مسيحيّتان وإسلامان
تعليقاً على ما ورد في مقالة جان عزيز «لماذا نسكت حيال القضايا الأخرى؟» بتاريخ الخميس 10 حزيران 2010:
لن أخالفك الرأي في ما يتعلق في انتقائية الإعلام للقضايا التي يبرزها، وخاصة أننا نشعر، كما قلت، أن هناك مراكز قوى إعلامية باتت في أبراج عاجية، دائرة اهتماماتها شركات الإحصاء والنسب المئوية.
أما في عمق مقالتك الوجود المسيحي في الشرق، وهنا بيت القصيد، فنرى أن الاندفاع الأميركي نحو الشرق الأوسط الجديد والقديم يستعمل دوماً، من خلال حروبه النفسية المواكبة لحروبه الإجرامية في منطقة الشرق الأوسط، إنتاج (fobia) رهاب أقلّوي في العقل الباطن للكثير من الشرائح الدينية المتجذرة في هذه المنطقة. هذا الرهاب الأقلّوي المرتكز على مقولة ثابتة أن الإسلام الأكثري هو ماكينة القتل الدموية، وأن هذا الإسلام لا ينتج فكراً ولا حواراً ولا ديموقراطية ولا تعايشاً. ثم جعلوه إسلامين لا ثالث لهما:
أ‌ـــــ إسلام معتدل متأمرك يسير في الطريق الصحيح للخروج من إسلامه...
ب‌ـــــ الإسلام الآخر نعتوه بكل صفات التطرف والرجعية والظلامية...
من هنا، عمل مخطّطو الحرب النفسية الأميركية على إسقاط أي فكر قومي عربي إسلامي مسيحي جهادي مقاوم، من دون وضع أي خطوط أفقية أو عمودية بين جميع هذه المكوّنات، ورسم أخاديد تفرّق هذا الجهد الجامع لمقاومة عقلهم الإجرامي لإخضاع شرقنا لرغباتهم وفولكلور انتخاباتهم الديموقراطية والجمهورية والأمن القومي الصهيوني الذي هو فوق كل اعتبار.
في لبنان مختبر لهذه الحرب الدائرة بين هذه الإرادات، وسأختصر بطرح المثال الأهم في الساحة المؤثرة ما يدعونه الساحة السياسية المسيحية. ولعل رمزية هذا المثال تنطبق على كل المنطقة العربية.
أ‌ـــــ الجنرال ميشال عون صاحب نظرية أن مسيحيي الشرق بفكرهم الديني الشمولي، وعمق تجربتهم التاريخية، لكونهم أتباع السيد المسيح ودمه المقدس وحامل صليب الإنسانية على مدى الكون، الرافض الثائر المعلم لمقاومة كل ظلم مهما كان جبروت الظالم. هؤلاء المسيحيون هم أكثرية، هم قادة هذا الشرق، وشركاء في صنع قرار حمايته بكل أنواع الوسائل من محاولات استعماره.
ب‌ـــــ المدعو سمير جعجع أداة تفتيت تعمّق في خلفية الفكر الجماعي لأهلنا المسيحيين الرهاب الأقلّوي.
من هذا المثال اللبناني، أترك للسيد جان عزيز والقارئ أن يأخذا العبر ويحللان كما يشاءان. ولكن احذرا ممّا يحاك لهذا الشرق في المقبل من الأيام، أيام الهروب الأميركي الكبير من العراق في أيلول.
العميد مصطفى حمدان