خليل عيسىمن المفيد الكلام هنا أيضاً عن التحوّل الذي حدث في الأيام الأخيرة من الاحتجاج والانشطار الطلابي الذي صاحبه الكلام عن «قيادة طلابية قواتية يمينية فاشية» وأطراف «مواجهة لها» كاليساريين والفلسطينيين وغيرهم، حيث أُسبغت تلك الصفات على كل من يدّعي قيادة التحرّكات ضد إدارة الجامعة. إنّ أيّ متابع لا يستغرب أيّ انشقاق يحدث في أيّة حركة طلابية. إنّ هذا أمر أكثر من معتاد. إلا أنّه من الملاحظ تحديداً، رسم هذه الانقسامات هنا باستعادة مفردات أيديولوجية موروثة من تاريخ حرب أهلية لا علاقة له بالمطالب الطلابية تجاه السياسات المالية للجامعة نفسها التي كان يدور الصراع حولها. بل حُوّلت أيّ تباينات تحدث في المواقف إلى سياسات هوية مفهومة أوتوماتيكياً من جمهور الإعلام اللبناني، لتحيل التلميذ «يمينياً» أو «يسارياً» حسب طائفته أو صداقته مع جهة حزبية معيّنة، بدل أن يحدد ذلك موقعه من الصراع الدائر. فجأة أصبح مطلوباً من التلميذ في الأميركية، وفي خضمّ المعركة، أن يحدد أوّلاً مكانه من الحكومة الطلابية، بدل أن يدور النقاش حول موقع الطالب من المطالب نفسها.
وإنّه من المهم الإشارة إلى مواقف بعض أساتذة الجامعة (الأخبار، 25 أيّار 2010) الذين حرصوا على إخفاء هويتهم أولاً ثم على إعطاء كل أنواع النصائح الأبوية للطلاب ثانياً، بعدم جواز «غيفاريتهم الرومنسية» ومطالبهم «غير الواقعية» بإلغاء القروض المصرفية. حيث أكّد أحد الأساتذة ــــ «المثقّف» جداً على ما يبدو ــــ أنّ «الحجة التي تقدّم بها (أيّ الطلاب) عن السيولة الفائضة في البنوك هي حجة صحيحة أكاديمياً في الاقتصاد، لكنها مشكلة الاقتصاد الحر عموماً وليس الجامعة تحديداً». وتغاضى الأستاذ بالطبع عن أيّ إشارة إلى أنّ مجلس أمناء الجامعة الذي قرّر السياسة المالية الجديدة للجامعة يمتلك في ناصيته عدداً لا يستهان به من أصحاب المصارف ورأسماليي المنطقة. من هنا يبدو موقع الأكاديمي الذي يخدم السلطة مستعملاً معلوماته الواسعة، مخترعاً من هنا وهناك حججاً أكاديمية الظاهر، فارغة المضمون، من أجل حجب الكلام عن المحظور. هذا مع العلم أنّ الأكثرية الساحقة من الأساتذة والعاملين في الجامعة، كما أشار إلى ذلك أكثر من قيادي طلابي، كانت تقف بحزم إلى جانب حركة الطلاب.
إنّ ما حدث عام 1973 للاحتجاحات الطلابية في الأميركية بقيادة الطالب محمّد دجاني حينها والنقاشات التي دارت مع الإدارة حول الزيادات، على الأقساط وعلاقتها بالمساعدات مشابهة على نحو مدهش للنقاشات الدائرة اليوم. إلا أنّ الإضراب ضد زيادة سنوية قدرها 10% الذي استمرّ حينها أكثر من شهرين، تكلّل بالنجاح بعدما أرغم الطلاب الإدارة بالقوة على إيقاف الزيادة المقررة. عام 1973 لم يكن هناك سياسات هوية تقسّم الصفوف ولا أكاديميون يحاولون السخرية من غيفارية الطلاب وتشويه حركتهم فتكلّل مسعاهم بالنجاح... فهل نتعلّم من التاريخ من أجل مستقبل أفضل؟
* طالب ماجستير في الجامعة الأميركية في بيروت