سماح إدريس *الأصدقاء والزملاء والرفاق،
باسم دار الآداب، أقولُ لكم: أهلاً بكم في دار الحرية.
لقد حكمت المحكمة بأننا مارسْنا القدحَ والذمَّ في حقّ مستشار السلطان. لكنّ الثقافة كانت قد حَكمتْ قبل المحكمة، وستحْكم بعدَ المحكمة، بأنّ التقاعسَ عن خوضِ معارك الحرية والاستقلال هو الذمُّ بعينِه وهو القدحُ بعينه: ذمٌّ بدور المثقفِ الملتزم، وقدحٌ بدور الثقافة الوطنية.
لذا، فقد قررنا، باسمكم، أن نستأنفَ الحكم، لأننا قررنا باسمكُم أيضاً أن نواصلَ المعركة: معركةََ المقاومة العربية ضدّ الاحتلال الأميركي للعراق، ومعركةَ اليسار الثوريّ ضدّ اليسار الزائف الذي تحوّل إلى برغيٍّ صغير في آلة الاحتلال، ومعركة الثقافة المستقلة في وجه ثقافة المال والنفط والسلطة وكمّ الأفواه.
أيها المثقفون،
فخري كريم لم يرفعْ أيّةَ دعوى على أيٍّ من منتقديه في أوروبا، وهم بالعشرات، بل اختار لبنان لأنّ بلدَنا ليس نصيراً للحريّة
قانونُ المطبوعات عارٌ عليكم. وقانونُ المطبوعات عارٌ على هذا البلد الذي يتباهى بأنه بلدُ الحرية والإشعاع الثقافي. لكنّ هذا التباهي تبجّحٌ فارغٌ أحياناً، ويا للأسف. والدليل؟ الدليلُ هو أنّ السيد فخري كريم لم يرفعْ أيّةَ دعوى على أيٍّ من منتقديه في أوروبا، وهم بالعشرات، لأنهم يعيشون في النروج والسويد وفرنسا والنمسا وبريطانيا على سبيل المثال لا الحصر.
السيد مستشارُ الرئيس تحت الاحتلال، والرئيس بفضل الاحتلال، اختار بلدَكم، أيها اللبنانيون، لأنّ بلدَكم، خلافًا لما نسمع، ليس نصيراً للحريّة!
قانونُ المطبوعات، أيها الزملاء، سيفٌ مُصلَت على أقلامكم. فهو لا يكتفي بمنعكم من قول ما تؤمنون به، وإن استندتم إلى مصادرَ ومراجعَ لا تُحصى، بل يمنعُكم من إثباتِ ذلك أيضاً.
لقد قرّرت «الآداب» منذ تأسيسها ألّا تكونَ ضحيةَ قانون المطبوعات، بل أن تكونَ جنديّاً في معركة تعديله. لهذا، فنحن لم نخسرْ ولن نخسرَ، لأنّنا نعملُ بهدْي من كلماتِ الشهيد مهدي عامل التي ستبقى ترنُّ في آذانِنا إلى الأبد: «لسنا مهزومين ما دمنا نقاوم»!
أيّها الزملاء والرفاق،
كان بإمكان مستشار السلطان أن يردَّ علينا، وكنا سننشر ردَّه بالتأكيد. بل إنه حين رفع الدعوى عمدْنا فوراً إلى نشرها، كما هي، بكلّ أخطائها الطباعية وغير الطباعية، ونشرْنا أيضاً ثماني عشرة مقالةً تنضح بمديحه، وتشتمنا بنعوت من قبيل: أنني عميل لصدّام، وأنني جزءٌ من عصابات التفخيخ الإجراميّة، وأنني أمارسُ العُواءَ الكريه! ولم أرفعْ دعوى مضادةً على أيٍّ من هؤلاء الشتّامين، لأنّ الكلامَ في رأينا لا يواجَهُ إلا بالكلام، ولو كان جارحاً. تلك كانت ممارستَنا وأخلاقياتنا منذ سبعةٍ وخمسينَ عاماً: لم نرفعْ دعوى على أحد؛ ولم نستعْدِ القضاءَ ضدّ أحد. سلاحُنا الكلمةُ وحدها، حتى حين يتسلّحُ الآخرونَ بالمالِ والمنصبِ والسلطةِ والميليشيات.
أيها الناس،
«الآداب» لا تعتبركُم اليومَ متضامنين معها، بل تعتبر نفسَها متضامنةً معكم: في معارككم النبيلةِ من أجل الحرية، والعراق، وفلسطين، واليسارِ الحقيقيّ. ولقد شرّفتموها بأن قبِلتموها جنديّاً في صفوفكم.
وشكراً
* رئيس تحرير مجلّة «الآداب»
(نص الكلمة التي ألقاها سماح إدريس في المؤتمر التضامني معه في دار الآداب في 11 آذار الجاري)