ألبير داغر *1. ينطلق ما جاء في الردّ على المقالة بشأن «عروبة الموارنة»، المنشور في عدد 30 نيسان الفائت، من نقطة واحدة وحيدة هي موقف صاحبه السلبي من العروبة. يفسر هذا الموقف كل ما جاء في الردّ المحتقن. يسأل صاحب الردّ هل العروبة موجودة في الأساس؟ وهل تجسّدت في كيان سياسي موحّد؟ ألم تفشل تجارب الوحدة؟ ألم يختلف العرب على «أمّ القضايا العربية»؟، إلخ. ويوافقني القارئ في الأرجح أن لا علاقة لكلام كهذا بموضوع المقالة التي عالجت موضوع الأصول العربية للموارنة.
2. أقام صاحب الردّ تعارضاً بين أن يكون للموارنة أصول عربية مشتركة، وبين أن يكون المشترك بينهم هو المحتوى الفكري والنسكي لمذهبهم. وعلى افتراض أن هذا العنصر الثاني هو عنصر مهم كما يرغب، فليس ثمة ما يبرر إقامة تناقض بين الاثنين.
لكن، هل هذا النوع من النقاش هدفه فعلاً الوصول إلى الحقيقة العلمية؟ ألا ينتمي صاحب الردّ إلى مدرسة أسهمت منذ القرن التاسع عشر وبدون كلل في التأسيس على مستوى الخطاب (discourse) لنكبات الموارنة المتلاحقة.
3. امتلأت المقالة بكلام غايته التعريض بأصحاب الرأي المخالف. واحتوت كماً من التعابير من مثل «البناء على نظريات وهمية» و«المغالطات الفادحة» و«عدم الإلمام بالمنهجية التاريخية» و«الأخطاء الفادحة» و«المشهد الهزلي» و«تحوير التاريخ لأغراض أيديولوجية»، إلخ.
لكن صاحب الردّ لم ينزل من علياء معرفته التاريخية التي يريدنا أن نعتقد بأنها واسعة، ليلقّننا ما ينبغي أن نتعلمه من «مناهج غربية متقدمة في كتابة التاريخ». لم يقدم بديلاً على صعيد المنهجية والوقائع لما انتقده في مقاربة كمال الصليبي وفرج الله صالح ديب لأصول الموارنة. بل حين تصدى لكمال الصليبي، لم يكن ذلك بشأن ما قاله هذا الأخير في «بيت بمنازل كثيرة» الذي هو موضوع المقالة. ما فعله كمال الصليبي وفرج الله صالح ديب هو أنهما تابعا جهداً وبحثاً على مدى عمرين مهنيين بكاملهما لتكوين وقائع تثبت وتؤكد ما ذهبا إليه. أما صاحب الردّ فلم يضف معلومة واحدة جديدة الى النقاش في أصول الموارنة.
ولعله في ذلك على مذهب أصحاب النصوص التي صدرت بعد الحرب التي لم توفر، بل لم تهتم بأن توفر معلومات جديدة أو إضافية حول تاريخ الموارنة.
واستلّ من كتاب المسعودي جملة واحدة رأى أنها حجته في ما يقول. وحين أراد أن يضيف إلى معرفتنا بمار مارون، قال إن هذا الأخير لم «يبنِ منسكه في الجزيرة العربية» وإنما في قورش، وإن الرهبان الذين اتبعوا طريقته النسكية لم يكونوا من «الأعراب الذين يلبسون الكوفية».
4. المواقف المسبقة أملت على صاحب الردّ نصّه. وهذا نوع من الأدبيات يستحق فعلاً الإهمال.
* أستاذ جامعي