كيف يُقاس وزن الإنسان؟
في وقتٍ انقلبت فيه كل المقاييس، أصبح المرء حائراً متسائلاً دوماً عن خير الطرق وأفضل السبل للتواصل مع الآخرين. فالحياة الاجتماعية لم تعد بتلك البساطة التي سمعنا عنها من الأهل أو قرأنا عن تفاصيلها من بعض الأدباء المتمرّسين في علم الحياة! فليس هناك من شيءٍ ثابت، وما كنّا نعتقده بالأمس جوهرياً وأساسياً ولازماً في شخصية كل إنسان سويّ، أصبح اليوم مجرد... وجهة نظر!
فقيمة الشخص أصبحت مرهونة برصيده المالي لا الأخلاقي. فكلما «عظمت» مظاهر البذخ والرخاء والثروة والجاه، شخصت القلوب إلى صاحبها وتطأطأت الرؤوس! لقد استولى حب «المادة» بكل أوجهها على عقول الكثيرين، بحيث انقلبت القيم وغدا «وزن الإنسان» يُقاس بمقدار «الوحدات الحرارية» التي يُخبئها في جسمه... الفاني لا محالة!
ويتوه الإنسان في عالم الفراغ الواسع الخالي من الأسس والمبادئ، ولا ملاذ له أو فسحة أمل سوى اعتقاده الثابت بأن كل هذه التغيّرات الجامحة ما هي سوى... موضة! علينا بذل العناء والجهد لمنعها من «الاستيطان» في حياتنا. علينا التأكيد، رغم كل ما يحيط بنا من أشكال وأفكار «شاذة»، أن وزن الإنسان الحقيقي يُقاس بمقدار «الحق» الذي ينطق به و«العدل» الذي يمارسه في حياته و«الوقار» الذي يكتنف خفايا روحه الإنسانية... فالمأكولات الخفيفة وممارسة شتى أنواع الرياضة البدنية ليست دليلاً كافياً أو جدياً على أن صحة الإنسان سليمة وأن وزنه يتفق والمعايير الجمالية... المزخرفة والملونة بالقشور الزائلة... لأن «وزن» الإنسان الفعلي هو دوره في هذه الحياة، هو عمله الدؤوب كي يساعد الإنسانية من أجل غدٍ أفضل. «وزن» الإنسان هو قدرته على تحمّل الألم والمعاناة والتصدّي لكل التحديات بروحٍ ملؤها الإيمان وحُسن التوكّل على الرب والقدرة الفائقة على بث روح المحبة، رغم الأحقاد والتباعد والتباغض الموجود في هذا العالم الكبير...
فلنُعد النظر في جميع الوسائل التي نمتلكها لقياس أوزاننا، علّنا بذلك نقدّر أنفسنا حق تقدير يجعل منا على مستوى اللقب الذي عزنا الرب به... الإنسانية!
د. إلياس ميشال الشويري
(رئيس الجمعية اللبنانية للسلامة العامة)