الكلام الطائفي
منذ ٢٠٠٥، يكثر الكلام عن بناء الوطن بمؤسّساته، وعن تقوية نفوذ السلطات، ومن بينها قوى الأمن الداخلي. وكثرت الشعارات عن الوحدة الوطنية، وغيرها من الشعارات «الكليشيه» عن السلم الأهلي، التي من شأنها إلهاء المواطنين عن طموحاتهم، وعن مطالبهم المحقّة، كالخدمات الأساسية التي تليق بالإنسان.
لن أتكلم عن تأثير هذه الشعارات في الرأي العام، بل عن ازدياد الكلام الرجعي الطائفي من جانب المسؤولين الداعين إلى «إلغاء الطائفية»، وعمّا تفوّه به اللواء ريفي في زيارته إلى البطريرك صفير، بخصوص ارتياحه لزيادة عدد المسيحيّين في قوى الأمن الداخلي. ولقد أثار هذا الكلام تساؤلات عن مدى استعداد لبنان للتخلّي عن نظامه الرجعي، الذي لا يولّد إلا الفساد والدمار...
ليس الهدف انتقاد النظام السياسي اللبناني فحسب، بل أيضاً إيجاد حالة وعي قادرة على استيعاب الخطر الذي يمثّله ذلك الكلام على المجتمع اللبناني، وإيجاد محيط اجتماعي سليم يوفّر لي كشاب في الثامنة عشرة، مقبل على الدخول إلى الجامعة، الفرصة التي تناسب قدراتي في المستقبل، وعدم اعتراض العوائق الطائفية التي تجعل من لبنان جنوب أفريقيا ثانية (نظام الأبرتهايد) لمسيرتي، وكذلك عدم اضطراري إلى الهجرة كباقي الشباب، الذين لا يرون في لبنان أملاً للعيش.
في حفل تخريج طلاب إحدى الجامعات، قال الرئيس سعد الحريري إنّ شباب لبنان هم نفطه النفيس. لكن يجب أن تعلم يا دولة الرئيس أنّ النظام السياسي الطائفي، الذي تدعمه في كل مناسبة، يحرق هذا النفط دون جدوى، والكلام المتكرر عن وجوب المحافظة على هذا النظام يقتل العيش المشترك. فبيروت كانت المدينة النموذجية للحوار الثقافي، على عكس اليوم، حيث يخشى ابن طائفة ما السكن في منطقة لا «ينتمي قاطنوها إلى طائفته». هذا هو نتاج كلام نظام «العيش المشترك»، الذي يدعو إليه رجال لبنان، الذين لا يتركون مناسبة إلّا يتحدثون فيها عن دور الشباب في «بناء الوطن الجامع لكل أبنائه» (وللسخرية تعاد هذه العبارات في كل خطاب، ولقد حفظ كل مواطن عن ظهر قلب هذه الشعارات الرنّانة)، الشباب الذين يتحولون وقوداً للفتنة حين تدعو الحاجة.
أدعو إلى محاسبة كلّ سياسي يطلق خطاباً طائفياً من شأنه التمييز بين الطوائف، أو خطاباً يدعو إلى المحافظة على هذا النظام العنصري، وإلى إبعاد رجال الدين عن الخطابات السياسية، التي من شأنها أن تغذّي الفتنة، وللأسف هذه هي حال معظمهم.
محمد نور كامل بكداش