...وفي أحد الأيّام اقترب رجل الدين المسيحي الجليل من والد الصبي المعوّق جسديّاً، وقال له ما معناه: «إنّ وجود ابنك في القدّاس، وهو بهذه الحالة (أي معوق جسديّاً) قد يكون مصدر إزعاج للناس، من شكله وطريقة صلاته... إنّ البعض يشتكون من ذلك».
عزيزي الشاب. لا تهتمّ لرجل الدين ذاك. هو لم يفقه المعنى الإنسانيّ لما تكلّم به، ولم يكن قلبه فاهماً شيئاً من وجه المسيح في اللحظات التي قال فيها تلك الكلمات الجارحة، ليس لك فقط ولكن لكلّ إنسان لم يَمُت حسّه الإنسانيّ. هل أقول لك إنّه كلام لا يمتّ للمسيح بصلة؟ وما همّ أن يكون كلامه ليس بمسيحيّ، إن كان أصلاً ليس بإنسانيّ؟ ما همّ أن أقول لك بأنّ كلامه لا يليق بإنسان من العصر الحجريّ، إن كان أصلاً لا يليق سوى بمن لم يصعد بعد ضميره من مستوى الغرائز الحيوانيّة إلى مستوى الوعي، الذي به بدأ الإنسان مشواره في هذه الدنيا كإنسان؟
قد تحزن عزيزي، ولكن من يحبّونك معك، والمجموعة من المصلّين التي قبلتك بينها بشكل طبيعيّ هي معك، ويسوع معك. يسوع، عزيزي، يعرف نفسه في وجهك الطيّب، وفي جسدك المكسور، ولا يعرف نفسه في قلبٍ تحجّر، لا يعرف نفسه في مَن تكبّر، في مَن فقد مشاعره فغابت عنه مشاعر أبيك وأمّك، وغاب عنه وجهك، فلم يرَ سوى إعاقتك، وأهان إنسانيّتك، فخان بذلك إنسانيّته، وخان الإنجيل الذي عليه أؤتمِنَ. هو قسّى قلبه، وأنت تعرف أنّ كلّ شي في المسيحيّة قلبٌ، وأنّ لا عقل، ولا علم، ولا جبّة، ولا رهبنة، ولا كهنوت، ولا كلام، ولا كتاب، ولا منصب، ولا مال، ولا أنبياء، ولا آلهة، لها معنى دون القلب. فيسوع الذي يؤمن به قلبك الشفّاف، هو قلب، والله قلب. ألم يقل يوحنّا في الإنجيل أنّ الله محبّة؟ وما القلب إلاّ المحبّة، إلاّ الاحتضان، إلاّ رؤية الآخر وجهاً، عزيزي. أنت احمِ قلبك، احمِ قلبك لكي تبقى في قلب الله، ويبقى الله في قلبك. اغضَبْ، ارفض هذا المنطق السفيه، لكن أبقِ على إنسانيّتك، لترى الآخرين وجوها، وترى جمالك وعمقك وجلال جسدك المكسور، ومَن منّا ليس بكسيرِ جسد، أو نفس، أو عقل، أو كسير هذه جميعها؟ مَن لا يعرف أنّه مكسور لا يزال وجوديّاً في قماطه، لم يزل في طور الولادة، عزيزي، أمّا أنت فمولود، وشاب شجاع، لأنّك تراك مكسوراَ، وتعرفك ابن إله، بالتبنّي، تعرف أنّك من «عيال الله»، وتعرف أنّك صانع ضوءٍ مع الله، وشاعرٌ رقيقٌ مع «شاعر الأرض والسماء».
عزيزي الشاب، يا مّن وجودك نفسه نعمة لأبيك وأمّك، ولكلّ إنسان يعرفك كإنسان، إن أمكنك لا تحزن إلاّ على رجل الدين ذاك، والذين يفكّرون مثله. فأنت تعرف أنّ الإنسان، كلّ إنسان، وليس المسيحيّ فقط، وليس صحيح الجسم فقط، وليس صحيح العقل فقط، هو مخلوق على «صورة الله»، أي أنّه مخلوق فريد، يَعْكُسُ بقلبه ووجهه وشخصه الفريد، الله نفسه. وأنت قرأت أنّ يسوع أتى من أجل جميع الناس، وليس من أجل الأصحّاء فقط، وتعلم أنّ يسوع غسل أرجل تلامذته، وأنّه بلّغ كلّ مَن تبعه أن «كلّ ما فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الصغار فبي فعلتموه». نعم، يمكنك أن تحزن أنّ رجل الدين ذاك – وهو راهب من حيث المبدأ - لم يعِشْ الجملة الرهبانيّة القائلة: «بعد الله، علينا أن نعتبر كلّ إنسان كأنّه الله نفسه».

كلّ الناس معطوبون في أجسادهم وعقولهم ونفوسهم أعطاباً غير ظاهرة


يمكنك أن تحزن على رجل الدين ذاك، ومَن يفكّر مثله، لأنّهم قرأوا بولس يقول عن نفسه أنّه مهما فعل، ومهما كان علمه، ومهما كانت أعماله الخيريّة، ومهما كان إيمانه «ولم تكن لي محبّة فأنا نحاس يطنّ، وصنجٌ يرنّ». وكيف يمكن أن يكون مُحبّاً مَن يريد أن يعزل إنساناً آخر، لا لشيء إلاّ لمجرّد أنّه معوق، إلاّ لمجرّد أنّه يراه مصدر إزعاج، والمعوق لا يمكن أن يكون مصدر إزعاج إلاّ لقلبٍ متحجّر، متقوقعٍ على مشاعره وذاته، وعلى رؤيته لعالم خرافيّ، خالٍ من المعوقين والمرضى، عالم غير موجود على أرض الواقع.
يمكنك أن تحزن، لكن لا تقبل الجريمة الصامتة التي كاد أن يرتكبها مَن قسّى قلبه، كفرعون الذي انتهج الصلف والعنف. عزيزي، كلّ إنسان حاول أن يُقصيك عن عيون الناس، علمَ أم لم يعلم، أرادَ أم لم يُرد، وعى أم لم يعِ، كاد أن يرتكب جريمة دون أن يسفك نقطة دم واحدة، ليس فقط لأنّه قال أشياء باطلة ومتخلّفة، بلا إحساس ولا تقدير لحاجتك الإنسانيّة الحيويّة بأن تحيا في مجتمع يحبّك، وبلا إحساس ولا تقدير لمحبّة والديك لك، ولكن أساساً لأنّه حاول أن ينزعك من نطاق الحياة والفرح والمشاركة، ويضعك في العزلة، وأنت لست معزولاً لأنّ هناك مَن يحبّك. الحمد لله، عزيزي، أنّ رجل الدين ذاك لا يمثّل جميع مَن مرّوا بكنيستك، فهناك مطران قد وهب حياته لخدمة الناس البسطاء ورحل، وهناك مطران ما يزال يهب حياته للكثيرين، وخدمةً لأخيه المعوّق.
عزيزي الشاب، يا مَن تنزع المتعاملين معك من تقوقعهم، من ارتياحهم إلى تصوّراتهم عن الله، يا مَن تمنحهم نعمة وجودك الفريد، لست أدري كم من إنسان استخدم صفته المسيحيّة من أجل تكبيلك، أنت يا من تعكس بوجهك وجه المسيح، رجل الأوجاع ذاك، المعلّق على صليب أحقاد الآخرين وضيق قلوبهم، كما جسدك الموجوع معلّق على صليب التخلّف اللبنانيّ والسوريّ، الذي فيه ولدتَ وتعيشَ. لكن، إن استطعت اغفر لهم، لأنّهم لم يكونوا مدركين لما كانوا يفعلونه، لم يكونوا مدركين أنّ هكذا مسعى للتهجّم على صورة الله التي يعكسها وجهك الإنسانيّ، وتكبيلها، هو سيرٌ في ركاب سيّد التهجّم على الله، وعلى صورته في الإنسان، ذاك الذي لضعفه وانهزامه الوجوديّ ومعرفته بضعفه، ومعرفته للاّمعنى التام الذي يعيشه، ولعجزه الداخليّ عن الحبّ والفرح والحياة، لا يسعى سوى إلى إيلام الإنسان وعزله، ذاك الذي بالتجريح وبمحاولة التدمير للبشر يتوهّم السيادة. إن أمكنك، اطلب إلى الله أن يغفر لهم لأنّهم لا يدرون أنّ هكذا مسعى للتهجّم عليك، ولتكبيلك، هو سيرٌ عمليّ في ركاب سيّد الظلام، ولو ركعوا جسديّاً لسيّد النور والحياة. عزيزي، فيك يسكن سيّد الحياة، في وجهك أنت، يا «إنسان الأوجاع»، المكسور الجسد، وإنسان القيامة، القائم في الإنسانية الرفيعة، والفكر، والشعور. إنّ طبيبة نفسيّة ذكرت لي بأنّ «الأهل المتنوّرين يزداد حبّهم تلقائيّاً لأبنائهم المعوّقين»، أنا أفهم ذلك، عزيزي، بأنّ بك يضيء المجد الإلهيّ لكلّ مَن يرى بعينيّ قلبه.

■ ■ ■


عزيزتي القارئة، عزيزي القارئ. رغم أنّ رجل الدين ذاك، ومن فكّر مثله، وحدهم مسؤولون عن أقوالهم وأفعالهم، إلاّ أنّهم ليسوا مولودين في جزيرة. هناك مسؤوليّة اجتماعيّة يشترك فيها الجميع. فإذا استثنينا الجمعيّات التي تعنى بالمعوقين، والمجموعات والأفراد الذين فتحوا لمعوّق أبواب الاشتراك في أبعاد الحياة المختلفة، تكاد كلّ المنطقة تفكّر وتعيش على نفس المنوال: المعوّق يُنظَر إليه على أنّه عار يجب أن يُخفى في المنزل (أو في مؤسّسة بعيدة عن الأعين)، أو على أنّه «مثير للشفقة». أختي وأخي، إنّ النظر إلى المعوّق على أنّه عارٌ، هو عارٌ بحدّ ذاته؛ والتفكير بأنّ المعوّق يحتاج إلى شفقة، هو تفكير سطحيّ لم ير بعد أنّ المعوّقَ هو إنسانٌ كاملٌ. الإنسان المعوّق، هو أساساً إنسان، وككلّ إنسان، يحتاج إلى عائلة تحبّه وتؤمن به، وإلى مجموعة أصدقاء تحبّه وتؤمن به، وبقدراته الحقيقيّة، وتتيح له التفاعل الإنسانيّ الضروريّ لكي ينمو كإنسان، على قدر طاقاته، وإلى قوانين تدافع عن كرامته الإنسانيّة، وتحميه من الناس الذين ما زالوا متخلّفين عمّا وصلت إليه الإنسانيّة من احترام للبشر، وهم للأسف كُثُر.
الحقيقة التي يهرب منها الجميع، هي أنّ كلّ الناس معطوبون في أجسادهم وعقولهم ونفوسهم، أعطاباً غير ظاهرة، ولكن المعوّق يلقى معاملة مُهينة من البعض (العَزل)، أو غير مناسبة من البعض الآخر (الشفقة)، لأنّ عطبُه الجسديّ أو العقليّ ظاهر. وفي مجتمعاتنا التي تتضخّم فيها المظاهر إلى حدّ مرضيّ، تتضخّم تلقائيّاً رغبة بعض الناس بعزل المعوقين لأنّ ظاهرهم غير جذّاب، وهي رغبة أناسٍ يعانون ككلّ الناس من معوّقات جسديّة ونفسيّة بحكم كونهم بشر. كلّ مَن يعامل المعوّق على أنّه أقلّ من إنسان، على أنّه يجب أن يبقى في البيت، أو أنّه يحتاج فقط إلى شفقة، وذلك لمجرّد أنّ هناك عُطباً ظاهراً في جسده أو عقله، هو أولاً إنسان يحاول أن يتناسى مدى أعطابه الشخصيّة. ولكن هناك خاصيّة أخرى لمجتمعاتنا، ألا وهي أنّها مجتمعات تدّعي التديّن. في مجتمع يتشدّق بالدين، مَن يعامل المعوّق على أنّه أقلّ من إنسان، ليس فقط إنسان متخلّف عن القيم الإنسانيّة، ولكنّه أيضاً إنسان منافق، لأنّه إنسان لا يتصرّف بما يقوله الدّين، ألا وهو أنّ كلّ الناس هم «أبناء الله»، كما يعبّر المسيحيّون، و»عياله» كما يعبّر المسلمون. إنّ مَن يتصرّف بصلف وقسوة مع المعوّقين، أو أيّ إنسان آخر، كما ومن يتصرّف بعنصريّة واستعلاء مع إنسان آخر، ومن يتصرّف بشكل طائفيّ مع أيّ إنسان آخر، ومن يشترك في شراء الذمم، أو يبيع صوته في الانتخابات، ومن يعنّف طفلاً أو أختاً أو زوجة (وصولاً إلى حدّ القتل أحياناً)، ومن يستعمل إنساناً آخر، أو نفسه، كشيء، ومن يتعامل مع إنسان على أنّه مجرّد وسيلة للوصول إلى هدف، أو عقبة يجب أن تزاح للوصول إلى هدف (كما فعل رجل الدين الذي أراد إزاحة الشاب المعوّق لكي تحلو «الصلاة» له ولغيره)، ومن لا يهتمّ إن فعل غيره كلّ ذلك مع إنسان آخر، ثمّ يقول «آمَنْتُ» يمكننا أن نجيبه بكلّ وضوح، «لا، لَمْ تؤمِن بعد، ولكن قُل تديّنتُ وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمانُ قلبك»، أي بكلمة مختصرة أنت إنسان منافق.
المتديّنون هم أولئك الذين يحافظون من الإيمان على المظاهر، على الطقوس، على تقاليد اللباس والطعام والموسيقى والتجويد، أمّا قلوبهم فتبقى بعيدة عن الإنسان الآخر، وبهذا تبقى بعيدة عن الله. إنّ محكّ الإيمان بالله الذي لا يراه أحد، هو التعامل مع الإنسان الذي يراه الجميع. أمّا التمسّك بالطقوس دون محبّة الإنسان الآخر، التي تتجسّد بالمحافظة والدفاع عن كرامته الإنسانيّة، وعن حقّه بالحياة والحبّ والعدالة، وبإشراكه في الحياة الاجتماعيّة على قدر طاقاته، مع ما يقتضيه ذلك من تعديل في البيئة (تربية، تأهيل مداخل الأبنية، قوانين)، فهو في الحقيقة إلحاد عمليّ، أي نكران لله والإنسان في الحياة اليوميّة.
وفي المقابل فإنّ الإنسان قد ينكر الله فكريّاً لأسباب كثيرة، ليس أقلّها كثرة ما يراه من ظلم واستغلال وفظائع يمارسها الذين يدّعون الإيمان وينطقون باسم لله، ولكنّ هذا الملحد فكريّاً قد لا ينكر الإنسان عمليّاً، فيعامل، مثلاً، المعوّق كإنسان حقيقيّ تامّ، ويسعى للعدالة، والحفاظ على الكرامة الإنسانيّة، ويسعى للعدالة الاجتماعيّة، فيكون بذلك عاملاً بمتطلّبات الإيمان العمليّة في تفاعله مع الآخرين، وبالتالي لا يكون منكراً لله عمليّاً، ولو أنّه أنكره فكريّاً. طبعاً يمكن للإنسان أن يكون ملحداً فكريّاً وعمليّاً، ويمكنه أن يكون مؤمناً فكريّاً وعمليّاً. ولكن في بلاد تذكر اسم الله في الصغيرة والكبيرة، وتتباهى الطوائف بمدى صحّة عقائدها (وتعني بالعقائد: مجرّد مجموعة من المسلّمات المقبولة فكريّاً فقط)، وتتصارع وتتذابح على المصالح، كم هو قليل الإيمان، وكم هو كثير التديّن، كم هو قليل الإلحاد الفكريّ، وكم هو كثير الإلحاد العمليّ! إنّ إنساناً ملحداً فكريّاً يتصرّف على أساسِ أنّ كلّ إنسان هو أخ أو أخت بالإنسانيّة، أي من عيال الله، وأنّ من الواجب الاهتمام بكرامته الإنسانيّة وحمايتها، وإشراكه في حياة عائلة الله (المجتمع)، هو إنسان يتصرّف بموجب الإيمان، وأقرب إلى قلب الله من مؤمن فكريٍّ يتصرّف بموجب الإلحاد العمليّ.
إنّ عزل المعوقين في مجتمعاتنا هو جريمة صامتة، وهذا العزلُ هو واقع حقيقي، فبينما نكاد لا نجد معوقين في الشارع في بلادنا، نلاحظ الوجود الطبيعي والدائم للمعوقين في شوارع ومقاهي ومطاعم ومدارس وجامعات بلاد مثل كندا. وفي محافظة كنديّة هي أونتاريو، سنّ البرلمان قانوناً يجبر، من ضمن ما يُجبر، كلّ مالكي الأبنيّة أن يؤّهّلوا المباني لتناسب معوّقي الحركة، بالإضافة إلى الجهود الجبّارة التي تسعى لفرض تأهيل مواقع الإنترنت، لكي تصبح قراءتها ممكنة بواسطة برامج حاسوبيّة مناسبة لمعوّقي النظر. بالطبع هذا كلّه يتطلّب أن تسعى المؤسّسات الشعبيّة إلى الضغط باتّجاه وضع قوانين مناسبة، وأن تضطرّ البرلمانات لسنّ التشريعات المناسبة، وأن تُحاسَب الحكومات على أساس قيامها بواجباتها في تطبيق التشريعات، أو إحجامها عن تطبيقها، أيّ أنّ ذلك كلّه يتطلّب ديموقراطيّة وشعباً حيّاً. ولكن قد تكون المطالبة بهذه الأمور، كالمطالبة بإيجاد حلّ حقيقي ينفذ القوانين في قضيّة النفايات (مثلاً أن تعود النفايات مسؤوليّة البلديّات)، مناسبة للتحرّك، وتشكيل مجموعات ضاغطة، وتكوين تيّار ديموقراطيّ واعٍ. ولكن، حتّى يولد ذلك الزمن الديموقراطيّ، ونظراً لأثر الدين في مجتمعات منطقتنا، فإنّ الإخلاص للبّ الإيمان يقتضي أن يسعى حاليّاً المسؤولون عن التعليم الديني إلى وضع خطوات عمليّة حقيقيّة لمشاركة المعوقين في الحياة الاجتماعيّة بشكل عادي، بدءاً من النشاطات الدينية، وأن يسعى الجميع إلى الضغط من أجل تشريعات وتطبيقات مناسبة لمنحى يدمج المعوّقين في الحياة المجتمعيّة، وهذا أقلّ الإيمان. في لبنان خطت الجمعيّات الأهليّة خطوات جبّارة في طرح قضيّة المعوّقين، منذ ثمانينيات القرن الماضي، أحد الخطوات المطلوبة اليوم هي خطوات تربويّة من أجل تغيير الصورة النمطيّة عن المعوّقين، ودمجهم في الحياة الاجتماعيّة اليوميّة. قد يبدو هذا كثيراً على بلد غارق في الفساد، ولكنّ هذا الوضع، كأوضاع أخرى، هو مسؤوليّة جماعيّة، ومحكّ لإيماننا، فهو يفضح إن كنّا مؤمنين أم منافقين، مؤمنين أم متديّنين، لمّا يدخل الإيمان قلوبنا. ولهذا فمن الأفضل أن نخفّف كثيراً من استعمال اسم الله كمخدّر لضمائرنا ولاحتجاجها على أفعالنا، ونلتفت إلى حقيقة واقعنا، وإلى كيفيّة عيش الإيمان في الحياة اليوميّة، عبر الاهتمام بقضايا وكرامة الإنسان، هذا الاهتمام الذي يشكّل، وحده، مؤشّراً على الإيمان العمليّ، على القرب والبعد عن الله.
* أستاذ جامعي