خالد صاغيةفي عام 2023، تحتفل تركيا بالذكرى المئويّة الأولى لتأسيسها. المناسبة لن تمرّ مرور الكرام. ثمّة أهداف ورؤية ينبغي تحقيقها قبل بلوغ وريثة السلطنة العثمانيّة، عامها المئة. يلخّص وزير خارجيّتها، أحمد داوود أوغلو، جدول أعماله للعقد المقبل: الاندماج في المنطقة عبر مزيد من التعاون الأمني والاقتصادي... أداء دور فاعل في حلّ النزاعات الإقليمية... وأن تصبح تركيا واحدة من أكبر عشر اقتصادات في العالم... لكنّ أهمّ هذه الأهداف وأوّلها يبقى: استيفاء كلّ الشروط للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
لم تأتِ هذه الأهداف الطموحة من عالم التمنّيات وحسب، بل من قراءة الواقع الإقليمي والدولي الذي يتيح لتركيا أداء أدوار جديدة. وقد لخّص داوود أوغلو هذه القراءة في نص نشره قبل حوالى عشرة أيّام موقع «فورن بوليسي» الإلكتروني، لمناسبة توقيع الاتفاق الثلاثي بين إيران، وتركيا، والبرازيل.
ومن الواضح، وفقاً لهذا النص، أنّ تركيا تراهن على الإدارة الأميركية الحالية، وترى في تطلّعها إلى نظام عالمي متعدّد الأطراف، فرصة أمام تركيا للمشاركة في إقامة نظام كهذا، تتشارك فيه دول عدّة مهمّات حلّ الأزمات والنزاعات. في الواقع، لا يتعلّق الأمر بفرصة وحسب، بل أيضاً بضغوط تمارَس على تركيا كي تنتهز هذه الفرصة. فالجميع، على ما يبدو، بات بحاجة إليها.
لقد أدركت تركيا منذ البداية أنّ أداء أدوار كهذه يفرض عليها تغيير صورتها السابقة، والخروج من المحاور كي تتمكّن من التوفيق بين تحالفاتها القائمة وأدوارها المستجدّة. ولعلّها استفادت من المناخ الشعبي المؤيّد لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، كي تدرج انعطافتها في سياق ديموقراطي يجمع بين مزاج المجتمع وتحوّلات السياسة الخارجية. لكنّ الأهمّ يبقى دائماً، كما يردّد داوود أوغلو، الارتياح التركي لتقارير الاتحاد الأوروبي التي تشير دائماً إلى التناغم بين السياسة الخارجية التركية وأهداف الاتحاد.
من أجل كلّ ذلك، ارتبط اسم أحمد داوود أوغلو بسياسة «صفر مشاكل». فإن كان من مبادئ ارتكزت عليها السياسة الخارجية التركية في الأعوام الأخيرة، فهي إنهاء المشاكل مع الجيران، واعتماد سياسة متعدّدة الأبعاد، توسّع مروحة علاقات تركيا باللاعبين الآخرين على قاعدة التكامل لا التعارض.
خطاب رجب طيّب أردوغان الذي ألهب جماهير العالم العربي، أمس، ينبغي ألا يُقرَأ كتغيير في السياسة التركية تجاه إسرائيل، بقدر ما هو تعبير عن المأزق الذي وصلت إليه القيادة الإسرائيلية الحالية، الممثّلة بالثلاثي نتنياهو ـــــ ليبرمان ـــــ باراك.
«يجب ألا يكون هناك اختيار بين تركيا وإسرائيل. يجب أن يكون الخيار بين الخطأ والصواب». هكذا خاطب داوود أوغلو نظيرته الأميركية هيلاري كلينتون أمس. ولعلّه، بهذه العبارة، خاطب نفسه أيضاً.