إعداد وترجمة ديما شريفرحب معظم السياسيين بعودة المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في قمة ستعقد في واشنطن في الثاني من أيلول المقبل، آملين التوصل إلى حلّ قريب. لكن هذا التفاؤل بين السياسيين لم ينعكس على الكتّاب والصحافيين الذين اعتبروا، كلٌّ لأسبابه، أنّ ما من شعاع أمل يلوح في الأفق لحلّ إحدى أهم قضايا النزاع في القرن العشرين. فثمة من رأى أن الإسرائيليين ليسوا مستعدين للتنازل عن أي شيء لدفع المفاوضات قدماً، وواشنطن ليست في وارد الضغط عليهم لتحقيق ذلك. وثمة من حمّل الفلسطينيين مسؤولية تعثّر الحلول. وفي جميع الأحوال، يبدو أنّ الأمل بدولة فلسطينية قابلة للحياة يتلاشى مع الاستمرار ببناء المستوطنات

تنازلات إسرائيلية قاتلة



جورج ويل *
حين التزم الإسرائيليون والفلسطينيون، بقيادة الولايات المتحدة، بعد جهود طويلة، في مفاوضات مباشرة في مدريد في 1991، كان ما حصل نصراً كبيراً للدبلوماسية. بعد عقدين تقريباً، نجحت سياسة الولايات المتحدة في حث الفلسطينيين على الابتعاد عن إصرارهم على «المحادثات غير المباشرة» حين كانوا يتحدثون إلى الإسرائيليين عبر الوساطة الأميركية والتوجه إلى مفاوضات مباشرة. لكن مفاوضات حول ماذا؟
الكلام الفارغ حول «دولة واحدة ذات شعبين» مات من زمن طويل. حتى لو تجاهلنا مصير الدول المتعددة الشعوب (الاتحاد السوفياتي السابق، يوغوسلافيا السابقة، تشيكوسلوفاكيا السابقة)، فإنّ دولة ثنائية الشعب هو وضع مستحيل بالنسبة لإسرائيل إذا أرادت أن تكون دولة يهودية من أجل شعب يهودي. لا تخالف الكتلة الناخبة في إسرائيل رأي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: «ستُحلّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين خارج حدود إسرائيل».
أما الخطاب عن «حلّ الدولتين»، فهو من الضروريات. لكنّه أيضاً واهم نظراً إلى حادثتين قاهرتين جرتا أخيراً.
المكان الوحيد لإقامة دولة فلسطينية هو الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل، احتلالاً شرعياً بموجب القانون الدولي، بعد ملاحقة الاعتداء الذي شن من هناك في 1967. لا تزال الضفة الغربية تمثّل جزءاً غير محدد من الانتداب في فلسطين الذي سيحدد عبر المفاوضات. قال سفير إسرائيل الحالي لدى أميركا، مايكل اورين، سنوات قبل أن يصبح سفيراً: «لا قيادة إسرائيلية تبدو مستعدة أو قادرة على ترحيل مئة الف إسرائيلي من منازلهم في الضفة الغربية... تطلّب ترحيل 8100 إسرائيلي من غزة في 2005، 55000 جندي، وهذه أكبر عملية عسكرية منذ حرب الغفران في 1973، وكانت حادثة صادمة».
المكان الوحيد لإقامة دولة فلسطينية هو الضفة الغربية التي احتلتها إسرائيل احتلالاً شرعياً
تم تفكيك 21 مستوطنة، حتى جثث الإسرائيليين المدفونين في غزة تمت إزالتها. بعد الانتخابات التي شابتها ثغر كثيرة وشجعت عليها الأمم المتحدة في 2006، حدث انقلاب في غزة في 2007 من المنظمة الإرهابية حماس. إذاً لدى إسرائيل على حدودها الغربية، على بعد 44 ميلاً من تل أبيب، كيان كرس نفسه لتدمير إسرائيل، ويتعاون مع إيران، ولديه ترسانة كبيرة من الصواريخ.
زاد عدد الهجمات الصاروخية من غزة كثيراً بعد انسحاب إسرائيل. عدد قرارات الأمم المتحدة التي تدين ذلك؟ صفر.
المثال الأقرب على هذا القصف كان الهجمات الصاروخية النازية على لندن، التي كانت الإجابة عليها تدمير هامبورغ، دريزدن، ومدن ألمانية أخرى. حين ردت إسرائيل هجوم حماس، استهجن «المجتمع الدولي» على نحو مسرحي.
أحد الأعضاء المهمين في الحكومة، وزير الشؤون الاستراتيجية ورئيس وزراء مستقبلي محتمل، موشيه يعلون، يقول «انسحابنا عزز الجهاد الإسلامي». ويضيف «لدينا الجمهورية الإسلامية الثانية في الشرق الأوسط، الأولى في إيران والثانية في غزة: حماستان».
انسحابات إسرائيل تتضمن أيضاً ما عزز قوة وكيل ايران على حدود اسرائيل الشمالية، في جنوب لبنان. منذ حرب 2006 التي افتعلها قصف حزب الله المستمر لشمال إسرائيل، زاد هذا الحزب تسليحه ليمتلك أكثر من ستين الف صاروخ. اليوم، يقول نتنياهو إنّ مشكلة إسرائيل ليست الحدود مع لبنان بقدر ما هي الحدود بين لبنان وسوريا. فحزب الله تلقى من سوريا صواريخ سكود أتت من ايران يمكن أن تضرب القدس وتل أبيب. يقول أحد قادة حزب الله «لو تجمع كلّ اليهود في اسرائيل، فسيوفر ذلك علينا ملاحقتهم حول العالم».
ولأنّ أكثر من مليون مهاجر أتوا من دول الاتحاد السوفياتي السابق، يعدّ المتكلمون باللغة الروسية سدس سكان اسرائيل. لدى اسرائيل تلفزيون وصحف ناطقة باللغة الروسية. يتحمل الإسرائيليون من أصول روسية المسؤولية في إيصال افيغدور ليبرمان إلى وزارة الخارجية. يقول يورام بيري، وهو أستاذ الدراسات الإسرائيلية في جامعة ماريلاند، إنّ هؤلاء المهاجرين «لا يفهمون كيف أنّ دولة يمكن قطعها خلال نصف ساعة في سيارة تتحدث عن منح أراض إلى ما يبدو أنّهم أعداؤها الأبديون». يعرف هؤلاء المهاجرون أنّ عمق روسيا الاستراتيجي هزم نابوليون وهتلر.
يساند نتنياهو، وهو أكثر عضو محافظ في الحكومة الائتلافية، حلّ الدولتين. لكنّه يقول إنّ أيّ دولة ستنشأ في الضفة الغربية يجب أن تكون منزوعة السلاح وممنوعة من عقد أيّة اتفاقات مع أمثال حزب الله وايران. ولمنع استيراد الصواريخ والأسلحة الأخرى إلى هذه الدولة، ستحتاج اسرائيل إلى وجود عسكري لها على الحدود الشرقية للضفة الغربية مع الأردن، يقول نتنياهو. إن لم يحصل ذلك، فسيكون هناك جمهورية إسلامية ثالثة، أي دولة ثانية لها حدود مع اسرئيل.
إذاً، مرة أخرى: مفاوضات حول ماذا؟
* عن صحيفة «واشنطن بوست»

طريق مسدود



ستيفان والت *
إذا كنتم تظنون أنّ الإعلان عن استئناف الإسرائيليين والفلسطينيين «المفاوضات المباشرة» هو خرق مهم، فإنّكم لم تنتبهوا جدياً لما جرى في العقدين الماضيين (على الأقل). أتمنى أن أتمكن من أن أكون أكثر تفاؤلاً تجاه هذا التطور الأخير، لكنّي أعتقد أنّ ثمة دلائل قليلة على إنجاز صفقة في المدى المنظور.
لماذا أقول ذلك؟ لدي ثلاثة أسباب.
السبب الأول هو أنّه لا إشارة إلى أنّ الفلسطينيين مستعدون للقبول بأقل من دولة قابلة للحياة تكون متصلة جغرافياً في الضفة الغربية (وبالمحصلة النهائية غزة)، من ضمنها عاصمة في القدس الشرقية ونوع ما من التركيبة السياسية (تكون ورقة تين) تتعلق بقضية اللاجئين. وبالمناسبة، كانت هذه هي النتيجة المفضلة لدى إدارتي كلينتون وبوش، وهي ما يفترض أن يسانده أوباما.
السبب الثاني أنّه لا دليل على أنّ الحكومة الإسرائيلية مستعدة للقبول بأكثر من «دولة» فلسطينية رمزية تتألف من بانتوستانات لا يتصل بعضها ببعض، مع سيطرة إسرائيلية كاملة على حدودها، سمائها، إمدادات المياه الخاصة بها، طيفها الكهرومغناطيسي، إلخ... أوضح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أنّ هذا ما يقصده حين يتكلم عن «حلّ الدولتين»، وكرر مراراً أنّ إسرائيل تنوي الاحتفاظ بكل القدس لنفسها، إلى جانب احتمال وجود عسكري طويل الأمد في وادي نهر الأردن. هناك اليوم حوالى نصف مليون يهودي يعيشون خارج حدود 1967 ومن الصعب أن نتخيّل ترحيل أيّ حكومة إسرائيلية عدداً كبيراً منهم. حتى لو كان نتنياهو يريد أن يكون متعاوناً في هذا الموضوع، فإنّ ائتلافه الحكومي لن يسمح له بالقيام بأيّ تنازلات مهمة. وفي الوقت الذي تستمر فيه المفاوضات ويطول أمدها، تستمر المستوطنات غير الشرعية في التوسع.
السبب الثالث هو أنّه لا إشارات إلى أنّ حكومة الولايات المتحدة مستعدة لممارسة ضغط مهم على إسرائيل. نحن مستعدون على ما يبدو لأن نلوي ذراع محمود عباس حتى نكاد نكسرها (وهذا هو سبب موافقته على استئناف المفاوضات حتى لو استمرت إسرائيل في قضم أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية). لكن أوباما وفريق عمله الخاص بالشرق الأوسط تخلوا، منذ زمن طويل، عن التظاهر بأنّهم يضغطون بتواضع على نتنياهو. وفي غياب الضغوط، من يتوقع من بيبي أن يغيّر موقفه؟
نحن مستعدون لليّ ذراع عباس حتى نكاد نكسرها لكننا تخلينا عن التظاهر بالضغط على نتنياهو
لهذه الأسباب يجب ألا نصدق الضجيج المرافق لهذا الإعلان الذي يدعّي أنه يمثّل تقدماً ملحوظاً في «عملية السلام». ربما يصدق جورج ميتشل وفريقه أنّهم يتوصلون إلى نتيجة ما، وهم إما يخدعون أنفسهم، أو يحاولون أن يخدعونا، أو يحاولون خداع الدول العربية الأخرى لتصدق أنّ أوباما عنى ما قاله في القاهرة. في هذه المرحلة، أنا أشك بأنّ أحداً يصدق ما يحصل، وما سيجعل المراقبين يقتنعون بأنّ سياسة الولايات المتحدة تغيّرت هو الحصول على نتائج ملموسة. فجولة أخرى من «المفاوضات» غير المجدية ستعزز الإدراك المتزايد أنّ الولايات المتحدة ليس بوسعها تحقيق شيء. ما يلفتني في كلّ ما حصل هو التصريح المرافق الصادر عن لجنة الشرق الأوسط الرباعية (الولايات المتحدة، روسيا، الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) الذي يبدو للوهلة الأولى متواضعاً. وهو يدعو صراحة، من بين أشياء أخرى، إلى «تسوية تُناقَش بين الأفرقاء، تنهي الاحتلال الذي بدأ في 1967 وتنتج دولة فلسطينية قابلة للحياة مستقلة وديموقراطية تعيش بسلام إلى جانب إسرائيل والجيران الآخرين». يقول البيان أيضاً إنّ هذه المحادثات يمكن إنجازها في سنة واحدة. يبدو الأمر واعداً، لكنّ الرباعية أصدرت بيانات مشابهة من قبل (وخصوصاً إبان خارطة الطريق في 2003) وهذه الجهود لم تفضِ إلى أي مكان. لذا ربما كان هناك شعاع أمل في مكان ما، لكني لا أراهن عليه.
في هذا الوقت، سيستمر الجمهوريون والديموقراطيون هنا في الولايات المتحدة في إطلاق تصريحات التقية بشأن التزامهم بحل الدولتين، حتى لو أصبح هذ الحلّ أكثر فأكثر في عالم المستحيل. وبانتظار معجزة، سنضطر في النهاية إلى الاعتراف بأنّ «دولتين من أجل شعبين» أصبحت حلماً بعيداً. عند هذه النقطة، سيواجه القادة الأميركيون خياراً غريباً جداً: يمكنهم مساندة دولة إسرائيلية ديموقراطية يمتلك فيها اليهود والعرب حقوقاً سياسية متساوية (أي ديموقراطية الدولة الواحدة الشبيهة بالولايات المتحدة حيث التمييز على أساس الدين أو العرق محرم)، أو يمكنهم مساندة دولة تمييز عنصري تكون مؤسساتها الأساسية على تناقض تام مع القيم الأميركية الجوهرية.
والأهم من ذلك، أنّ دولة إسرائيل العنصرية ستواجه توبيخاً دولياً متزايداً. وكما حذر رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت ووزير الدفاع الحالي إيهود باراك، فإنّ نتيجة مماثلة ستضع مستقبل إسرائيل في المدى الطويل على المحك. إذا حصل ذلك، فإنّ كل «أصدقاء إسرائيل» الأقوياء الذين أعاقوا عمل الدبلوماسية الأميركية لعقود، يستطيعون أن يفسروا لأحفادهم كيف سمحوا لذلك بأن يحصل.
أما في ما يتعلق بإدارة أوباما نفسها، فلدي تعليق واحد. إذا كنتم تظنون أنّني كثير التشاؤم، فقدموا للعالم خدمة وأثبتوا أنّني مخطئ. إذا فعلتم ذلك فسأكون أول من يعترف لكم بالأمر.
* عن مجلة «فورين بوليسي»