خالد صاغيةحين يصبح موضوع العمالة لإسرائيل مزحة على لسان وزير الدفاع الوطني، أو تهمة يطلقها في وجه كلّ من أزعجَ خاطره، يحقّ لنا أن نتساءل: عن أيّ دفاع وطنيّ نتحدّث؟ وأمام أيّ نوع من الوزراء نحن؟
الياس المر على حق. فإذا اكتُشف بعض العملاء داخل المؤسسة العسكرية، يمكن أن تحتوي الصحف، هي الأخرى، على عملاء. لكن أن تُلصَق تهمة العمالة بمن يكتب مقالاً يزعج وزيراً، فهذا ما يدخل في باب الخفّة التي لا تُحتمل.
والواقع أنّ الوزير المرّ خبير في إحراق البلاد من أجل أن يشعل سيجارته. مرّةً يخوض معركة ضدّ مجموعة أصوليّة وهميّة كي يكسب رضىً أميركياً، ومرّةً أخرى يحرق مخيّماً كي يشفي حقداً دفيناً ضدّ الفلسطينيّين اختزنه منذ أن عمل مع بطل مجزرة صبرا وشاتيلا... وحين تفرغ الساحة من الأعداء، يرفع عنتر سيفه ويلاحق «عبدة الشيطان».
لكنّنا نعيش في بلاد يصبح فيها هذا النوع من الوزراء هو ممّن تخاض معارك من أجل ضمان حصّتهم داخل أيّ حكومة. ألم يطالب أبو الياس ذات يوم بحقيبة وزاريّة «تليق بابني الياس»؟ فالوزارات تُفصَّل عندنا على مقاس أبناء العائلات. وغالباً ما تصبح الوزارة ملكاً شخصياً للعائلة تتوارثه جيلاً بعد جيل.
كان يوم أمس، واحداً من تلك الأيّام التي نكتشف فيها القعر الذي انحدرت البلاد إليه. وزير دفاع لا يدافع في الواقع إلا عن مصالحه ومصالح عائلته، يسأل بوقاحة مطلقة: من هو الأصدق، الصحافي أم وزير الدفاع؟ وكأنّ مراقبة عمل الوزراء والمسؤولين ليست واحدةً من المهمّات الأساسيّة للصحافي. وكأنّنا لم نشبع كذباً متواصلاً من المسؤولين في هذا البلد. وبالوقاحة نفسها، يقول وزير الدفاع لأحد الصحافيّين: «معلّمك قال...»، لمجرّد أنّ ذاك الصحافي يعمل في محطّة قريبة من تيّار سياسيّ. أما من معلّم في هذه الجمهوريّة يعلّم المسؤولين كيف يتكلّمون في مؤتمراتهم الصحافيّة؟
يدّعي بعض الباحثين في الفلسفة السياسية أنّ علينا ألّا نقلّل من العامل الشخصي لدى تحليل الظواهر العامة. فالعالم يعاني إجمالاً من حكم أبناء كلّ ما يهتمّون به هو الإثبات لآبائهم أنّهم أصبحوا رجالاً. فماذا فعلتَ بنا يا أبو الياس؟