خالد صاغيةمن حقّ رئيس الحكومة سعد الحريري الإعلان أن لا شيء سيفرّقه عن الرئيس فؤاد السنيورة. ولا يملك المرء إزاء ذلك إلا القول: «اللّه يديم الوفق» أو «اللّه يوفّق لنصفّق»، على أمل ألّا يتحوّل الوفاق بين الرجلين إلى مصدر إلهام يمارسه رئيس الحكومة السابق على الرئيس الحالي.
لكن، ما هو غير مفهوم إعلان الحريري أنّ السنيورة «خطّ أحمر». وغير المفهوم يصبح مستنكراً حين يأتي إعلان «الخط الأحمر» بعد نشر صحيفة («الأخبار» أو سواها) تحقيقاً عن نفوذ السنيورة المستمرّ داخل أقبية السلطة، وعن صفقات أصدقائه وحاشيته. والمستنكَر يصبح غير مسموح به حين يرى رئيس حكومة أنّ قيام صحافيّ بواجبه هو طعن بكرامات الناس.
إن كان من خطّ أحمر في هذه المسألة، فهو سلوك رئيس الحكومة الذي لا يمكن تفسير كلامه إلا محاولةً لإسكات أيّ اعتراض على الأشخاص المقرّبين منه. فهذا سلوك يلغي ما بقي من فسحة حريّة في هذه البلاد. اللهمّ إلا إذا كان الحريري يتصوّر مستقبل الصحافة في لبنان على غرار الصحف التي تحتكر تصريحاتُه مانشيتاتها، أو تلك التي تتبنّى على صفحتها الأولى بيانات كتلة المستقبل من دون تحفّظ، ومن دون وضعها حتّى بين مزدوجين. ثمّة بين مستشاري الحريري من ينبغي أن يفسّر له أنّ مستقبل الصحافة مختلف عن صحافة المستقبل، رغم التشابه اللفظيّ بين الاثنين.
غير أنّ ثمّة مفارقة في سلوك الحريري وكلامه المستمرّ على الخطوط الحمر. فبعد أبلسة كلّ من يتفوّه بكلمة نقد لسياسات الرئيس المغدور رفيق الحريري، رفع الوريث شعار «بيروت خط أحمر». وحين كان مخيّم الفقراء في نهر البارد يتعرّض للتدمير، رفع شعار «الجيش خط أحمر». والآن، ينضمّ فؤاد عبد الباسط السنيورة إلى ثوابت «ثورة الأرز»، فيعلنه الرئيس الشاب خطّاً أحمر. المفارقة تكمن في أنّ الحريري يقود تيّاراً يرفع شعار «حبّ الحياة» في مواجهة حزب اللّه. وهو، حين يملّ من التحريض المذهبي، لا يجد إلا تقديم نفسه كـ«ليبراليّ» يعد اللبنانيين بالتسامح والانفتاح و«ثقافة الوصل» والحوار، في مقابل ما يسمّى «ثقافة الموت» والتحريم.
فلندع كلّ ذلك جانباً، ولننتقل إلى الأهمّ. حين يتكلّم الحريري كرئيس طائفة يتوجّه إلى رعاياه، يمكنه الحديث عن خطوط حمر يفرضها باسم طائفته على الطوائف الأخرى. أمّا حين يتكلّم كرئيس حكومة يتوجّه إلى المواطنين، فعليه أن يعرف أنّه موظّف يقبض راتبه من الشعب اللبناني، ويخضع هو وأصدقاء والده لأحكام الدستور، ولرقابة السلطة الرابعة.