strong>نزار صاغيّة *لمحبي لعبة الـPING PONG أن ينتبهوا: فالأمن العام بات من هواة هذه اللعبة، بل من محترفيها. فمنذ بدء تقديم الدعاوى ضده للإفراج عن الأجانب (اللاجئين) المعتقلين تعسفاً، بدا كأنه يتعامل معها كطابات وأنه يخصص بعض طاقاته لردها، ولو خلافاً لقواعد اللعبة. وما يزيد اللعبة وهجاً هو أن السلطة السياسية تلزم عموماً حتى اللحظة دور المتفرج مراعاة لحساسية الأمن العام، باستثناء الكتب التي وجهها وزير الداخلية للأمن العام بتنفيذ قرار الإفراج عن يسرى العامري، والاجتماع الذي عقدته لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب. كان بالطبع للأمر أن يكون مسلياً للغاية، لولا أن الرهان يتصل بالحرية الشخصية للاجئين بؤساء يقبعون تعسفاً، منذ أشهر وأحياناً منذ سنوات، محرومين من الشمس، بل أيضاً، بالنسبة لمن يحبسون في نظارة الأمن العام، من الهواء (الأوكسيجين)

يسعى هذا المقال إلى توثيق الجولات التي فرضها الأمن العام في قضايا تتعلق بالإفراج عن أجانب معتقلين تعسّفاً، مسبباً بذلك مأساة عدد من اللاجئين العراقيين الذين يعاملون وكأنهم غير معنيين بحقوق الإنسان، وكأنهم تالياً ليسوا بشراً. والهدف من المقال ليس الإساءة إلى أي مؤسسة أو جهاز (كما قد يفسر البعض)، بل الدعوة إلى اعتماد ضوابط قانونية ومؤسساتية تضمن لكل إنسان ـــــ مهما كان أصله أو جنسيته أو جنسه أو انتماؤه ـــــ معاملة تليق به كإنسان ضمن المعايير التي بات متعارفاً عليها دولياً، ودون التفريط بأي من اعتبارات الأمن. فمهما كان الأمن العام فعالاً في أداء مهماته في ضبط الحدود أو في أي أعمال أمنية أخرى، ثمة حاجة ماسة لأمور ثلاثة:
أولاً، إعادة التفكير في بعض صلاحياته المتصلة في قضايا اجتماعية لا صلة لها بالاعتبارات الأمنية، وعلى رأسها قضايا «اللجوء» و«الفنانات» اللواتي يخضعن لقواعد صارمة تشمل كل دقيقة من أيامهن (متى يرقصن، متى يتنزهن وبمعية من؟ متى ينمن، متى يرتحن إلخ...) وبيوت الأمان المخصصة للنساء المعرّضات للمتاجرة و«الرقابة المسبقة على الأعمال المسرحية والسينما» إلخ... وهذا الأمر يهدف إلى حث السلطة السياسية على تحمل مسؤولياتها في قضايا مماثلة، أكثر مما يهدف إلى نقد الأمن العام الذي ربما هو أول هذه الضحايا الخارجة عن اختصاصه.
ثانياً، وضع ضوابط تشريعية لعمله، ليس من باب تحجيمه، بل على العكس تماماً، من باب تحصينه إزاء سوء استعمال السلطة المنوطة به، فلا تسيء التجاوزات الحاصلة في سياق ممارسة عمله إلى دوره الأساسي ومشروعية هذا الدور في ضبط الحدود، كما يستشف من الانتقادات الموجهة إليه حالياً من منظمات حقوقية عدة!
ثالثاً، وهذا هو الأمر الأهم، وهو ما ذكّرت به القرارات القضائية الصادرة أخيراً، إخضاعه كأي جهاز، للرقابة القضائية، ولا سيما في المسائل المتصلة بالحريات العامة والحقوق الأساسية، ولكن أيضاً للرقابة الوزارية والبرلمانية. فعلى الرغم من الخطوات التي اتخذها بعض ممثلي السلطتين التنفيذية (وزير الداخلية بتوجيه كتب للإفراج عن يسرى العامري) والتشريعية (اجتماع حواري لدى اللجنة النيابية لحقوق الإنسان)، فإن هذه الخطوات تبقى غير كافية عند قياسها ببشاعة الممارسة المتمثلة بالتوقيف التعسفي لآماد غير محددة.
ويؤمل أن يفضي قرار مجلس الوزراء في 14/4/2010، أي بعد حوالى أربعة أشهر من حكم يسرى العامري، إلى إنشاء لجنة برئاسة دولة رئيس مجلس الوزراء وعضوية وزراء الداخلية والخارجية والعدل والعمل والشؤون الاجتماعية، تعنى بدراسة سبل حل مشكلة الأجانب المنتهية محكوميتهم تشريعياً وتنظيمياً وإجرائياً، بداية لتحمل السلطات السياسية مسؤولياتها جدياً في هذا الإطار، وتالياً لوضع حد للتوقيف التعسفي، وليس تأمين مجرد غطاء لممارسات الأمن العام.
والآن وقد بيّنت تفصيلياً أهداف هذا المقال، وهي ربما تتطلب تحرير مقالات أخرى، حان أن نعود إلى أجواء الـPING PONG:

الجولة الأولى: دعاوى الاحتجاز التعسّفي وهكذا، فرضت الدعاوى منذ بدء تقديمها سؤالاً فائق الأهمية: «إلى أي مدى بمقدور القضاء ممارسة دور مماثل، أي التصرف باستقلالية عن السلطة، إلى درجة وصف تصرفاتها بالتعدي تمهيداً لإلزامها بوضع حد فوري لها؟» وهو سؤال يضع على المحك بطبيعة الحال مسألة استقلالية القضاء. وما يزيد هذا السؤال إلحاحاً هو فداحة الاعتداء موضوع الدعوى: فعدا أن الاحتجاز تعسفي، فإن مدته تجاوزت حدود المعقول وبلغت أشهراً بل سنوات كما سبق بيانه، ولآماد غير معلومة وفي أماكن مظلمة ينخفض فيها منسوب الأوكسيجين بدرجة مقلقة.
في بدء هذه الجولة، بدت الإدارة وكأنها لا تصدق أن بإمكان اللاجئ أن ينتزع حكماً ضدها، تماماً كأي بطل (CHAMPION) في كرة الطاولة يستصغر خصمه، ويعتقد أن طابات الخصم ستنتهي حكماً في الشباك. وتالياً، لا بأس أن تستغرق الإدارة، التي يفترض بها أن تكون خصماً شريفاً، فترة طويلة لصياغة جواب، وكأن المهل القضائية، وهي تؤدي هنا إلى إطالة أمد الاحتجاز، لا تعنيها. وإذ أجابت الإدارة بعد ما يقارب شهرين بناءً على إصرار القاضي بالاستماع إليها، فقد تجنبت التعمق في التحليل أو حتى إعطاء أجوبة مدروسة أو متناسقة. وهكذا، اكتفت الدولة بتأييد مطالعة الأمن العام، المحالة إليها من وزارة الداخلية، التي تضمّنت مواقف متضاربة: فالأمن العام لم يتخذ أي قرار باحتجاز هؤلاء، بل جل ما في الأمر هو أنه ليس لهؤلاء الناس حق إقامة في لبنان، مما يسوّغ توقيفهم، وأن لا وجود تالياً لأي تعد.
وبكلام آخر، وإزاء الدعوى المقدمة على أساس أن الاحتجاز تعسفي كونه مجرداً من أي سند قانوني، جاء جواب الدولة بأن الإفراج غير ممكن لأنه ليس للأشخاص المذكورين أي حق بالإقامة في لبنان.
وبذلك، عمدت الدولة، ليس إلى رد الطابة، بل إلى قلب الطاولة رأساً على عقب.
تتصرف الدولة وكأنه لا «يحظر احتجاز أي إنسان إلا بسند قانوني»، بل «يحظر الإفراج عن أي إنسان إلا بسند قانوني»
فالمبدأ، حسب مطالعتها، ليس أنه «يحظر احتجاز أي إنسان إلا بسند قانوني» (مادة 8 من الدستور)، مما يوجب عليها الإعلان عن إسنادها عند توقيف أي شخص، بل أنه «يحظر الإفراج عن أي إنسان إلا بسند قانوني»، مما يفرض على اللاجئ الموقوف إعطاء أسناد إقامته في لبنان تحت طائلة رد دعواه! وبالطبع، وفق المبدأ الأول، يكون القاضي هو صاحب الصلاحية ما دام القانون أناط به وحده حق احتجاز الحرية، وفي الوقت نفسه ضمان احترامها. أما في حال الأخذ بالمبدأ الثاني، فتصبح الإدارة، وخاصة الأمن العام، هي صاحب الصلاحية ما دامت هي المرجع لمنح التأشيرات وبطاقات الإقامة، ويكون لها إذ ذاك حق إبقاء الإنسان غير الحائز بطاقة مماثلة قيد الاحتجاز، إلى ما شاء الله (تماماً كما تفعل حالياً).
وأبعد من ذلك، إذا مضينا قدماً في هذا المنطق، يتمتع بحقوق الإنسان المحمية قانوناً ليس الإنسان لذاتيته الإنسانية بل الشخص الحائز بطاقة إقامة يكون للأمن العام وحده حق منحها.
وهكذا لم تعد الدعوى المقدمة ضد الدولة، وتحديداً ضد الأمن العام، وفق خطاب هذا الأخير، سبباً لتقويم ممارساته على ضوء حقوق الإنسان أو لمراجعة الذات، بل على العكس تماماً، مناسبة للمطالبة بقلب أسس المنظومة القانونية رأساً على عقب، في سبيل إعلاء شأن الأمن العام وتوكيد صلاحياته على حساب القضاء والطبيعة الإنسانية، وسبباً لتكريس دوره في تحديد الأشخاص الذين بإمكانهم التمتع بحقوق الإنسان أو المطالبة بالتمتع بها.
وقد جاء الحكم القضائي الصادر في 11/12/2009 عن قاضية الأمور المستعجلة في زحلة سينتيا قصارجي ليأمر بإعادة الطاولة إلى ما كانت عليه: فبعدما تثبتت من انعدام أي سند للاحتجاز، أعلنت أن الدولة هي في موقع المعتدي على حرية السيدة يسرى العامري، وألزمت الدولة بالإفراج الفوري عنها.
وإزاء ذلك، حاولت الإدارة مجدداً إعادة قلب الطاولة عن طريق أمرين:
الأول، الالتفاف على حكم الإفراج بنقل العامري إلى أحد مراكز كاريتاس لتبقى هنالك مقيدة الحرية. لكن هذه المحاولة باءت بالفشل، بفعل تدخل الإعلام والجمعيات ولكن أيضاً بفعل بدء القاضي نديم زوين تحقيقاته في هذا المجال، بناءً على طلب أمر على عريضة بكف يد أي كان عن السيدة العامري، تنفيذاً للحكم القضائي.
والأمر الثاني، الطعن بكفاءة القاضية قصارجي، حسبما نقل على لسان المدير العام للأمن العام (بيسان طي وعمر نشابة، الأخبار، 16/1/2010). وهنا جاء الرد في منتهى البلاغة، عن طريق أحكام ثلاثة أصدرتها قاضية الأمور المستعجلة في جديدة المتن ميراي حداد في 28/1/2010، فى قضايا مماثلة، بإلزام الدولة هنا أيضاً بوضع حد للتعدي الخطير على حرية ثلاثة لاجئين عراقيين آخرين (فزاع اليوسف، الربيعي والهاشم).
وهكذا، تيقنت الدولة، وخاصة الأمن العام، أن قلب الطاولة لم يعد ممكناً، وأن ثمة حَكماً يدير لعبة PING PONG وأنه لا بد من رد الطابات ضمن الخطوط التي رسمها هذا الحكم. وإذ حاولت كسب بعض الوقت في إرجاء تنفيذ الأحكام الثلاثة الباقية، عن طريق الإيعاز لهيئة القضايا بطريقة أو بأخرى برفض تبلغها رسمياً (وهكذا، نقلت الصحف كلها مراراً خبر إصدار أحكام بالإفراج عن هؤلاء، كما تبلغت الدولة أوراق الدولة بواسطة دائرة المباشرين منذ 1/2/2010 من دون أن توقع رسمياً وثائق التبليغ حتى اللحظة)، فإن الأحداث اللاحقة بيّنت أن الأمن العام استغل هذه الفترة لفرض جولات جديدة تمنع اللاجئين المحتجزين لديه، بمن فيهم الذين فازوا بأحكام بالإفراج عنهم، من نيل حريتهم، دون الوقوع تحت وطأة اتهام الاحتجاز التعسفي. وهذا ما نقلنا بسرعة فائقة إلى الجولة الثانية: إجراءات الترحيل القسري أو ربما الرضائي تحت وطأة الاحتجاز التعسفي.

الجولة الثانية: إجراءات الترحيل القسري للاجئينففي ظل تأخر مفوضية الأمم المتحدة عن إيجاد موطن دائم لهؤلاء اللاجئين، من واجب الأمن العام أن يتحرك، أن يرحّل. وهكذا، يظهر الأمن العام مظهر حامي الأمن ضد تدفق اللاجئين العراقيين (أشباه اللاجئين الفلسطينيين) بعدما أظهره الإعلام في قضية العامري «سجّاناً» خارجاً عن القانون، في مواجهة القضاء حامي الحريات. كما يظهر كل الذين طالبوا بوقف الاحتجاز التعسفي للاجئين مسؤولين عن الترحيل، كأنما خيار هؤلاء أمر من أمرين: الاحتجاز لأمد غير معلوم أو الترحيل. ولمن يتجرأ بالمطالبة بوقف الأول، أن يجابه الثاني! وبلغة الـPING PONG، إنها بلا شك ضربة معلم! برافو الأمن العام! برافو وزارة الداخلية!
وبالطبع، لا بأس لتحقيق هذه النتيجة التي فرضتها الأحداث أن نضع جانباً المادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (التي تقر بحق كل إنسان باللجوء إلى بلد آمن) والأعراف الدولية، ولكن أيضاً المادة 3 من معاهدة مناهضة التعذيب التي تعهد بموجبها لبنان بعدم ترحيل أي شخص إلى دولة معينة إذا توافرت لديه أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد أنه سيكون في خطر التعرض لانتهاك خطير لحقوقه، وأيضاً مجمل الاجتهادات القضائية التي استبعدت صراحة عقوبة الترحيل على أساس هذه النصوص بل أيضاً على أساس الحق الطبيعي باللجوء المستمد من الحق المقدس للإنسان في عدم الاستسلام للموت أو الخطر وحقه في العيش والسلامة في قضايا اللاجئين الذين دخلوا إلى لبنان خلسة (ومنهم فوزي خميس وزياد مكنا ويحيى غبورة وكمال نصار، ورمزي فرحات..). لا بأس من نقض كل ما أعلنته أو التزمت به الإدارة سابقاً. فكل شيء يهون في سبيل إعادة تحسين صورة هذه الإدارة.
ولا مناص تالياً من ترحيل اللاجئ قسراً في حال رفضه، أو أيضاً الضغط على اللاجئ لانتزاع توقيعه على الترحيل تحت وطأة الاحتجاز التعسفي دون أي أفق. واللافت أن الإدارة حاولت أن تبرر هذه الخطوات باحترام القرارات القضائية القاضية بترحيل بعض من دخلوا خلسة إلى لبنان، في موقف ينم عن تذاك واضح في مواجهة كل الذين عابوا على الأمن العام «تمرده» السابق على القضاء.
فإذا اصطدمت الإدارة بحالات عدة، لم يصدر ضدهم أي قرار قضائي بالترحيل، فإنها عمدت إلى اتخاذ قرارات إدارية بالترحيل، على أساس المادة 17 من قانون الأجانب التي تجيز للمدير العام للأمن العام ترحيل بعض اللاجئين، فقط إذا مثّلت إقامتهم في لبنان خطراً على السلامة العامة في لبنان. وقد فعلت ذلك بالطبع، دون أن يكون في ملفاتهم أي دليل من أي نوع على مسّهم بالسلامة العامة.
رفع شعار أن لبنان ليس بلد لجوء يضع اللاجئين أمام خيارين: إما الاحتجاز لأمد غير معلوم أو الترحيل
بل إن الإدارة ذهبت أبعد من ذلك لغاية استعادة كامل تألقها لدى الرأي العام: فأعلنت أن أحد اللاجئين المقرر ترحيلهم إنما هو محكوم عليه بجرم شائن (التحرش بقاصر)، بل نشرت على موقعها الإلكتروني قواعد خاصة بترحيل الأجانب المحكومين بـ«جرم شائن». وكأنها بذلك تستميل الغرائز «الحية»: «ماذا؟ أتعيبون علينا التوقيف التعسفي؟ أتريدون أن نفلت هذا اللاجئ الذي تحرّش بقاصر، بين أبنائكم؟ ألم نصب حين أوقفناه، ولو تعسفاً؟ أولسنا مصيبين اليوم بترحيله؟» وبالطبع، في ظل خطاب مماثل، أوحى الأمن العام ضمناً بأن جميع الموقوفين تعسفاً هم أشباه لهذا اللاجئ. هذا مع العلم أن احتجاز هذا اللاجئ بالذات تعسفاً قد بلغ فترة قياسية تجاوزت السنتين ونصف سنة، وأن عقوبته كانت شهري حبس على أساس أنه داعب امرأة لها 16 سنة بمناسبة رسم وشم في مكان حساس. وقد جاء الرد على طابة الإدارة، ليس فقط من ناشطي حقوق الإنسان والإعلام، بل من جهة غير متوقعة هي كابتن الطيارة العراقية الذي رفض إركاب اللاجئ فيها خلافاً لإرادته (8 آذار 2010). وهذا ما حمل ربما الأمن العام على تنفيذ آخر قرارات الترحيل عن طريق البرّ (31 آذار 2010).
ورغم الهامش الواسع للإدارة في فرض قرارات ترحيل اللاجئين عند تأمين نفقاته، فإن الإدارة تعي تماماً أن ثمة عوائق دولية تحول دون تعميم سياستها في هذا المجال، ولا سيما في ظل نشاط دؤوب لجميعات حقوق الإنسان في توثيق الحالات. وهذا ما حمل الأمن العام على ابتداع الجولة الثالثة، بهدف ضمان استمرار الاحتجاز بعد تشريعه.
الجولة الثالثة: استصدار مذكرات قضائية بالتوقيف في دعاوى رفض المغادرة
بدأت هذه الجولة مباشرة بعد رفض كابتن الطائرة العراقية إركاب أحد اللاجئين قسراً.
وهكذا، وفي غضون أقل من 24 ساعة، ادُّعي عليه بجرم رفض القرار الإداري بالترحيل، وذلك سنداً للمادة 89 من قانون العقوبات التي تنص على عقوبة تتراوح بين شهرين وستة أشهر حبساً. وقد أعاد الأمن العام الكرة في أواخر آذار بحيث حوّل قرابة 13 لاجئاً عراقياً إلى النيابة العامة (بمن فيهم اثنان حكم القضاء المستعجل بالإفراج عنهم)، على خلفية رفضهم اللفظي للمغادرة التي قررها الأمن العام. وهذه الإحالة الجماعية، الحاصلة للمرة الأولى، في هذا الوقت بالذات وتبعاً لما يشبه الفتوى الجماعية، إنما تظهر مدى إصرار الأمن العام على إبقاء الاحتجاز قائماً، مع السعي إلى التخلص من وصمة الاحتجاز التعسفي.
وقد جاء حكم القاضي المنفرد الجزائي في بيروت غسان الخوري معبراً في قضية أحد اللاجئين، إذ قرر وقف التعقبات، على أساس أنه لا يمكن الاعتداد برفض المغادرة، وضمناً بقبولها، في الحالات التي يكون فيها الشخص المعني قيد الاحتجاز التعسفي (سنتين ونصف سنة في الحالة المذكورة). وهو بذلك أعاد ربط مسألة الترحيل بمبرره الحقيقي الذي هو إخفاء التوقيف التعسفي!
والأمل أن تؤدي محاكمة سائر اللاجئين المحالين على هذا الأساس إلى نتائج مماثلة. عندئذ، قد تنتهي لعبة الـPING PONG ليبدأ العمل الجاد لإيجاد التوازن الأنسب بين صون المصلحة العامة، ومراعاة حقوق الناس. الأمل بدور القضاء كبير: فكما فرضت أحكامه إنشاء اللجنة الوزارية (14/4/2010) لإيجاد حلول تشريعية وإدارية لهذه المسألة الشائكة، لعلّ أعماله تسهم في تصويب أعمال اللجنة نفسها، في اتجاه إنهاء ممارسة الاحتجاز التعسفي في لبنان.
* محامٍ وباحث في القانون