خالد صاغيةبعد ظهر اليوم، يقف محبّو فيروز أمام مبنى متحف بيروت تضامناً مع السيّدة التي وهبت نفسها من أجل لبنان كما تخيّله الأخوان رحباني. التجمّع لن يخرق صمتَه إلا الصوت الفيروزيّ، ويتزامن مع تجمّعات في أكثر من مدينة عربيّة. أمّا سبب الاعتصام ووقفة التضامن هذه، فهو رفض القيود التي وضعها ورثة منصور الرحباني على إعادة تقديم أغاني الأخوين رحباني ومسرحيّاتهم.
للقضيّة جوانب قانونيّة قد تكون معقّدة، وربّما تداخلت فيها عوامل شخصيّة ومادّية. لكنّ كلّ ذلك يجب أن يسقط «الآن الآن وليس غداً»، لا من أجل الفنّ، ولا من أجل الصوت الأسطوريّ، ولا من أجل فيروز الشخص والأيقونة وحسب، بل من أجلنا نحن اللبنانيّين قبل أيّ شيء آخر.
ففي هذه اللحظة السياسيّة التي تنهار فيها إجماعات اللبنانيّين كأحجار الدومينو، نبدو أكثر حاجة من أيّ وقت مضى إلى فيروز. فيروز سفيرتنا لا إلى النجوم، بل إلى لبنان الواحد الذي يبدو فيه صوت فيروز اليوم أحد الأشياء القليلة القليلة التي تملك قدرة على الجمع بدلاً من التفرقة.
الاعتصام أمام المتحف اليوم، مهما تكن رغبة المنظّمين، لن يكون اعتصاماً من أجل شخص فيروز. ولن يكون اعتصاماً موجّهاً ضدّ أيّ شخص، كبيراً كان أو صغيراً. سيكون اعتصاماً شبيهاً بما كنّا نشهده في تلك البقعة بالذات أثناء الحرب الأهليّة. اعتصام للتمسّك بقدرتنا على الخلاص في ظلّ العاصفة.
فها نحن نختلف على المحكمة الدوليّة بعدما اختلفنا على العلاقات اللبنانية ـــــ السورية، وعلى قوانين الانتخاب، وعلى السياسات الاقتصادية ـــــ الاجتماعية، وعلى دور لبنان في المنطقة، وعلى المقاومة، وعلى الأرض المحتلّة، وعلى الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، وعلى بناء الدولة، وعلى مكافحة الفساد، وعلى استقلاليّة القضاء، وعلى حصص الطوائف... اختلافات لا علاقة لمعظمها باللعبة السياسية وتوازناتها، بل بتصميمنا على تدمير كلّ ما من شأنه أن يجعل منّا شعباً واحداً ينتمي إلى دولة واحدة.
على الأقلّ، اتركوا لنا «رفيقي صبحي الجيز»، و«نحنا والقمر جيران»، و«ما في حدا»...
اتركوا لنا «يارا لْ جدايلها شقر»، و«بعدك على بالي» و«زعلي طوّل»...
يا رايحين وتلج، ما عاد بدكن تسمعوا...