونهايم الألمانية». هذه الحادثة وسواها استدعت مجموعة من الخواطر
أحمد عدنان *
على أثر إلغاء النادي الأهلي السعودي معسكره في مدينة سيفليد النمساوية بسبب وجود فريق إسرائيلي في الفندق نفسه للبعثة السعودية، صرّح رئيس النادي الأمير فهد بن خالد: «الأهلي ليس مجرد ناد، فهو صاحب رسالة، وما يتعرض له أشقاؤنا في غزة وفي المناطق المحتلة لا نقبله ولا نساوم عليه ولو اضطررنا إلى الانسحاب من كل البطولات»!
في المقابل، نسبت مجلة «دير شبيغل» الألمانية تصريحاً للناشط الإسلاموي د. محسن العواجي قال فيه: «إذا لم يقم أحد آخر بضرب إيران... يتعين على إسرائيل أن تفعل ذلك... إسرائيل تهتم بأمنها الوطني فقط... بينما إيران لديها أجندة عالمية». العواجي نفى التصريح، وقال إنه يجب على إيران ضرب إسرائيل... ولكن دير شبيغل تمسكت بموقفها.
كل التصريحات والمواقف السابقة تشير، إضافة إلى طرافتها، إلى نفي الذات... للأسف!
■ ■ ■
الإدارة الأميركية وسيط منحاز لإسرائيل، وتركيا وسيط منحاز لمصالحه الخاصة، والاتحاد الأوربي منحاز هو الآخر ــــ ولا أعرف لمن! ـــ وإسرائيل، في حقيقتها، لا تريد السلام!
هذا ما نسمعه كثيراً من المحللين العرب، ما نريده من زملائنا المحللين: ماذا نريد نحن؟! ولماذا نحتاج إلى وسيط يفضّل إسرائيل علينا؟! ولماذا نحتاج وسيطاً من الأصل؟!
على كل حال، فإن كلمات المحللين تعني: نفي ذات آخر!
■ ■ ■
لماذا نخسر أمام إسرائيل؟ إذا حاربناها خسرنا... وإذا أردنا السلام خسرنا أيضاً!
حرب 1948 انتهت بنكبة، وحرب 1967 انتهت بنكسة، وحرب 1973 انتهت بتعادل له طعم الهزيمة أو بانتصار يشبه الهزيمة... وحين نقرأ الوضع المأسوي الذي تعيشه مصر، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فسندرك أن النتائج التي تبعت حرب أكتوبر لا تليق إلا بالخاسرين.
وحين تقع المواجهة بين إسرائيل والمقاومات العربية، لا يعني الانتصار أكثر من أن تبقى المقاومات على قيد الحياة! لإلياس حنا مقال نشره في صحيفة «الشرق الأوسط» بعد حرب تموز يشرح فيه فلسفة الانتصار بطريقة أخرى: «لقد ربح حزب الله لأنه، فقط، لم يخسر، وخسرت إسرائيل لأنها، فقط، لم تربح».
من الغريب والمريب أن نستنجد بالفلسفة والتأويل لإثبات النصر على إسرائيل، وعلى صعيد آخر نلجأ إلى قواميس اللغة لتمييع الهزيمة! ومن الغريب والمريب أيضاً أن هناك من سارع إلى إلقاء السلاح مبكراً قبل حسم التسوية دون أي مبرر!
لماذا يفشل خيار السلام؟! يقول وزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر في كتابه «نهج الاعتدال العربي» بما يعني المزايدة: العرب والإسرائيليون لا يسيرون إلى خيار السلام على قلب رجل واحد.
وللصحافي التونسي الصافي سعيد رؤية أكثر عمقاً في كتابه «خريف العرب»: شعار الأرض مقابل السلام لا يحقق المقايضة... فالأرض تحت الاحتلال الإسرائيلي... والسلام يعني، كذلك، ألا تطلق إسرائيل الرصاص!
ووفق هذا المنظور: خيار السلام لم يقد، حتى الآن، لا إلى الدولة الفلسطينية ولا إلى السلام العادل والشامل، لذلك فإن مبادرة السلام العربية بحاجة إلى مراجعة، لأن كل التعامل مع إسرائيل بحاجة إلى مراجعة. لم تنجح فكرة المقاطعة ولم يتحقق خيار المواجهة ولا أفق أمام مسيرة السلام (ونلاحظ أن الحديث عن السلام مرتبط بالحديث عن الحكومات الإسرائيلية)... أما «خيار اللا سلم واللا حرب» فيعني ألا نفعل أي شيء!
(قال: نحن نستنجد بالدول التي لها علاقة بإسرائيل لتضغط عليها... فلماذا لا نضغط عليها نحن؟).
■ ■ ■
أقف حائراً وتائهاً أمام تجربة حزب الله وحماس. حين تقف المقاومات العربية في مواجهة إسرائيل لا أستطيع إلا أن أتعاطف وأؤيد المقاومات، ولكن... حين تتصادم هذه المقاومات مع الدولة لا أستطيع إلا أن أنحاز مع الدولة، ولو كانت الدولة هشة.
وحين أتذكر أن هذه المقاومات تنتمي إلى فصيل الإسلام السياسي، بكل ما يحتوي أغلب هذا الفصيل من معاني الإقصاء، إقصاء الفرد قبل إقصاء الآخر، يصيبني الاكتئاب!
إذا حققت هذه المقاومات نصراً قاطعاً على إسرائيل فسينتصر النموذج الاجتماعي والثقافي الذي تروّج له تلك المقاومات، وإذا خسرت تلك المقاومات فإنها خسارة على عاتق العرب كلهم. هذا ليس عدلاً!
نفتقد هذه الأيام فتح المقاوِمة... الحزب الشيوعي اللبناني... الحزب السوري القومي الاجتماعي... الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، نريد أن نرى مقاومة بلا لحية أو عمامة نجومها: جورج حبش... جورج حاوي... خالد علوان... سهى بشارة... ودلال المغربي.
تلك المقاومات البائدة رغم أدلجتها وسلبياتها أو أخطائها البشعة، لم تتوقف على جنس أو طائفة ولا حتى جنسية، فالعديد من العرب انضموا إلى فتح مثلاً وقاتلوا معها.
إذا حققت المقاومات نصراً قاطعاً فسينتصر نموذجها الثقافي، وإذا خسرت، فإنها خسارة على عاتق العرب كلهم
لا أريد أن أنفي الدولة. نفتقد الدولة التي تتعامل مع إسرائيل على النحو السوي: لا سلام لمجرد السلام ولا قتال لمجرد قتال، الدول العربية ليس في يدها أن تتعامل مع إسرائيل لأنها بعيدة، في المجمل، عن مفهوم الدولة، وأقرب معايير الدولة يتجسد في الشرعيّة، إن شرعيّة نجوم برامج الواقع التي تبثها القنوات العربية، للأسف، أصدق من شرعية بعض الحكام العرب!
حين أوفد الرئيس أنور السادات رئيس وزرائه مصطفى خليل للتفاوض مع مناحيم بيغن، قال الأخير: «أنا أمثل الشعب الذي انتخبني... من تمثل أنت؟!»، وكما يقول الكاتب السياسي عبد المنعم مصطفى: «وللأسف كان (بيغن على حق»!
المطلوب من العرب إذا أرادوا الحرب أو السلم أن تقوم لهم دولة محترمة، وأن يعيش المواطن وهو آمن من الاستبداد والخوف، فالعبيد لا يفكرون ولا ينتجون ولا يحررون و«لا تقوى أياديهم المرتعشة على البناء» كما قال الرئيس جمال عبد الناصر!
وعلى الصفة الأخرى، فإن السؤال الموجه إلى الأمين العام لحزب الله بحكم أنه أكثر المقاومين العرب وجاهة وشعبية: ألا يمكن أن تتطور مكونات المقاومة لتشمل كل مكونات المجتمع على اختلاف أطيافه وشرائحه وتكويناته وتياراته؟ ألا يمكن أن تبتعد المقاومة عن التعبير عن أيديولوجيا سياسية أو دينية في حالة موازية لعقائد الجيش وماهيته الذي لا يفرق بين أبنائه الذين ينتمون إليه قبل المساواة بين إخوانه الذين يدافع عنهم؟ والسؤال الأهم: ألا يمكن الوصول إلى صيغة نهائية توفّق تماماً بين صيغة المقاومة ومفهوم الدولة؟
إنني أستشعر خللاً عميقاً حين أرى المقاومات التي يفترض أن تحمي الدولة والناس تطالب كي يحميها الناس والدولة، وخصوصاً هذه الأيام!
لن تنجح تماماً أي تجربة مقاومة لا تحمل مشروعاً تنويرياً يعالج ويناهض حالة التخلف العربي ومسبباتها بدلاً من تكريسها. كيف ستستطيع حماس مثلاً تحرير فلسطين وهي تفرض في غزة الحجاب على المحاميات والجلباب على الطالبات؟ إذا استمر احتكار الإسلام السياسي لخيار المقاومة، أخشى أن نصل إلى نتائج «أفغانية» جديدة ومؤلمة، ولعلنا وصلنا!
(قال: حين غابت الدولة... حضرت المقاومة)!.
■ ■ ■
أما آن الأوان لتبادر المقاومات العربية إلى مشروع «نقد الذات» بحيث تقدم أجوبة شافية ومنطقية لمريديها وخصومها حول الأسئلة التالية:
ــــ ما هو الغرض تحديداً من المقاومة وحمل السلاح؟
ــــ ما هو الموقف النهائي لتلك المقاومات من الدولة التي تتحرك ضمن سيادتها أو تنتمي لها، ومن إسرائيل التي تقاومها؟
ــــ أين أخطأت المقاومات العربية وأين أصابت في المرحلة الماضية خارج ميدان المعركة؟
ــــ ما هي الإصلاحات اللازمة لتطوير العقيدة التي تحمل السلاح؟
كتبت بعد أحداث أيار 2008 المؤسفة مقالاً طالبت فيه أو اقترحت ــــ إذا حق لي ــــ بضرورة الفصل بين المقاومة والسياسة، وأن تقوم العلاقة بين أي مقاومة والدولة التي تنتمي لها على أساس تعاقدي بين طرفين (قانون) يحدد حقوق المقاومة وصلاحياتها وأهدافها ووسائلها وأجلها. وفي مقابل ذلك تُحدَّد واجبات الدولة والتزاماتها إزاء المقاومة، مع التأكيد على احتكار الدولة لقرارَي الحرب والسلم وخضوع جميع أبنائها، بلا استثناء، لسلطانها. هذه الأفكار ليست مهمة بقدر أهمية «نقد الذات» كمبدأ.
(قال: 14 آذار على حق إلا في المقاومة... 8 آذار على خطأ إلا في المقاومة... حزب الله على خطأ إلا في المقاومة).
■ ■ ■
في الذكرى الستين لنكبة 1948 امتلأت الصحف العربية ووسائل الإعلام بالمناحة على فلسطين ورثاء العرب وشتم إسرائيل.
مجلة «العربي» الرائدة في الكويت قامت بما هو أجدى: وزعت خريطة جميلة وكبيرة عنوانها اللافت «فلسطين». هذه الخريطة كانت أعمق تأثيراً من كل الشتائم والمراثي... وأصدق تفاهماً مع الدموع.
أما المشهد الأقرب للكوميديا في كل تاريخ الصراع العربي ــــ الإسرائيلي، انخراط سوريا في تفاوض غير مباشر في تركيا، ورفض قوى الرابع عشر من آذار انخراط لبنان في تلك المفاوضات!
■ ■ ■
نسمع في بعض وسائل الإعلام ومن بعض الساسة اتهامات موجهة لدول وصحافيين بالعمالة لإسرائيل والولايات المتحدة أو بالخيانة على وجه العموم.
أتمنى على وسائل الإعلام تلك أن تضع تعريفاً شاملاً ودقيقاً للخونة والعملاء، سنتفق معهم بأن كل من تنطبق عليهم معايير العمالة، بالمعنى الأمني والحرفي، يستحقون المحاكمة والعقوبة والتشهير، ولا اعتقد أنه أصبح لائقاً أن يكون التباين في الموقف السياسي مبرراً كافياً لتهمة العمالة، حتى لو وصل التباين إلى: تأييد كامب دايفيد، تأييد اتفاقية أوسلو، تأييد المبادرة العربية، الخصومة مع حزب الله وحماس، والخصومة مع بعض الدول... وخصوصاً الممانعة منها! (وبالمناسبة فإن مفهوم «الممانعة» شبيه بمفهوم «الصمود والتصدي» الذي يعني الثبات في المكان وعدم القيام بأي فعل أو مبادرة).
هناك تعريف آخر للعمالة والخيانة. فإسرائيل تريد تفكيك العرب وتخلفهم. ولكن هناك تيارات سياسية يرى البعض أن ما تدعو له لا يختلف في النتيجة عما تريده إسرائيل، مثلاً:
ــــ كل من عطل مشاريع التنمية والإصلاح السياسي بحجة المعركة.
ــــ كل من برر زج المواطنين في المعتقلات بذريعة المعركة، وكل من جثم على رقاب الناس باسم المعركة.
ــــ كل من لا يؤيد حرية الفرد دون قيد أو شرط تحت سقف القانون.
ــــ كل من لا يؤيد حرية التعبير دون قيد أو شرط تحت سقف القانون.
ــــ كل من لا يؤيد سيادة القانون، أصلاً، لتفضيل سيادة الفقهاء، ويعطل العقل لمصلحة النقل.
ــــ كل من لا يؤيد تمكين المرأة دون قيد أو شرط.
ــــ كل من لا يؤيد شرعة حقوق الإنسان دون قيد أو شرط.
ــــ كل من لا يؤيد الانتقال إلى دولة المؤسسات المدنية والديموقراطية دون قيد أو شرط.
ومن الضروري التشديد على «دون قيد أو شرط» لأننا إذا فتحنا صندوق الشروط والقيود فإننا سننتهي، لا محالة، إلى المحافظة على الوضع الراهن!
■ ■ ■
في رمضان الماضي، وقعت الأعمال الدرامية في عنصرية مزعجة إزاء اليهود
بعد نكسة 1967 أطلقت وزارة الإرشاد القومي بتوجيه من الرئيس جمال عبد الناصر برنامجاً إذاعياً بعنوان «من قلب إسرائيل»، وسلسلة كتب عنوانها «اعرف عدوّك». فكرة السلسلة والبرنامج التي أشرف عليها كل من د. حسن ظاظا والأديب أنيس منصور تقول إنه يتحتم علينا من أجل الانتصار على إسرائيل أن نتعرف على كل تفصيلاتها بما في ذلك أدبها وتياراتها الفكرية والسياسية والاقتصادية ومكوّناتها الاجتماعية... وهموم مواطنها اليومية.
السؤال المطروح على دعاة السلام مع إسرائيل ودعاة الحرب عليها: ماذا تعرفون عن إسرائيل؟
ما يهمني أنه، حتى اليوم، لم يتهم أحد الرئيس عبد الناصر أو وزير الإرشاد محمد عبد القادر حاتم بتهمة التطبيع كما اتهمت دار الجمل بسبب ترجمة رواية «قصة عن الحب والظلام» لعموس عوز!
(قال: مصطلح «التطبيع» ولد من رحم «الطبيعية» التي لا تعني الشرعيّة... ولكن وضع إسرائيل في مرتبة فوق «الطبيعية» يعطيها ورقة التفوق... ووضعها في مرتبة أدنى يعطيها ورقة التمايز، إسرائيل «طبيعية» نسبة إلى راهننا الذي يستحق المعالجة).
■ ■ ■
وضع المخيمات الفلسطينية في لبنان وصمة عار على جبين كل لبناني بلا استثناء لتردي الأوضاع الإنسانية، ووصمة عار على جبين كل فلسطيني بلا استثناء بسبب تحولها إلى ملاجئ للفارين من العدالة... ولأنك ستجد في أصغر مخيم 17 فصيلاً على الأقل!
فكرة «المخيم» في أي مكان مقرفة ومقززة، وخصوصاً في بلد يرى نفسه، ويراه الآخرون، بأنه واحة الحرية في العالم العربي. بقول البعض: «لماذا لا تأخذونهم أنتم في العالم العربي؟!»، والرد عليهم: «لماذا لا تعلن الدولة طردهم؟!».
إن فكرة «المخيم» سواء في لبنان أو خارجه لا تليق إلا بإسرائيل أو بنظام التمييز العنصري البائد في جنوب أفريقيا، ولا يمكن أن تكون «المخيمات» إلا مصدر قلق وتوترات أمنية في ظل تحررها من سلطان الدولة اللبنانية. السلاح الفلسطيني في لبنان لا يمكن أن يتمتع بأي شرعية لا داخل المخيمات ولا خارجها، وأطرف ما سمعت حين صرّح أحد القادة الفلسطينيين يقول: «هذا السلاح لحماية الفلسطينيين»، لم يقل لنا ذلك المسؤول حمايتهم ممَّن؟! من اللبنانيين أم من إسرائيل؟! إذا ساوى ذلك السياسي بين لبنان وإسرائيل فأقترح عليه فوراً أن يخرج أتباعه من لبنان.
اللاجئون الفلسطينيون يعيشون خارج لبنان بسلام لأنهم لا يحملون سلاحاً ولا يعاملون بتمييز. ويخضعون لسلطان الدولة، المطلوب من الفرقاء اللبنانيين شن حرب لا هوادة فيها على السلاح الفلسطيني داخل لبنان بالتوازي مع حربهم على «التوطين». والعمل على معالجة أوضاع الإنسان الفلسطيني ليصبح «اللاجئون» جالية مثل أي جالية أخرى.
رفض قانون الحقوق المدنية للفلسطينيين في لبنان الذي اقترحه النائب وليد جنبلاط يعني تكريساً للعنصرية من طرف الساسة اللبنانيين، ودعماً مطلقاً للميليشيات المجرمة في المخيمات، وتشريعاً لعبودية الإنسان الفلسطيني لتلك الميليشيات.
بعض اللبنانيين لم يتحرروا من عقدة الحرب الأهلية، نعم. لقد ارتكب ياسر عرفات جرائم بشعة في حق لبنان، وارتكب الإعلام العربي جريمة أكبر حين ركز على مجزرة «تل الزعتر» ومجزرة «صبرا وشاتيلا» وأغفل الجرائم التي ارتكبها عرفات ورفاقه، ولكن الانتقام من الإنسان الفلسطيني غير مُجدٍ وغير منطقي وغير إنساني.
(قال: الانتقام من التاريخ، في النهاية، ليس إلا انتقاماً من النفس).
■ ■ ■
في الأعمال الرمضانية العام الماضي، وقعت الأعمال الدرامية في عنصرية مزعجة إزاء اليهود والإنسان الإسرائيلي. هناك فرق بين الدين اليهودي وإسرائيل، وهناك فروقات بين الإسرائيليين أنفسهم.
مسلسل «متخافوش» الذي قدمه الفنان نور الشريف لم يقدم فناً بل وعظاً سياسياً، فشخصية مكرم بدوي التي جسدها الشريف الذي يدير ويملك قناة «الشعلة» كانت بعيدة عن الواقع تماماً من حيث الأحداث التي واجهته أو التحديات التي فرضت نفسها عليه بسبب بعدها عن واقع الإعلام العربي، كما أن تحدي أن يكون بطل المسلسل من أصول يهودية، ومدى العار الذي يسببه هذا الأصل، فيه منحى عنصري غير مقبول يكرس قيمة الإنسان بنسبه وأصله التي يفترض أنها ممجوجة في عصر قيمة الفرد، وحريته، وعمله.
المسلسل الآخر الذي حقق شعبية واسعة هو «حرب الجواسيس» للمؤلف بشير الديك والمخرج نادر جلال، في إحدى الحلقات. ترغب راشيل عميلة الموساد بإيطاليا في ممارسة الجنس مع بطل المسلسل من أجل الإنجاب، والغريب أن زوجها يؤيد هذا التصرف ويشجع البطل!
لا نستطيع أن نطلب من الآخرين أن يقدموا العرب والمسلمين في إطار موضوعي ونحن غير قادرين حتى على التعامل الدرامي مع الشخصية الإسرائيلية أو اليهودية! هناك إنسان إسرائيلي، كما هناك جندي إسرائيلي وسياسي إسرائيلي، وهذا الإنسان هو أول من يعترض على جرائم الساسة والجند.
(قال: تذكروا المحتجين على مجزرة صبرا وشاتيلا. ثم قال: التمييز التام، ضروري هو الآخر، بين إسرائيل والحضارة الغربية.. إلا إذا اعتبرنا إسرائيل «نفاية» تلك الحضارة).
■ ■ ■
قرأت أخيراً كتاب «وادي أبو جميل» للصحافية اللبنانية ندى عبد الصمد عن يهود لبنان، وقرأت في السابق رواية «فريدة» للروائي نعيم قطان عن يهود العراق.
ما جرى للأقليات اليهودية في لبنان والعراق ومصر وغيرها من تهجير واضطهاد دليل على مشكلة عميقة في العجز عن استيعاب مفهوم «المواطنة» وقيمة «التنوع».. من جهة العرب.. وجهة اليهود العرب أيضاً. ترى هل الحنين الذي عكسته تلك المؤلفات دليل على مراجعة الوعي والضمير؟!
أتساءل: لو طالب يهود لبنان والعراق ومصر باستعادة هوياتهم وحياتهم في تلك الدول، فماذا سيكون موقف السلطات والناس؟
في برنامج تلفزيوني على إحدى الفضائيات المصرية الخاصة استضاف مقدم البرنامج أحد يهود مصر المهاجرين إلى الولايات المتحدة عبر الهاتف وانهال عليه بأسئلة من عيار: ما هو موقفك من إسرائيل؟ ما هو موقفك من الجرائم اليومية التي يرتكبها العدو الإسرائيلي إزاء الفلسطينيين؟ أجاب اليهودي المهاجر: أنا أعترف بإسرائيل كما اعترفت بها مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية، أما بالنسبة لقتل الأبرياء والأطفال والعزل والمدنيين والنساء، فأنا أدين هذه الأفعال سواء قام بها الجيش الإسرائيلي أو المنظمات الفلسطينية.
لم تكف هذه الإجابة مقدم البرنامج كي يمنح اليهودي المهاجر صك المواطنة، وأكّد ضيف البرنامج أن هجرة اليهود أو طردهم من مصر نعمة كبيرة للتخلص من عملاء إسرائيل.
لا أحد ينفي أنه أُثبتت تهمة العمالة على أفراد من اليهود العرب لمصلحة إسرائيل. ولكنه، في المقابل، قُبض على عملاء «مسلمين» دون أن ينسحب هذا الاتهام على الطوائف التي ينتمون لها!
■ ■ ■
كتب تركي الحمد في صحيفة (البيان) الإماراتية بتاريخ 10 كانون الثاني/ يناير 2006 مقالاً بعنوان «أين المصلحة في حديث المحرقة» أقتطف منه النص الآتي:
«أن يحاول البعض تبرئة النازية من جرائمها، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وعلى رأسها تصفية الأعراق غير المحبذة، مسألة غاية في الخطورة من حيث إعطاء مبرر لممارسة الإقصاء بالعنف لأيديولوجيات أخرى يسيّرها المنطق ذاته، وتقوم على البنية ذاتها، حتى وإن لم يكن صراحة كما فعلت النازية، وذلك كما يفعل البعض اليوم بإنكار حدوث المحرقة اليهودية إبان الحقبة النازية.
والقضية هنا ليست قضية الذين التهمتهم المحرقة أو هويتهم، هل هم ستة ملايين أم أكثر أم أقل، وهل هم من اليهود فقط أم من أعراق أخرى، بقدر ما أن القضية في المبدأ نفسه ومن الموقف ذاته.
فالذي يقتل يهودياً لأنه يهودي، إنما يعطي المبرر لآخر أن يقتل العربي لأنه عربي، أو المسلم لأنه مسلم، أو المسيحي لأنه مسيحي، وعلى ذلك يمكن القياس».
* صحافي سعودي