بعد محاولة تفجير سيارة في ميدان تايمز سكوير في نيويورك، وإلقاء القبض على من يقف وراءها، وهو باكستاني أميركي يدعى فيصل شهزاد، دعا السيناتور الأميركي جو ليبرمان، المرشح السابق لمنصب نائب الرئيس الأميركي، إلى تجريد أيّ مواطن أميركي من جنسيته إذا ثبت تعامله مع منظمات إرهابية. اقتراح لاقى صداه لدى بعض الجمهوريين، لكنّه قوبل برفض تام من جانب الديموقراطيين ومناصري حقوق الإنسان. ويتخوّف البعض من أنّ تطبيق قانون كهذا قد يضيّق الخناق على عمل الناشطين في مجال حقوق الإنسان، ويؤذي غيرهم من الأميركيين المعارضين لحكومتهم
إعداد وترجمة: ديما شريف

ملاحقة الأشباح



كين غود*
يريد السيناتور جو ليبرمان (مستقل ـــــ كونيكتيكت) تصحيح مشكلة غير موجودة بواسطة حلّ لن ينتج المطلوب منه. قدم ليبرمان مشروع قانون يجرّد الأميركيين الذين ينضمون إلى منظمات إرهابية من جنسيتهم الأميركية، وذلك من أجل إزالة كلّ المعوقات أمام التحقيق معهم وتعبيد الطريق أمام الاعتقال والمحاكمة العسكرية.
للأسف، فإنّ حالة المواطنة ليس لها أي تأثير على المتطلبات اللازمة لنصح المتهمين بشأن حقوقهم في ظل قاعدة ميراندا [وهي الحقوق التي يعطيها الدستور الأميركي في تعديليه الخامس والسادس وتُنسب إلى قضية ارتورو ميراندا في الخمسينيات من القرن الماضي بعد انتهاك حقوقه هذه خلال اعتقاله]. وعلى أيّ حال، لا يتعارض ذلك مع جمع المعلومات الاستخبارية. ما يزيد الأمور سوءاً، أنّه حين استخدمت إدارة بوش طريقة السيناتور ليبرمان في التحقيق، مثّل الأمر فشلاً ذريعاً. على إدارة أوباما أن ترفض هذه الألعاب السياسية الدخيلة وتبقي الضغط على المنظمات الإرهابية باستخدام كلّ الأسلحة في ترسانتنا، ومن ضمنها نظام العدالة القاسي للتعرّف إلى الإرهابيين وهزيمتهم.
يقال إنّ فيصل شهزاد، المواطن الأميركي المتهم بمحاولة التفجير الفاشلة في تايمز سكوير، يتعاون مع المحققين من الـ«إف. بي. آي» ويعطيهم معلومات استخبارية مفيدة عن هذه المحاولة وارتباطه المحتمل بطالبان باكستان. وفق «إف. بي. آي»، لقد حُقّق معه بداية تحت استثناء الطوارئ العام لميراندا، ثم نُصح بالبقاء صامتاً والحصول على محامٍ، لكنّه تخلى عن هذه الحقوق واستمر بالتعاون مع المحققين من وحدة التحقيق الأولى.
إنّ من الصعب فهم لماذا يؤمن السيناتور ليبرمان وحلفاؤه المحافظون بأنّ الحصول على معلومات استخبارية مفيدة من متهم بالإرهاب في تحقيق شرعي، يهدّد سلامة الشعب الأميركي وأمنه. قال السيناتور جون ماكين (جمهوري ـــــ أريزونا) إنّ إعطاء شهزاد حقوق ميراندا هو «غلطة كبيرة»، فيما قال السيناتور ليندسي غراهام (جمهوري ـــــ كارولاينا الجنوبية) إنّ «إعطاء حقوق ميراندا هو عمل غير مجد». أما النائب بيتر كينغ (جمهوري ـــــ نيويورك) فقال «إنّني أعرف أنّه مواطن أميركي، لكن رغم ذلك...».
انطلاقاً من مخاوف النائب كينغ، ضرب السيناتور ليبرمان على وتر حساس، هو ما وُصف بـ«التحايل» على ميراندا، عبر توسيعها لتشمل المنظمات الإرهابية الأجنبية. فالقانون الحالي يسمح بتجريد الأميركيين من جنسيتهم إذا انضموا طواعية إلى جيش أجنبي لمحاربة الولايات المتحدة أو حلفائها.
قد يكون في ذلك جاذبية سياسية لهؤلاء الذين يبحثون عن وهم العمل ضد الإرهابيين، لكنّ الخلل الأكبر في هذه المقاربة هو أنّ حالة المواطنة لا تأثير لها على ضرورة إعطاء أي متهم حقوق ميراندا. قد لا يعجب ذلك المحافظين، لكنّ الدستور الأميركي هو القانون هنا وينطبق على المواطنين وغير المواطنين حين يكونون في الولايات المتحدة. ما يعقّد الأمور أكثر للمحافظين هو أنّ أي محاولة تجريد من الجنسية ستتطلّب خطوات كثيرة مهمة، ما يستلزم عقد مجلس للتقرير في ذلك، ومن هنا انتفاء الهدف من وراء كل ذلك.
المسألة الثانية المهمة من وجهة نظر وطنية، هي أنّ سجلات التحقيق مع المتهمين بالإرهاب، بعد إعطائهم حقوق ميراندا، تجعل كلّ هذا الجهد دون جدوى. شهزاد يتعاون. مفجّر يوم الميلاد عمر فاروق عبد المطلب يتعاون. نجيب الله زازي، الذي اعتقل في 2009 حين كان يُعدّ لتنفيذ تفجير انتحاري في مترو مدينة نيويورك، يتعاون. دايفيد هيدلي، الشريك في اعتداءات مومباي في 2008 يتعاون. كلّهم أعطوا حقوق ميراندا، وأدلوا جميعهم للمحققين بمعلومات استخبارية مفيدة، عملية وموثوق بها. حقوق ميراندا ليست عائقاً أمام جمع المعلومات الاستخبارية.
على العكس، كان لإدارة بوش تجربتها مع التوقيف العسكري للمتهمين بالإرهاب ممن اعتقلوا على الأراضي الأميركية، ومنهم خوسيه باديلا (يعرف باسم عبد الله المهاجر، اعتقل في 2002 بتهمة الإعداد لاعتداء نووي) وعلي المري (مواطن قطري اعتقل في 2001 بتهمة الانتماء إلى القاعدة) وهما في عهدة الجيش منذ سنوات وشهور دون أن يتمكنا من الوصول إلى محام أو إلى العالم الخارجي. المشكلة الوحيدة هي أنّ باديلا والمري لم يعطيا أية معلومات للمحققين.
في وضع باديلا، بعد سبعة أشهر من الاعتقال دون التوصل إلى أية نتيجة، رافع رئيس وكالة الاستخبارات العسكرية آنذاك الأدميرال لويل جاكوبي أمام قاضٍ لمنع باديلا من اللقاء بمحامٍ على أمل أنّ يؤدي المزيد من العزل إلى نتيجة ما في النهاية. رفض القاضي مايكل موكاسي، الذي أصبح لاحقاً وزيراً للعدل، التماس جاكوبي، وأرغم الحكومة على أن تسمح لباديلا بلقاء محامٍ، مؤكداً أنّ ذلك لن يتعارض مع التحقيق. كان موكاسي على حق. فعبر تكرار أنّ هناك مشكلة مع حقوق ميراندا، وهي غير موجودة فعلياً، يريد السيناتور ليبرمان وحلفاؤه إشغال الناس عن السجل الكئيب لخيارهم المفضل: الاحتجاز والتحقيق العسكري.

إنّهم يخافون من متهمين بالإرهاب يقبعون في السجن أكثر مما يخافون منهم وهم طليقون ومسلحون
يريد السيناتور ليبرمان السماح بمحاكمات عبر لجان عسكرية لمتهمين بالإرهاب هم مواطنون أميركيون مثل شهزاد. لكنّ السيناتور من كونيكتيكت عليه أن يلوم نفسه فقط على القانون الحالي الذي يحظر المحاكمات العسكرية للأميركيين، كما صوّت هو نفسه مرتين لقانون اللجان العسكرية الذي يسمح بمحاكمة «المحاربين الأعداء الأجانب» فقط. لو كان يريد محاكمات عسكرية لكلّ المتهمين بالإرهاب، بغض النظر عن جنسيتهم، لكان في إمكانه تقديم تعديل على القانون الموجود.
من السهل عادة معرفة متى ينضم أميركيون إلى قوة عسكرية أجنبية، لأنّهم يلبسون زيّاً، ويخدمون في وحدات منظمة، ويحاربون في صراعات مسلحة معروفة. ومن الواضح أنّ معرفة متى ينضم أميركي بنحو حاسم إلى منظمة إرهابية أجنبية لمحاربة الولايات المتحدة، عملية أصعب بكثير. اتخاذ هذا القرار الحاسم، كما يريد السيناتور ليبرمان أن يفعل، في مستهل استقصاء من أجل تجريد الحقوق الأساسية خلال تحقيق أو خلال محاكمة، هو عمل مضلل، غير ضروري وغير عملي.
تبدو ردود الفعل المحافظة على تهديد الإرهاب أكثر غرابة يوماً عن يوم. ففي الوقت نفسه، يدفع السيناتور ليبرمان، ماكين، وغراهام نحو رفض إعطاء الإرهابيين حقوقهم في الحصول على محامٍ أو البقاء صامتين، ويرفضون إبطال حق المتهمين بالإرهاب بشراء الأسلحة. غريب جداً أنّهم خائفون من متهمين بالإرهاب يقبعون في السجن ومعهم محامون، أكثر مما هم خائفون منهم وهم طليقون ومسلحون بمسدس غلوك من عيار 9 ملم.
* عن «مركز التقدم الأميركي»،
مركز أبحاث ديموقراطي مقرّب جداً
من الرئيس الأميركي باراك أوباما


عودة إلى الوراء




روبرت شير*
ماذا لو تبيّن أنّ فيصل شهزاد، المسؤول عن وضع السيارة المفخّخة في «تايمز سكوير»، كان مهاجراً غير شرعي من المكسيك؟ تخيّلوا ما كان قد وفّر ذلك لمن يستخدمون الأمن القومي عذراً للتضييق على المهاجرين الكادحين في أريزونا. الحقيقة هي أنّ الإرهابيّين الذين اعتدوا علينا، ومن ضمنهم كلّ الخاطفين في 11 أيلول، كانت لديهم أوراقهم الرسمية الأميركية.
دخل شهزاد إلى البلاد في 1999 بواسطة تأشيرة دراسة، ومن ثم مُنح تأشيرة إتش ـــــ 1 بي، التي تعطى عادةً لمن يملكون مهارات تقنية يكون الاقتصاد بحاجة إليها. حين قُبض عليه، كان مواطناً مجنّساً، وليس هناك من دليل على أنّه خرق أيّ قانون من قبلُ للحصول على الجنسية. نقطة أخرى مثيرة للاهتمام هي أنّ «سلاح الدمار الشامل» الذي اتُّهم بمحاولة تفجيره كان بدائياً جداً، وكان جزءاً من محاولة حمقاء يُرثى لها لاستخدام تقنية قنبلة الأسمدة التي استُخدمت بفعّالية رهيبة في تفجير أوكلاهوما سيتي من جانب عدد من الأشخاص، ممّن أطلقوا على أنفسهم لقب «وطنيين»، وكلّهم وُلدوا في الولايات المتحدة الأميركية.
رغم أنّها كانت قادرة على قتل عدد من الأبرياء وتدمير المباني القريبة، فإنّ قنبلة سيارة «تايمز سكوير» بالكاد يمكن إعطاؤها وصف «سلاح دمار شامل». وهي بالفعل تسخر من اهتمامنا الكبير بتهديدات كهذه. ما حصل هو أيضاً تذكير بأنّ موازنات الدفاع الكبيرة جداً المخصصة لشؤون الحرب التقنية، التي وصلت إلى حوالى تريليون دولار منذ أحداث 11 أيلول، غير فعالة في مواجهة إرهابيّين يحوّلون المفرقعات إلى متفجرات. قُبض على هذا الرجل بسبب عمل الشرطة التقليدي، بعدما حذّر أحد بائعي قمصان «تايمز سكوير» المتجولين الضباط.
وفي الوقت الذي حاول فيه بعض السياسيين الجمهوريين بقيادة السيناتور جون ماكين، استغلال هذه الفرصة للهجوم على الحريات المدنية وإذكاء النقاش الدائر حول حقوق ميراندا [وهي الحقوق التي يعطيها الدستور الأميركي في تعديليه الخامس والسادس وتُنسب إلى قضية ارتورو ميراندا في الخمسينيات من القرن الماضي بعد انتهاك حقوقه هذه خلال اعتقاله]، من الواضح أنّ التحقيق تقدّم بطريقة فعّالة وسريعة مع الأخذ في الاعتبار الحماية التي يقدمها الدستور للمتهم.
كان المعلّق اليميني في شبكة فوكس غلين بيك هو من ابتعد عن هذه الديماغوجية عبر تأكيده أنّ حكم القانون أساسي لحريتنا، وليس فقط تساهلاً غير مناسب. «هو مواطن أميركي، لذلك أقول إنّه يجب تطبيق القوانين والدستور على المواطنين»، تجرّأ بيك على القول على قناة فوكس. «إذا كنت مواطناً، تحترم القانون والدستور، فشهزاد لديه كل الحقوق بموجب الدستور»، أضاف بيك. ثم قال «لا نمزّق الدستور حين يكون ذلك شعبياً. لكن نفعل الشيء الصحيح».
قارنوا الكلمات العاقلة هذه من جانب شخص يحتقره عدد كبير من الليبراليين بنصيحة مرشح ديموقراطي سابق لمنصب نائب، رئيساً صوّت له العديدون منّا.

استعداد ليبرمان للتضحية بقرون من حماية الفرد، يتطلب إرساله إلى عالم الجنون التوتاليتاري المظلم

تخطى السيناتور جو ليبرمان ماكين وجادل لإلغاء كلّ الحقوق الدستورية للمواطنين المتهمين بالإرهاب. اقترح ليبرمان أيضاً تجريدهم من جنسيّاتهم قبل إدانتهم بأيّ جريمة. فقد قال: «أظن أنّ الوقت قد حان كي نقرر إن كنّا نريد تعديل هذا القانون بتطبيقه على المواطنين الأميركيين الذين يختارون الانتساب إلى منظمات إرهابية أجنبية. كما علينا أن نقرر إن كان يجب أن يجرَّدوا تلقائياً من جنسيتهم، وبالتالي يُحرموا الحقوق التي تأتي مع هذه الجنسية حين يجري اعتقالهم واتهامهم بعمل إرهابي».
إذا استُخدم «سلاح دمار شامل» ضدنا، مثل سلاح نووي بدائي داخل حقيبة تُهرَّب في مانهاتن، فانتظروا أن يطلب ليبرمان أن نقوم باستعراض عشرات الملايين من الناس المريبين، فاتحين أبواب معسكرات الاعتقال. إذا كانت محاولة فاشلة لتفجير غاز البروبان في سيارة في تايمز سكوير تستطيع دفع ليبرمان إلى التضحية بقرون من تفاني هذه الأمة لحكم القانون وحماية الفرد، فلن يتطلب الأمر الكثير قبل إرساله إلى عالم الجنون التوتاليتاري المظلم.
لقد شهدت كل المجتمعات الحديثة أفعالاً إرهابية تجعل محاولة التفجير في تايمز سكوير تبدو كأنّها تجربة من جانب شخص ثمل لإحدى وصفات «كتاب الطبخ الفوضوي». في أماكن عديدة من العالم، توجد تهديدات قاتلة وهي حقيقيّة، لكنّ أميركا في حالات عديدة طالبت بضبط النفس حيال هذه التهديدات، مؤكّدة أنّ إلغاء الحرية الفردية، تحديداً خلال أوقات الشدّة، يُضعف المجتمع، ولا يجعله أقوى. هذه هي النصيحة التي أعطيناها للقادة الروس قبل شهر من اليوم حين كانوا يتعاملون مع تهديدات أكثر جديّة.
لحسن الحظ، لدينا اليوم رئيس ووزير للعدل يعتنقان هذه الحكمة في الدفاع عمّا يحصل في البلاد أيضاً. إنّه لأمر جيد جداً أنّ ليبرمان ليس قريباً جداً من الوصول إلى الحكم وتدميرنا كلنا.
* عن «تروثديغ»، مجلّة إلكترونيّة أميركيّة تتحدّث باسم الديموقراطيّين