خالد صاغيةذات يوم، حزم الوزير محمّد شطح أمتعته واتّجه صوب البقاع يبحث عن كنز عثمانيّ مفقود، قيل إنّه يحوي أطناناً من الذهب. الرحلة كانت برعاية رئيس الحكومة آنذاك، فؤاد عبد الباسط السنيورة، وبمؤازرة القوى الأمنيّة. شاءت الصدف أن تحدّد الخرائط المزعومة مكان الكنز داخل مقام دينيّ. احتجّ الأهالي ورجال الدين على إجراء عمليّات حفر في ذلك المكان. تدخّلت مراجع عليا. استمرّ الحفر يوماً ثانياً، ثمّ توقّف كلّ شيء. طار الكنز، وطارت أحلام السنيورة وشطح. هكذا انتهت مغامرة وزير قرّر في لحظة مراهقة التحوّل إلى «سارق آثار».
اليوم، ثمّة من يبحث عن وسيلة سهلة، تماماً كالعثور على كنز، من أجل الحصول على أموال للدولة. ما من «خبير» أردنيّ هذه المرّة، يدّعي امتلاك وثائق عثمانيّة. لكن، هناك خبراء لبنانيّون يدّعون امتلاك معرفة علميّة وتوجّهات اقتصاديّة حياديّة، تسهّل الوصول إلى المال المطلوب. وفي الحالتين، نحن أمام أعمال سرقة ونهب.
فالمضيّ في السياسات الاقتصادية والاجتماعية نفسها، وهو ما يسمّيه البعض «وفاءً لروح الشهيد» ويسمّيه آخرون لعبة السوق الحرّة، ليس إلا استمراراً لتدخّل الدولة الفظّ في الدورة الاقتصاديّة، من أجل فرض إعادة توزيع للدخل من جيوب الفقراء إلى جيوب الأغنياء.
والواقع أنّ الدول حين تتدخّل لتوزّع التقديمات للعامّة، فإنّها تفعل ذلك تعويضاً لهم عن اعتماد اقتصاد السوق الذي لا يكفل حمايةً إلا لأصحاب رؤوس الأموال. ولهذا السبب، وُجدت الضرائب أصلاً. أمّا حين تتدخّل الدولة بطريقة معكوسة، فهي، ببساطة، تمارس نهباً لا تستطيع آليات السوق وحدها تحقيقه. إنّه نهب عن سابق تصوّر وتصميم. وهو خيار غير ديموقراطي تتّخذه السلطة السياسية ضدّ أكثريّة شعبها. خيار تعلن فيه السلطة علناً خدمتها لمصالح فئات محدودة، وقلّة اكتراثها بمصالح الأكثرية من الناخبين.
منذ نهاية الحرب الأهليّة، والمواطن اللبناني يتعرّض للسرقة. لقد تمكّن من الهرب من رصاصة القنّاص، فوقع في شرك ثلّة من اللصوص. كلّ زيادة على ضريبة القيمة المضافة، كلّ زيادة على سعر صفيحة البنزين، كلّ تقاعس عن إقرار سلّم تصاعديّ للضرائب، ليس إلا انخراطاً في عمليّة نهب منظّم يقودها وزراء الحكومة مجتمعين. فهل يتحوّل مجلس الوزراء، بعد إقرار الموازنة، إلى وكر للّصوص؟ ما زالت هناك فرصة لإثبات العكس.