strong>سلمان عبد الحسين*إذا خضنا في الجانب السيكولوجي للّذين حضروا مؤتمر السيد حسن نصر الله يوم الاثنين 9 آب، ومن يشبههم أو من هم صدى لهم في السياسة، يمكن تقسيم الحاضرين إلى أربع فئات في ضوء القرائن التي ساقها السيد نصر الله، والتي تقود إلى اتهام إسرائيل باغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري.
الفئة الأولى: انطوى عندها جانب عدم التصديق قبل وقائع المؤتمر وأثناءه وبعده، مع ما تحمله من مشروع سياسي يفترض منها عدم التصديق حكماً، وهم صدى قوى 14 آذار في السياسة. وظهر ذلك في التشكيك في ما التقطته المقاومة من مسح جوي جغرافي لخط سير موكب الرئيس الحريري من جانب طائرات الاستطلاع الإسرائيلية، مشكّكة في أنّ هذا الشريط قد يكون مُمَنْتَجاً لمصلحة توظيفه في قضية اغتيال الحريري.
الفئة الثانية: هي الفئة التي كانت تتوقع أن يذهب نصر الله بعيداً، ويتحول إلى قاض ويصدر الإدانة الواضحة القائمة على الأدلة القطعية. و تضمّ أيضاً الذين طلبوا المزيد في ملفات أخرى كشهود الزور ومن فبركهم وآليات عمل المحكمة الدولية، بعدما أصبحت هذه الأمور من التابوهات المؤقتة كتعويض عن عدم قطعية القرائن التي ساقها نصر الله. وهؤلاء أيضاً لم يقدّروا عالياً ما أدلى به نصر الله في تلك الليلة المشهودة، مع كونهم ربما صدى لأهل البيت نفسه.
الفئة الثالثة: وهي الفئة التي تحسّبت لاختراق إسرائيل منظومة العمل الأمني لحزب الله إثر كشف السيد نصر الله هذا السر الخطير والخرافي في آلية عمل المقاومة، وهو بحق سر خطير وخرافي، فطمأنهم السيد نصر الله إلى أنه إذا راحت عين، فهناك عيون أخرى، وأن المقاومة تعمل على بصيرة من أمرها، وأن وحدة لبنان واستقراره يستحقّان التضحية بالدم، وليس فقط كشف سر خرافي من أسرار المقاومة.
هنا فقط، تقع المفارقة بين مَن لم يقدّر عالياً استعداد حزب الله لكشف أحد أسراره الأمنية البالغة الخطورة والأهمية، وبقي على عناده وتصوّره المسبّق في ما يتعلق بملف اغتيال الحريري، وبين من هوّل لكشف هذا السر، متناسياً أن قيادة المقاومة تعتمد التخطيط ووضع جميع الاحتمالات في الميزان، فضلاً عن البدائل المفترضة أثناء إقدامها على أية خطوة. وربما جاء التهويل من الاعتقاد المسبّق بعدم تقدير الآخر لما سيكشف من سر خطير واستثنائي، وعدم البناء عليه ليذهب هذا السر مجاناً.
الفئة الرابعة: وهي الفئة التي وزنت قرائن السيد نصر الله وكشفه للسر الأمني الخرافي بميزان العدل والحكمة والقانون، ووضعته في السياق الذي أراده تحديداً سيد المقاومة، فلم تعاند، ولم تطلب المزيد على ما قدّم، ولا هوّلت لكشف هذا السر الخطير، بل التقطت كل إشارات نصر الله على أحسن وجه وأحسن صورة، وبنت على الشيء مقتضاه.
بعد رصد هذه الفئات التي التقطت كلام السيد نصر الله في مؤتمره الصحافي، كل على طريقتها، صار لا بد من إنصاف الرجل وإعطائه حقّه في ما قدمه من معطيات وقرائن نوعية في تلك الليلة المشهودة، لعدم ضياع الحقيقة بين الأرجل، وعدم تحويلها إلى بازار تصفيات. وهنا يمكن تقرير مجموعة نقاط مهمّة:
النقطة الأولى: أنّ السيد نصر الله كان واضحاً في خطابه، وواقعياً في ما عرضه من قرائن اتهامية، ولم يذهب أبعد ممّا قرره لنفسه من مسار على مستوى ما يريده من عرض هذه القرائن. فقد قال قبل المؤتمر وأثناءه إنّ هذه القرائن تفتح آفاقاً لتحقيق جديّ قائم على فرضية اغتيال إسرائيل للرئيس رفيق الحريري، وهي ليست أدلّة قطعية.
وحسب الفهم الموضوعي: لا حاجة إلى الأدلّة القطعية من شخص ليس في وظيفة القاضي أو المدعي، بل ثمّة حاجة إلى فرش الفرضيات من خلال سَوْق الشواهد والقرائن التي قد ترجّح هذه الفرضية أو تلك بعد التحقيق التفصيلي الذي يقوم به طرف آخر غير السيد نصر الله.
النقطة الثانية: أنّ السيد نصر الله لم يترك كلامه عن القرائن، وعن عدم الإتيان بأدلة قطعية بلا سبب، بل ساق في أثناء الحديث السبب الذي جعل ما توصّل إليه في قضية اغتيال الحريري قرائن لا أدلة قطعية، وجاء بذلك من داخل بيئة الاغتيالات التي صفّت بعض القادة الأمنيّين لحزب الله والمقاومات الأخرى، كما حصل في اغتيال القائدين غالب عوالي وعلي صالح، والأخوين المجذوب، ليثبت السبب الذي جعل ما بيديه في قضية اغتيال الحريري قرائن لا أدلة قطعية! فماذا قال نصر الله؟
بشأن عملية أنصارية التي كانت السر الذي كشف فيه السيد نصر الله عن قدرة المقاومة على اختراق طائرة «الإم ك» الإسرائيلية الاستطلاعية، وتحويل ما تبثه مباشرةً إلى غرفة عمليات القيادة في إسرائيل بعد دقائق فقط إلى غرفة عمليات المقاومة في جنوب لبنان. أكّد السيد نصر الله أن هذا السر الخطير لم يكن السبب الوحيد في مباغتة العدو وسحقه في أنصارية، بل أيضاً تقدير قيادة المقاومة بناءً على ما كشف من رصد جوي إسرائيلي لمنطقة العمليات المفترضة، أنّ هناك إنزال عناصر كوماندوز في هذه المنطقة، ومن ثم الكمون لأسابيع عدة لهم حتى لحظة تنفيذ العملية من الجانب الإسرائيلي، ليجري سحقهم بعد ذلك في موقعة أنصارية الشهيرة!
ولم يترك نصر الله الاستنتاج المضاد للآخرين. فقد أكد أن المقاومة بناءً على تقنية الاختراق المصاحبة لكل اختراق إسرائيلي للأجواء اللبنانية، استطاعت الحصول على الرصد الجوي الذي أجرته طائرة الاستطلاع «الإم ك» لمنزل الأخوين المجذوب، ومنزل قائدي المقاومة علي حسن سلامة وغالب عوالي، لكنها لم تستطع منع تنفيذ العملية كما حصل في موقعة أنصارية، لأنّ توقيت الاستطلاع مختلف عن توقيت التنفيذ بفترات متباعدة، فضلاً عن تشفير البثّ الذي حصل من جانب إسرائيل بعد موقعة إنصارية، والذي أعاق المقاومة في أحيان كثيرة.
هذا يعني أنّ القرائن يمكن أن تقود إلى الإدانة في حال حصول جهد استخباريّ إضافي كما حصل في اعتقال العميل محمود رافع، الذي اعترف بالإعداد اللوجستي وإيواء العناصر الإسرائيلية التي اغتالت الأخوين المجذوب وقادة في المقاومة. لكنها لن توصل إلى نتيجة مع انعدام هذا الجهد، كما هي الحال في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري في ظل المعطيات الجديدة التي ساقها السيد نصر الله عن المسح الجوي الإسرائيلي لمسار موكب الرئيس الحريري، ووجود العملاء التنفيذيّين الذين يقدّر السيد نصر الله سحب إسرائيل لهم لإخفاء معالم الجريمة، فيما تبقي على عملاء تنفيذيّين آخرين لتنفيذ جرائم أخرى في مواقيت مفتوحة، كما هي الحال بالنسبة إلى العملاء الذين راقبوا رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وقائد الجيش جان قهوجي، والرئيس سعد الحريري نفسه، وكذلك قائد القوات اللبنانية سمير جعجع.
إذن: فالجهد المستجد الذي استجاب له حزب الله بطلب من أولياء دم الرئيس رفيق الحريري لإجراء تحقيق يساعد على معرفة القتلة عام 2005، ثم معاودة هذا الجهد بدافع ذاتي بعد انكشاف شبكات العملاء عام 2009 ووصول نوبة القرار الاتهامي باغتيال الحريري إلى حزب الله، أفضيا إلى هذه القرائن المهمة التي لا تحتاج إلى أدلة قطعية ليس في وسع الحزب توفيرها في بيئة ليست بيئته للإشارة بإصبع الاتهام إلى إسرائيل.
فحزب الله وفقاً لطبيعة عمله الأمني كان مختصاً في حماية بيئته الأمنية لا بيئة غيره، وهذا أمر طبيعي في ظل عدم توقع الاغتيال أو تعقّب خيوطه. فقد أتى حزب الله بشاهد من داخل بيئته المقاومة ليثبت أن إمكان مطابقة القرائن للأدلة القطعية في عمليات الاغتيال، لا يكون إلا بقطع الشوط كلّه في التحقيق والجهد الاستخباريّ الاستثنائي للوصول إلى ذلك، وهذا المصداق ينطبق حكماً على قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو ما عناه السيد نصر الله في مسألة فتح آفاق جديدة في التحقيق.
النقطة الثالثة: وهي حديث السيد نصر الله عن إهمال القنوات المعنية في لبنان لوجود العملاء التنفيذيّين لإسرائيل، ودورهم في الإعداد النوعي للجرائم الإسرائيلية في ظل ما يجمعونه من معلومات محدّدة عن أشخاص محدّدين، واستعراضه أكثر من عميل والدور المناط به، من الدور اللوجستي الذي يقضي بتسهيل وصول مجموعات إسرائيلية لتنفيذ عمليات الاغتيال ومغادرتها بعد ذلك عن طريق البحر، إلى نقل المتفجّرات والحقائب السوداء، وصولاً إلى مراقبة بيوت وخطوط سير مواكب الشخصيات السياسية، إضافةً إلى نوعية المعلومات المطلوبة عن هذه الشخصيات.
فهذه المعطيات المهملة من الأجهزة الأمنية اللبنانية حتى مع وجود العملاء في حوزتها، تشير إلى أن بيئة الاغتيالات سهلة جداً في لبنان، كما أشار إلى ذلك السيد نصر الله، وأن من له القدرة على تنفيذها، والمستفيد الأكبر من ذلك، هو إسرائيل، بالنظر إلى كمّ ونوعية شبكات التجسس التي تعمل لمصلحتها، وتعدّد جوانب اختصاصها والمهمّات التي تنفّذها، فلمَ لم يأخذ المعنيون هذه المعطيات بعين الاعتبار؟ وماذا لو قلب الدور، وكانت وراء هذا الدور الإجرامي جهات في الاتجاه المضاد لقوى 14 آذار؟ هل سيبقى سكون قوى 14 آذار كما هي عليه الآن؟
نعم، يمكن قياس رد فعل قوى 14 آذار فيما لو كانت الجهات التي تنفّذ هذا الدور الاستخباريّ الخطير غير إسرائيل، بالنظر إلى ما مارسته تجاه سوريا من اتهام سياسي مصحوب بالعداء في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري بناءً على إفادات شهود الزور، وقبل شهود الزور أيضاً. وكيف لا تمارس هذا الدور وهي تطالب بنزع سلاح المقاومة الذي لا يستخدم في الداخل أبداً بناء على تصورات واهية، وبناءً على كيد سياسي وفخاخ تصنعها بنفسها للمقاومة، ولم يحصل ما تتوقعه باستمرار من استخدام للسلاح المقاوم في الداخل؟
فقد قلب لبنان رأساً على عقب، وعطلت العقول والإرادات، وكاد لبنان أن يقع في محذور الحرب الأهلية لمجرد اتهام سياسي. وفي المقابل: فإن معطيات حقيقية تخص إسرائيل، وضلوعها في اغتيالات عدة عبر أجهزتها التنفيذية، واختراقها العريض للساحة اللبنانية أمنياً واستخبارياً، لم تعرها هذه القوى اهتماماً، ولم تبنِ عليها فرضيات ووقائع كتلك التي بنت عليها اتهامها لسوريا باغتيال الحريري، وتغطي اتهام حزب الله حالياً بهذا الاغتيال.
ومع ذلك، ما زال حزب الله يقدّم الفرصة إليهم لسلوك الاتجاه الصحيح وتصويب المسار في قضية اغتيال الحريري بحديثه عن عميل الموساد غسان جرجس الجد، الذي كان حاضراً في مسرح جريمة اغتيال الحريري قبل يوم من عملية الاغتيال، مؤكّداً أنه مستعد لكشف معطيات جدية عن هذا العميل إذا وجدت لجنة تحقيق لبنانية، يمكن أن يثق بها حزب الله، ويسلمها هذه المعلومات، فضلاً عن المعلومات المرتبطة بتحليق الطيران الإسرائيلي في سماء لبنان في يوم وقوع جريمة الاغتيال، فهل تتلقّف قوى 14 آذار هذه الفرصة، أم تظل على منطقها القائل بتهاوي الحجج التي يسوقها حزب الله في اتهامه لإسرائيل باغتيال الحريري؟
فالتعاون مع معطيات حزب الله يمكن أن يعطي فرصة للتغطية على أسباب هرب أمثال هؤلاء العملاء الخطرين مع ما لهم من حيثيات مهمة في قضية اغتيال الحريري وكل الاغتيالات التي حصلت وستحصل في لبنان، من دون قدرة الأجهزة الأمنية على الاحتفاظ بهم حتى مع علمهم بحيثياتهم الاستخباريّة، وأدوارهم التي يقومون بها.
والتعاون أيضاً قد يغطي على الدعوة إلى التحقيق في أسباب انكشاف السواحل اللبنانية، وحتى مطار رفيق الحريري، أمام العناصر الإسرائيليين التنفيذيين الذين ينفّذون مهمّات الاغتيالات، والعملاء الذين يسهّلون لهم هذه المهمة، فيما عدم التعاون قد يقود إلى استنتاج أنّ قوى 14 آذار التي تحكم لبنان منذ عام 2005 حتى الآن متورّطة في خلق البيئة الحاضنة لوجود العناصر الأمنيّين الإسرائيليّين والعملاء الذين يسهّلون لهم تنفيذ مهمّاتهم!!
النقطة الرابعة: أنّ أهمّ خلاصة يمكن الخروج بها من المؤتمر الصحافي للسيد نصر الله، غير مسألة القرائن المرتبطة بفرضية اغتيال إسرائيل للرئيس الحريري، هي مسألة ما يُعدّ من اغتيالات جديدة لشخصيات سياسية كبيرة في التوقيت الذي يصنع التفجير، ويعطي مفاعيل سياسية وأمنية قريبة من مفاعيل اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
فالسيد نصر الله تكلّم عن الفارق في التوقيت بين تنفيذ جرائم الاغتيال والرصد الجوي لتحركاتهم وخطوط سيرهم، وكان أنموذج اغتيال الشهيدين المجذوب شاهداً مهمّاً في فارق التوقيت بين الرصد وتنفيذ المهمة الذي وصل إلى ثماني سنوات تقريباً.
وأخطر ما في كلام السيد نصر الله حديثه عن نماذج من الشخصيات المطلوب تعقّبها من جانب عملاء إسرائيل التنفيذيين، ومنهم رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس الحكومة سعد الحريري وقائد الجيش العماد جان قهوجي وقائد القوات اللبنانية سمير جعجع، ما يعني أن هذه الشخصيات، في ظل الفصل بين الرصد والتنفيذ، هي مشاريع استهداف من جانب إسرائيل متى وجدت أنّ اغتيالهم يخلق عناصر تفجير في لبنان، تؤدي إلى تحقيق أهدافها، ولا يوجد مناخ سياسي يحقّق أجندة إسرائيل الأمنية غير مناخ الانقسام السياسي، فهل تعي الأطراف المتصارعة في لبنان هذه الحقيقة مبكراً أم تعيها متأخرة حينما تقع الفأس في الرأس؟
وهنا يمكن تقرير ملاحظة موضوعية مهمة. فإذا عجزت التحقيقات الحالية عن كشف تورط إسرائيل في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فإن القرائن التي ساقها نصر الله يمكن أن تؤدي إلى كشف جرائم الاغتيال المقبلة فيما لو حصل ذلك لا سمح الله، كما أنها يمكن أن تكون أداة تحصين للحالة اللبنانية الأمنية في ظل انكشاف آلية عمل الاستخبارات الإسرائيلية!
وقد يكون في هذه النتيجة جواب شافٍ عن سؤال الصحافية التي سألت عن إمكان منتجة شريط الرصد الجوي لطائرة الاستطلاع الإسرائيلية «الإم ك» وهي ترصد رصداً دائماً مسار موكب الرئيس الحريري، والتي افترضت فيها أن إسرائيل كانت ترصد كل لبنان وليس فقط موكب الرئيس رفيق الحريري وخط سيره.
فليكن ذلك صحيحاً، فهذه لا تزيد قرينة نصر الله إلا قوة، إذا ما جرى البحث عن شرائط الرصد الجوي الأخرى لمواقع استهداف غير المواقع المشتغل عليها حالياً، والمرتبطة بقضية اغتيال الحريري تحديداً، فحين تقرّر القوى السياسية، وتحديداً قوى 14 آذار، التعاون مع حزب الله في ما يملكه من شرائط رصد جوي تابعة لطائرات الاستطلاع الإسرائيلية، يمكن اكتشاف خريطة الاستهدافات الإسرائيلية للشخصيات السياسية اللبنانية قبل وقوعها، وتكون أكثر من أنصارية قد وجهت ضربة قاسية إلى عمق العمل الإمني الاستخباريّ الإسرائيلي.

القرائن يمكن أن تقود إلى الإدانة في حال حصول جهد استخباريّ إضافي كما حصل في اعتقال العميل محمود رافع
النقطة الخامسة: إذا قلنا إنّ هذه قرائن نصر الله، فهل قدمت قوى 14 آذار قرائن غير الاتهام السياسي وفبركة شهود الزور؟ من يتابع الشخصيات التابعة لهذه القوى وهي تقلّل من قيمة قرائن نصر الله، يعتقد أنّ هذه القوى لديها ما تقدمه إلى الرأي العام غير واقع الخيبة الذي ظلت تطبّل له طوال السنوات الخمس المقبلة، من الاتهام السياسي لسوريا باغتيال الحريري، وسقوط هذا الاتهام السياسي كسقوط أوراق الخريف، إلى فبركة شهود الزور وحمايتهم كأنهم أولياء دم القتيل، إلى الدفاع عن العمالة لإسرائيل وتوفير البيئة الحاضنة لها مع ما تمثّله من اختراقات أمنية خطيرة، فماذا عند قوى 14 آذار مقابل قرائن نصر الله؟ لا شيء، هذه هي الحقيقة التي دمغها نصر الله قبل مؤتمره الصحافي، حينما قال: سأقدّم قرائن لا اتهامات سياسية!
أخيراً: إنّ هذه القرائن التي لا ترقى إلى الأدلة القطعية قد تكون عنصر استدراج من جانب حزب الله لقادة قوى 14 آذار ليتمسكوا بمواقفهم التي لا تقوم إلا على أساس الاتهام السياسي، وإبقاء التابو قائماً على فرضية اغتيال إسرائيل للرئيس رفيق الحريري، بحجة أنّ السيد نصر الله لم يقدم جديداً، ما سيدفع الحزب في ظل خرق بعض شخصيات هذه القوى للتهدئة التي فرضتها القمة الثلاثية في بيروت في 30 تموز، إلى الذهاب إلى الملفات التي تدينهم، وتحديداً إلى ملفي شهود الزور والتدخلات الحاصلة في عمل المحكمة الدولية. فهل يستدرجون في الشق السلبي المفضي إلى مزيد من التأزيم السياسي، أم يستدرجون في الشق الإيجابي الذي يلتقط هذه القرائن كما هي، ويبني عليها في ظل الخلفيات السياسية والأمنية التي يمكن أن تحوّلها إلى أدلة قطعية.
* كاتب بحريني