علاء اللامي *مع الإعلان، ليل الأربعاء 5 مايو/ أيار الجاري، عن قيام تحالف برلماني جديد بين قائمتي الحكيم والمالكي، يكون الأخير قد حسم، على المدى المتوسط، معركة نيل رئاسة مجلس الوزراء لمصلحته. صحيح أن الاتفاق بين الحليفين «القديمين الجديدين» تم على أساس تأجيل تسمية مرشح الكتلة الجديدة لهذا المنصب لتحسم في ما بعد من خلال تصويت في البرلمان، غير أن التفكير المنطقي يقود إلى استنتاج آخر يذهب إلى أن المالكي حسم، بقصد أو بدونه، هذه المعركة لمصلحته. وما كان له أن يفعل ذلك لولا الأخطاء التكتيكية والاستراتيجية، النابعة من مسببات شخصية ونفسية، التي ارتكبها علاوي وبعض القياديين في قائمته.
الكتلة الجديدة المؤلفة من نواب «دولة القانون» و«الائتلاف الوطني»، وتعدادها 159 مقعداً، ستكون بحاجة إلى أربعة مقاعد لضمان الأغلبية المطلقة، وهذه مهمة يسيرة نوعاً ما بانتظار نتائج إعادة العد والفرز الجارية. كما أنها ستكون ملزَمة بتقديم مرشح واحد إلى البرلمان بموجب الاتفاق المعقود، ولنفترض أنه سيكون المالكي الذي تصر قائمته على ترشيحه، فإما أن ينال الثقة وإما أن يرفضه النواب الصدريون الأربعون، إضافة إلى نواب قائمة «العراقية» وآخرين، فيفشل. وسيُعدّ هذا التطور إنْ حدث، تبريراً سياسياً وقانونياً وأخلاقياً كافياً للمالكي لكي ينقلب على هذا التحالف ويخرج عليه، وعندها ستكون قائمة «العراقية» التي يئست أو كادت من الحصول على ما يقابل ما فازت به من مقاعد في انتظار دعوته لتحالف جديد على أحرّ من الجمر عند باب القاعة. وعندها، وفي أسوأ الاحتمالات والنتائج، سيكون المالكي قد ضمن نصف العهدة الرئاسية إذا حصل الاتفاق على مبدأ المناصفة بينه وبين رئيس «العراقية». وقد يقال إن ثمة احتمالاً آخر وهو أن يُرْفَض اسم المالكي قبل طرحه للتصويت في البرلمان ويُطْلَب من قائمته تقديم اسم بديل له. وهذا احتمال ضعيف إذا ما أخذنا في الاعتبار تصاعد الضغوط الداخلية، نعني من داخل قائمة الحكيم، والخارجية ونعني الإيرانية التي لا تريد لحلفائها الطائفيين الشيعة أن يخسروا الحكومة المقبلة ورئاستها نتيجة لخلافات هي شخصية أكثر مما هي مبدئية «طائفية».وحتى على افتراض إصرار الصدريين داخل قائمة الحكيم على استبدال المالكي بمرشح آخر، فسنصل إلى التداعيات ذاتها، أي خروج المالكي وقائمته من هذا التحالف وخوض تجربة مفاوضات أخرى مع «العراقية» التي ربما ستكون تجربتها السابقة قد أعادتها إلى الصواب. فإن فشلت المحاولة، بسبب عناد علاوي أو سواه، عاد المالكي إلى الحكيم مسلحاً بمبررات قوية وجديدة تتعلق بإنقاذ البلد من حالة الفراغ الدستوري والحكومي، وقدَّمَ اسماً بديلاً.
لقد قيل وسيقال كلام كثير من أنصار قائمة «العراقية» عن التحالف الجديد بين قائمتي المالكي والحكيم من قبيل: إن هذا التحالف يعتبر عودة إلى المربع الطائفي الأول، وهذا صحيح. وإنه جاء بضغط إيران، وهذا مرجح جداً. وإن الحكومة المقبلة التي ستدعى بحكومة «المشاركة الوطنية» ليست إلا نسخة جديدة من حكومات المحاصصة الطائفية التي جاء بها الاحتلال، وهذا صائب كفاية. ولكن السؤال الحاسم الذي يساعدنا على فهم ما حدث وتفسيره هو: ما السياق الذي ولد فيه هذا التحالف؟ ومَن يتحمل مسؤولية هذا التطور الجديد؟
ساهم علاوي في دفع قائمة المالكي إلى أحضان قائمة الحكيم وحلفائه الإيرانيين
ما سيتذكره المراقبون طويلاً هو أن تلك المقاربات نجحت نجاحاً واعداً، وأعلن أحد قادة «العراقية» وهو حسن العلوي أن المالكي أعلن أمامه أنه لا يريد ولا يحبذ المشاركة في تحالف برلماني من لون طائفي واحد، أي مع قائمة الحكيم حصراً، كما أنه وافق على عقد لقاء مباشر مع علاوي لتنقية الأجواء والشروع في مفاوضات فعلية ومُنتِجة. ثم، بعد تلكؤ الحوارات بين الطرفين واشتراط علاوي أن يكون هو لا أحد سواه رئيساً للوزراء، ذاعت قضية العرض السياسي السري الذي قدمه المالكي عبر رئيس البرلمان السابق محمود المشهداني للرجل الثاني في قائمة علاوي، أي صالح المطلك، للتحالف معه مقابل إغراءات سلطوية كبيرة، غير أن المطلك فضل إفشال هذا المسعى بإثارة فضيحة سياسية من الوزن الثقيل للمالكي والمشهداني معاً، دفاعاً عن شريكه علاوي. بعدها، حدث تطور آخر كان كفيلاً بتدمير تلك المقاربات ألا وهو إيقاف قائمة علاوي الحوارات والمفاوضات بعد القرار القضائي بقبول الطعن الذي تقدمت به قائمة «دولة القانون».
بعد صدور القرار القضائي المذكور ثارت ثائرة علاوي، وشنَّ هو وعدد من مساعديه حملة ضارية ضد قائمة «دولة القانون» وضد المالكي شخصياً، بلغت درجة النيل الشخصي والأدبي منه، وذلك حين عَيَّرهُ الناطق الرسمي باسم قائمة علاوي حيدر الملا بأنه لولا ما سماها «الإرادة الدولية»، وهذا هو الاسم الرسمي، كما يبدو، للاحتلال في قاموس قائمة علاوي، لظل في حارات دمشق ولم يصل إلى منصب رئاسة الوزراء!
لا يمكن، بأي حال من الأحوال، ومن منطلقات وطنية وديموقراطية، الدفاع عن نكوص المالكي إلى التحالفات الطائفية السياسية، ودخوله في تكتل جديد مع قائمة الحكيم وأحزابها التي تناوئ توجهاته الضد طائفية، وتتحالف علناً مع إيران وتسكت سكوتاً مبرماً على تحدياتها وأطماعها في العراق، بل إن بعض مكوّنات هذه القائمة تعاديه صراحة لأنه استهدف مليشياتها وقضى عليها. غير أن هناك طرفاً آخر ساهم إلى هذا الحد أو ذاك، وعبر العديد من الأخطاء التي ارتكبها، في دفع قائمة المالكي إلى أحضان قائمة الحكيم وحلفائه الإيرانيين، وهذا الطرف هو علاوي وقائمته كما أسلفنا.
ولكن ليس من قبيل التبرير القول إن المالكي وجد نفسه محاصراً وهدفاً لحملة سياسية وأمنية ضارية بلغت، كما زعم المالكي نفسه، درجة التهديد بقصف مقره في المنطقة الخضراء بالصواريخ، والدعوة للتدخل الخارجي وفق الفصل السابع وتقديم إغراءات سياسية مقابل التراجع عن الطعن في نتائج الانتخابات. وقد تصح مزاعم المالكي وقد لا تصح، ولكن الحملة الإعلامية التي رافقت هذه التطورات، والتي كان الرأي العام شاهداً عليها، تمنح هذا الاستنتاج بخصوص مسؤولية علاوي وقائمته عما آلت إليه الأمور صدقية وقوة إضافيتين، فقد شنت وسائل الإعلام الموالية لقائمة علاوي حرباً نفسية شرسة ضد المالكي وحكومته، حتى أنها لجأت لاستعمال أشرطة فيديو سجلت قبل سنوات عدة لمجموعة من رجال الشرطة يعتدون بالضرب على جثة انتحاري من دولة عربية قُتِلَ قبل تفجير سيارته المفخخة في حي شعبي بغدادي، وزعمت أنها حدثت قبل بضعة أيام لمعتقل عراقي بريء. إضافة إلى الكثير من التحريض الطائفي والحزبي والتهديدات بعقد محاكمات خاصة لسياسيين ورجال دين شاركوا في حكومتي المالكي وسلفه الجعفري.
إن من الصعب توقع المآل الذي ستصب فيه التطورات الجارية الآن. فالوضع السياسي العراقي هش ومائع، والمؤسسات السياسية والدستورية هشة هي الأخرى، وتلك هي نتائج مخطط المتاهة التي لا أفق لها الذي أعدَّهُ الاحتلال.
ومع ذلك، ثمة بصيص صغير من الضوء في ظلام المتاهة قد يعبر عنه ما تسرب عن شروط وضعها التيار الصدري، لا علاقة لها بموقفه الشخصاني المناوئ للمالكي بل ببرنامج الحكومة المقبلة التي اشترط الصدري على برنامجها، أن يتضمن اعترافاً صريحاً بالمقاومة ضد الاحتلال ورفضاً مسبقاً لأي محاولة لتمديد بقاء قواته أو طلب المساعدة منها. هذان الشرطان الحاسمان سيجعلان الصدريين يصطدمون بقوى داخل قائمة الحكيم، وخصوصاً حزب المجلس الأعلى، تؤيد تمديد بقاء قوات الاحتلال، وهي شروط تلقى هوىً وتأييداً قوياً لدى بعض القوى داخل قائمة «العراقية» باستثناء حزب علاوي «الوفاق» الذي يؤيد هو الآخر تمديد بقاء تلك القوات. فإذا ما أضفنا إلى هاتين القوتين القوى المضادة للطائفية والرافضة لتمديد بقاء الاحتلال داخل قائمة «دولة القانون»... فهل ستحدث المعجزة ويشع بصيص الضوء في ظلمة المتاهة؟

* كاتب عراقي