وسط التجاذب الحاصل بشأن الهجوم الإسرائيلي الدامي على «أسطول الحرية» وتطلّع العرب إلى واشنطن لمعرفة كيفيّة تعاطيها مع هذه القضية، مرّت الذكرى الأولى لخطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في القاهرة دون اهتمام كبير. وربما يعود ذلك إلى عدم تحقيق سيّد البيت الأبيض أيّاً من وعوده التي أطلقها آنذاك تجاه العالم الإسلامي، وانشغال معظم الصحافيين في تبييض صفحة إسرائيل عقب الهجوم. أمّا التعليقات التي استعادت خطاب أوباما، فاعتبرت أنّ الرئيس فشل في تقريب وجهات النظر بين أميركا والعالم الإسلامي. كما ساهم الجمود في عملية السلام في تدهور شعبية التسوية بين المسلمين
إعداد وترجمة: ديما شريف

كم سندفع من أجل السلام؟



براين كاتوليس وديفيد هالبرين*
تزامنت الذكرى الأولى لخطاب الرئيس باراك أوباما التاريخي في القاهرة، الذي أعلن فيه «بداية جديدة» للعالم الإسلامي، مع نهاية واحد من أكثر الأسابيع اضطراباً في التاريخ الحديث في الشرق الأوسط. تهدّد الأصداء الآتية من الهجوم الإسرائيلي على الأسطول المتوجّه إلى غزة بإحباط الجهود الهادفة إلى إعادة تنشيط عملية سلام هي اليوم على طاولة الإنعاش. واستغلّ المعادون لحلّ الدولتين الحادثة كوسيلة لصرف الانتباه عن المصالح الأكبر، التي أصبحت في خطر.
على الولايات المتحدة أن تستمرّ في إظهار قيادتها في تخفيف التوتّرات الإقليمية، في الوقت الذي تبقي فيه الاهتمام على الهدف الأساسي، وهو عملية سلام شاملة بين إسرائيل وجيرانها. حادثة هذا الأسبوع هي تذكير بضرورة تنفيذ اتفاق سلام عربي ـــــ إسرائيلي شامل من أجل المصالح الوطنية للولايات المتحدة. تؤكّد مثل هذه الأسابيع الصعبة أهمية تحقيق اتفاق سلام مستدام. على البيت الأبيض أن يدير الأزمة الحالية، ويحضر لعقبات أخرى ستظهر في المستقبل، للتأكّد من أنّ واقعة كهذه لن تسهم في تعطيل الجهود لتحقيق حلّ دولتين دائم.
اللهجة والرؤية العامة اللتان أسّس لهما خطاب الرئيس أوباما التاريخي العام الماضي في القاهرة، تمثّلان الأساس والتركيبة الصحيحة لإنتاج نوع من الاختراق الذي تحتاج إليه هذه المنطقة، كما المصالح الوطنية للولايات المتحدة. وفي سبيل استعادة الزخم لتحقيق هدف حلّ الدولتين، على إدارة أوباما العمل لبناء ثقة الإسرائيليّين، الفلسطينيّين والدول العربية أيضاً، وكذلك البدء بإيصال فكرة عن المحفّزات التي تستعد لمنحهم إياها لتحقيق اتفاق ينهي الصراع. ثمة أجيال من الصراع والتوتّرات، ولذلك ليست المهمّة سهلة.
إذا كان هناك درس واحد كان يجب على إدارة أوباما أن تستقيه من عامها الأول في بذل الجهود لتحقيق سلام في الشرق الأوسط، فهو أنّها يجب أن لا تضيع في دهاليز تكتيكاتها الخاصة. فقد فشلت سلسلة من الجهود التي أطلقتها إدارة أوباما خلال العام الماضي في دفع الأطراف كافةً نحو اتخاذ خطوات ذات معنى. لم تجمّد إسرائيل بناء كل المستوطنات، ولم يعد الفلسطينيون إلى المفاوضات المباشرة، ولم تقدِم الدول العربية على خطوات تبني الثقة مع الإسرائيليين. وكنتيجة لذلك، فشل البيت الأبيض في تحقيق الثقة التي كان من المفترض أن يُحدثها خطاب القاهرة. أطلق مبعوث الرئيس أوباما إلى الشرق الأوسط، جورج ميتشل، نداءات عدّة للصبر في الوقت الذي تنقّلت فيه الإدارة من تكتيك إلى آخر وهي تقول «كان لدينا 700 يوم من الفشل في إيرلندا الشمالية (حيث كان ميتشل المفاوض الأميركي الأول) ويوم واحد من النجاح».
رسالة ميتشل عن المثابرة والعزم مرحّب بها، وهي مهمة، لكن العام المنصرم أظهر أنّه لا المنطقة ولا الولايات المتحدة تستطيعان تحمّل 700 يوم من الـ«لا» من كلّ الأطراف إذا كان واجباً أخذ الولايات المتحدة على محمل الجد والوثوق بها كوسيط قادر على تحقيق حل دولتين مستدام. لقد تطلّب الأمر أشهراً عدّة كي تتوصّل إدارة أوباما إلى مفاوضات غير مباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، وهذا بحدّ ذاته يظهر صعوبة التحديات. ويمكن أن تكون المفاوضات غير المباشرة هي أفضل ما يمكن تحقيقه في هذه المرحلة بالنظر إلى الانقسامات داخل الطرف الفلسطيني والإسرائيلي، ونقص الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
هناك حاجة إلى مقاربة استراتيجية أكثر شمولية. مقاربة ترتكز على تقويم رصين لما هو ممكن نظراً إلى الديناميات السياسية الحالية في المنطقة. وجود حكومة إسرائيلية يسيطر عليها اليمين، وفلسطينيين مقسّمين، ودول عربية مشكّكة... كل ذلك يعقّد الجهود لجعل الأطراف كافةً تقول «نعم»، كما أظهرت السنة الماضية.

على أميركا أن تكون مستعدة لإبلاغ كلّ الأطراف ما هي المحفّزات والمثبطات التي نحن مستعدون لمنحها لتسهيل الاتفاق

إذاً ماذا يمكننا أن نفعل اليوم؟ هناك ثلاث خطوات أساسية. أوّلاً، على الولايات المتحدة الاستمرار في أداء دور قيادي في تخفيف التوترات. الجهود الدبلوماسية الجبارة مع حليفين مقرّبين هما إسرائيل وتركيا، هي الأساس في هذه المرحلة. البيت الأبيض على حقّ في تأمين ردّ مدروس يدعو إلى تحقيق «واضح وشفّاف» في حادثة الأسطول عوضاً عن تصعيد الغضب والخطاب اللذين سبّبتهما المأساة. لقد أوضحت هذه الأزمة أنّه لا يمكن ترك غزة خارج معادلة سلام الشرق الأوسط. وكانت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون على حق حين وصفت الوضع الحالي في غزة بأنّه «غير مقبول ولا يمكن تحمّله».
مع ارتفاع التوتّرات، يبدو دور الولايات المتحدة القيادي في التركيز على الهدف الأساسي، أي حل دولتين دائم، ضرورياً. على إدارة أوباما العمل لقلب هذه الأزمة، وأيّ أزمة مستقبلية ستظهر بالتأكيد، إلى فرص لتحقيق تقدم فعلي نحو حلّ الصراع.
ثانياً، فيما تعالج الولايات المتحدة الأزمة الأخيرة، عليها أن تستمر في السعي إلى بناء الثقة بين الأطراف كافةً، وهي مهمة صعبة لكنّها ليست مستحيلة.
يتطلّب تحقيق ذلك مع الإسرائيليين تحسين العلاقة العملية بين إدارتي أوباما ونتنياهو، ومحاربة التصور الشائع في إسرائيل بأنّ الولايات المتحدة ركّزت حصرياً على المسؤوليات الإسرائيلية للدفع قدماً بعملية السلام. التعاون العسكري المعزّز بين إدارة أوباما وإسرائيل، والتطمينات المتكررة عن التزامها القوي بالعلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وتواصلها الأخير مع الجمهور اليهودي الأميركي في جهد لرأب توترات العام الماضي... كلّها عوامل مساعدة. فعبر تقديم التطمينات إلى إسرائيل، تزيد هذه الجهود من حظوظ الدفع قدماً بالمصالح الأمنية الأميركية، وبحل الدولتين للصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، وكبح قدرة إيران على الحصول على سلاح نووي.
أما لنيل ثقة الفلسطينيين والدول العربية، فعلى الولايات المتّحدة أن تركّز على التقدم السياسي، مسألة إسرائيل وغزّة. رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض هما في حاجة شديدة إلى نتائج. فبعدما دخلت السلطة الفلسطينية في المحادثات غير المباشرة بدعم من جامعة الدول العربية، ينتظر الزعيمان الفلسطينيان ليريا ما إذا كانت الولايات المتحدة ستحاسب إسرائيل على أفعال تعرِّض حلّ الدولتين للخطر، وتجبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على توقيع صفقة تؤسس لدولة فلسطينية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى تركيا، التي تفرض نفسها يوماً تلو الآخر في المنطقة. الأحداث الأخيرة تؤكّد أهمية العمل بشكل لصيق مع تركيا بالنسبة إلى الولايات المتحدة لتعظيم إمكاناتها للمساعدة على دفع الحوار في المنطقة بدلاً عن القلاقل.
ثالثاً، على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لإبلاغ الأطراف ما هي المحفّزات والمثبطات التي نحن مستعدون لمنحها لهم، لتسهيل اتفاق ينهي الصراع. باختصار، إذا كان التوصل إلى اتفاق ينهي الصراع في مصلحتنا نحن، فما الذي نحن مستعدون لفعله لتحقيقه؟
ضمانات أمنية، رسائل كفالة، توبيخ وإشادة علنيّان، اتفاقات مرحليّة، وخطة سلام أميركية جديدة... يجب أن تكون كلّها ضمن الأدوات التي في متناول الولايات المتحدة. وكذلك النقود. فاستثماراتنا الكبيرة في الأمن الإسرائيلي والبنى التحتية الفلسطينية هي اليوم في خطر. ما الثمن الذي نحن مستعدون لدفعه لضمان أمن هذه الاسثمارات وضمان مصالحنا في المنطقة؟ يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لوضع اتفاق على الطاولة، سلّة معيّنة من المحفّزات المالية والضمانات الأمنية للمساعدة على تحقيق حل دولتين مستدام.
يتّجه المجتمع الدولي بأكمله اليوم نحو الولايات المتحدة لقيادة الردّ على أحداث الأسبوع الماضي. ولذلك، فإنّ لدى الولايات المتحدة فرصة جديدة لبناء الثقة، وإحراز تقدّم على الأرض، وتقديم المحفّزات المطلوبة إذا كانت المنطقة ستتّجه نحو حلّ الدولتين. القيام بذلك سيمثّل خطوة هائلة باتجاه تحسين وضع المصالح القومية الأمنية للولايات المتحدة، وتحقيق وعد الـ«بداية جديدة» الذي أتى به الرئيس أوباما إلى القاهرة قبل عام.
* عن «مركز التقدم الأميركي»


أدنى البدايات



مايكل كراولي*
في الرابع من حزيران 2009، أحضر باراك أوباما الوعود الكبرى لرئاسته الشابّة إلى مسرح في جامعة الأزهر في القاهرة، من أجل خطاب مبشّر للعالم الإسلامي. بلغة مؤثّرة، تعهّد أوباما «السعي إلى بداية جديدة بين الولايات المتحدة والمسلمين حول العالم». لكن، كما لاحظ بعض المعلّقين، ومنهم أنا، كان ردّ فعل جمهور أوباما المصري كتوماً، إذ كان يردّ بتصفيق مهذّب، إنّما هادئ.
ربما يعود ذلك لأسباب ثقافية. أو ربما كان جرس إنذار. فبعد عام، تمكّن أوباما من أن يحرز تقدماً قليلاً وثميناً نحو هدفه لتحسين وضع أميركا في العالم الإسلامي. ويُظهر استطلاع جديد للرأي أجرته مؤسسة غالوب في دول معظم قاطنيها مسلمون أنّه في لبنان، العراق، الجزائر، مصر والأراضي الفلسطينية، لا تزال أميركا في مرتبة منخفضة للغاية، وهي تراوح بين مستوى مقبول فقط لدى المراهقين (عند الفلسطينيين) و30 في المئة (في الجزائر). (الاستثناء الجيد الوحيد بين المستطلَعين كان في موريتانيا، وهي غير ذات صلة). وأسوأ من ذلك، بعد صعود هذه الأرقام في منتصف 2009، ربما بسبب الإثارة المبكرة المتعلقة بمجيء أوباما ورحيل جورج بوش الابن، انخفضت كلّ هذه الأرقام مجدّداً إلى المستويات المعهودة في عهد بوش. وفي دول أخرى مهمّة ذات أغلبية مسلمة استطلعتها غالوب، مثل تركيا وباكستان، هناك دليل ضعيف على النظرة الجيدة تجاه أميركا.
في هذا الوقت، لا تزال نار الحقد الإسلامي المتطرف تجاه أميركا تستعر. هذا واضح من خلال محاولات الاعتداء الإرهابية الخاصة بعمر فاروق عبد المطلب، نجيب الله زازي ومحاول تفجير ساحة تايمز سكوير فيصل شاه زاد، وكذلك الرائد نضال حسن، الذي تبين أنّ إطلاقه النار في قاعدة فورت هود قد حفّزته تعاليم إسلامية متشددة.
إذاً لماذا فشلت هذه البداية الجديدة في أن تبدأ؟ الإجابة واحدة، وهي أنّ أوباما فشل في تنفيذ بعض وعوده الأساسية التي أطلقها في القاهرة. فقد كرّر أوباما تعهده السابق إغلاق غوانتنامو بحلول نهاية عام 2009. لكنّ هذا التعهّد أصبح اليوم متأخّراً خمسة شهور والوقت يمرّ، مع بروز فرص ضئيلة جداً للحل في الأفق.
الوضع مشابه في ما يتعلق بحديثه الطموح عن سلام الشرق الاوسط. «أنوي أن أتابع هذه النتيجة شخصياً مع كلّ الصبر الذي تتطلّبه هذه المهمّة»، قال أوباما. لكنّ عبارة أخرى هي التي أثارت تصفيقاً حاداً من الجمهور: «الولايات المتحدة لا تقبل شرعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية»، أعلن أوباما. «حان الوقت لهذه المستوطنات أن تتوقّف». أعلنت هذه الكلمات تركيزاً جديداً في مقاربة أميركا للمشكلة، وهذا ما أغضب القادة الإسرائيليّين (وأسعد العرب). لكنّ الإسرائيليّين سرعان ما أخبروا أوباما أنّهم لا يهتمون لما يمكن أن يفعله. وعندما ردّ أوباما بالقليل في ما يتعلق بعواقب جدية، رأى العديد من العرب أنّ ذلك تأكيد لرؤيتهم القديمة من أنّ الولايات المتحدة تعامل إسرائيل بقفّازات ناعمة.

فشلت البداية الجديدة التي وعد بها أوباما في القاهرة لأنّه أخفق في تنفيذ الوعود التي أطلقها من هناك
«تحديداً في القضايا الإسرائيلية ـــــ الفلسطينية، وهو المنظور الأول الذي تحاكَم عبره الولايات المتحدة (في العالم الإسلامي)، هناك إدراك أنّه رغم التوقّعات الكبيرة التي أثارها الخطاب، فإنّ إدارة أوباما هي كسابقاتها»، يقول مايكل هانا، الخبير في الشرق الأوسط في «سانتوري فاوندايشن». ويضيف «عبر رفع التوقعات رفعت الإدارة مخاطر عدم فعلها شيئاً».
لكن، في نقاط أخرى، خفض أوباما التوقّعات، منذراً بوجود مصاعب في المستقبل. فقد حذّر من أنّ قوات الولايات المتحدة ستقاتل في أفغانستان طالما «أنّ المتطرفين العنفيّين في أفغانستان، واليوم في باكستان، مصمّمون على قتل أكبر عدد من الأميركيّين». وقد أمر بزيادة عدد الجنود في هذه الأرض المسلمة بمقدار 30 ألفاً بعد ذلك بشهور عدّة. وعرض أوباما الإشارات الأخفّ في ما يتعلق بحقوق الإنسان والديموقراطية، وهي قضايا مهمّة في الشرق الأوسط المستبد خصوصاً، لكنّها قضايا جملتها سياسته الخارجية الواقعية باسم الاستقرار وربما مقابل ثمن استراتيجي.
في شهادة أمام الكونغرس أخيراً، حذّر رئيس «مركز بيو للأبحاث»، الذي عمل كثيراً على استطلاعات في الدول المسلمة، من أنّ مركز أميركا في العالم الإسلامي لن يتحسّن فعلياً إلى أن يراها المسلمون «منصفة» في التزامها بعملية السلام، ويقتنعوا بأنّ الجهود الأميركية لمحاربة الإرهاب ليست في الأساس مناهضة للإسلام، ويروا أنّ القوات الأميركية ليست بعد اليوم في حالة حرب في الأراضي المسلمة.
إنّ أياً من هذه الأمور لن يحدث في المستقبل القريب. صدِّقوا أوباما من أنّه يسعى نحو بداية جديدة. لكنّ خطابه في القاهرة كان أدنى البدايات وحسب. ومن الصعب تخيّل نهاية سعيدة قريباً.
* عن مجلة «تايم»