ألان غريش *كان إيرفي دو شاريت وزيراً للخارجية في 1995ـــــ1996 حين كان جاك شيراك رئيساً للجمهورية وألان جوبيه رئيساً للوزراء. وقد لعب دوراً فعالاً وإيجابياً إبان الاعتداء الإسرائيلي على جنوب لبنان في ربيع 1996 (كان رئيس الوزراء الإسرائيلي وقتها شيمون بيريز). بعدما أوفده الرئيس، بقي دو شاريت في المنطقة حوالى أسبوعين، واستطاع رغم الممانعة الأميركية والإسرائيلية التوصل إلى وجود مجموعة مراقبة لوقف إطلاق النار التي اشترك فيها كلّ من سوريا، إسرائيل، لبنان، الولايات المتحدة وفرنسا.
ترك إيرفي دو شاريت، وهو اليوم نائب، حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» وانضم إلى حزب «الوسط الجديد». في 24 آذار 2010، خلال الأسئلة الموجهة إلى الحكومة في البرلمان، كانت مداخلته عن المسألة الفلسطينية هي الآتية: «السيد وزير الخارجية، قل لنا إلى متى ستبقى أوروبا ومعها فرنسا تساند دون ردة فعل السياسة الرجعية للحكومة الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني (تصفيق من مجموعة «اليسار الديموقراطي الجمهوري»). تقرر الحكومة الإسرائيلية بناء 1600 وحدة سكنية جديدة في القسم العربي من القدس، التي تحتلها إسرائيل منذ أربعين عاماً دون أي حق. ماذا تفعل أوروبا؟ لا شيء»...
«شعب غزة التعيس محتجز في سجن كبير تحت السماء حيث تركت ملايين العائلات للبؤس، بين الدمار الذي تركته الحرب التي شنها الجيش الإسرائيلي. ماذا تفعل أوروبا؟ لا شيء».
«يستمر الاستعمار دون كلل في الضفة الغربية. ماذا تقول أوروبا؟ لا شيء. يُحتجز ملايين الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية دون أحكام وحق بذلك. ماذا تقول أوروبا؟ لا شيء. دائماً لا شيء».
«سيدي الوزير، الاستفزازات الأخيرة لرئيس الوزراء الإسرائيلي، نيّته المتعمدة بتحويل أي مفاوضات مع المسؤولين الفلسطينيين إلى عملية مستحيلة، وصلت إلى مستوى لم نعرفه من دون شك في الماضي. كلنا هنا، نرغب بأن يكون لإسرائيل مستقبل يعم فيه السلام، الأمن والازدهار، لكن نحن كثر في رفض التضحية بالشعب الفلسطيني أمام تعصب الحكومة الإسرائيلية وعماها اليوم».
«لست أتوجه فقط إلى وزارة الخارجية، بل أيضاً للدكتور كوشنير الذي اهتم دائماً بحقوق الإنسان في العالم (صيحات). أرجوك اسمع نداء فلسطين، التي منذ سنوات، تعيش ظلم التاريخ (تصفيق)».
إجابة وزير الخارجية برنار كوشنير مدهشة:
من غير المسموح لمواطنين فرنسيين يقضون خدمتهم العسكرية في إسرائيل، أن يمارسوا مهماتهم في الأراضي المحتلة
«سيد دو شاريت، لقد استمعت جيداً إلى خطابك البليغ. اسمح لي أن أعتبره مبالغاً به. (اعتراضات مجموعة «اشتراكي، راديكالي ومواطن»). لا تقترح أفعالاً أكثر مما تنتقد الجمود. اسمح لي أن أقول لك إنّنا متفقان، للأسف، على كلّ النقاط التي أثرتها، في ما يتعلق باستمرار الاستيطان أو الوضع الذي لا يحتمل في غزة، لكن لا يمكنك القول إنّ أوروبا لا تفعل شيئاً».
«ماذا يمكننا فعله أكثر من كوننا، في كلّ الأيام، ليس فقط نستنكر لكن نقترح أيضاً. لقد وضعنا، منذ مؤتمر باريس، مع رئيس الوزراء الفلسطيني، سلام فياض، مشاريع تتابَع يوماً بعد آخر. تغيّر الوضع في الضفة الغربية، رغم أنّه يبقى صعباً جداً. الوضع لا يتغيّر في غزة، ونحن نستنكر ذلك. لقد قال رئيس الجمهورية الكلمات نفسها في الكنيست ورام الله: لم نوافق أبداً على ضم القدس الشرقية، لم نوافق قط على استمرار الاستيطان، لقد استنكرنا بشدة بناء 1200 وحدة سكنية أعلن عنها خلال زيارة نائب الرئيس الأميركي جو بايدن».
«نحن نكمل جهودنا، ونحاول أن نكون موجودين على الأرض. ماذا يمكننا أن نفعل أكثر من ذلك، قل لي؟».
رولان موزو (نائب شيوعي): «تصرفوا وفق اتفاقات التعاون!».
برنار كوشنير، وزير الخارجية: «هل لديك فكرة عما يمكننا أن نواجهه من أجل أن نكون فعالين؟ ليس لدينا الكثير، ولذلك نقوم، مع أوروبا، بالكثير من الأشياء. لا تكن ظالماً».
باستثناء التصريحات، لا يبدو أنّ الحكومة الفرنسية لا تفعل شيئاً وحسب، لكنّها تطور أيضاً العلاقات الثنائية مع إسرائيل على مختلف الصعد، بمعزل عما يحصل في الأراضي المحتلة، حتى دون الحصول على أدنى امتنان من تل أبيب (يرجى قراءة «تل أبيب تدوس حلفاءها» في الموند ديبلوماتيك، نيسان 2010). إذاً، كما يقترح النائب رولان موزو، يمكن الحكومة الفرنسية أن تطلب تعليق اتفاق التعاون الذي يربط إسرائيل بالاتحاد الأوروبي. الانتهاكات المتكررة لحقوق الإنسان في فلسطين هي دافع كاف، كما توفره المادة الثانية من الاتفاق (يرجى قراءة «تردد الاتحاد الأوروبي تجاه إسرائيل» لإيزابيل أفران في «لا فاليز ديبلوماتيك»، الخميس 25 حزيران 2009).
بما أنّه يبدو أنّ السيد برنار كوشنير تنقصه الأفكار، نعرض عليه في ما يلي ثلاثاً منها، تبرهن أنّ فرنسا ترفض في الواقع الاستيطان الذي يعتبر خرقاً للقانون الدولي ويستحق بالتالي رداً عليه.
بداية، مع الامتثال لقانون الاتحاد الأوروبي وقراراته، يمكن إطلاق حملة تلاحق مصادر المنتجات الإسرائيلية المصدرة إلى فرنسا ومنع (وليس فقط فرض ضرائب على) تلك الآتية من المستوطنات.
ثم، التأكيد أنّ توطين المستوطين في الأراضي المحتلة غير مقبول ويجب بالتالي على هؤلاء طلب تأشيرة
إن أرادوا التوجه إلى فرنسا، وهذا إجراء سهل التنفيذ انطلاقاً من عناوين الأشخاص الذين يرغبون بزيارة بلدنا.
أخيراً، الإعلان أنّه من غير المسموح لمواطنين فرنسيين يقضون خدمتهم العسكرية في إسرائيل، أن يمارسوا مهماتهم في الأراضي المحتلة. مشاركتهم في أعمال جيش محتل قد ترتب ملاحقات قضائية.
هذه الإجراءات الثلاثة تبرهن للحكومة الإسرائيلية، كما للشعب الإسرائيلي، أنّ للاستيطان ثمناً...
* مدير تحرير «لوموند ديبلوماتيك»