روبرت درايفوس*باستخدام إحدى جمل الرئيس باراك أوباما المفضّلة، يمكن القول «لا تخطئوا»، إنّ الولايات المتحدة تواجه تحدّياً صعباً وشاقّاً على مستوى السياسات الخارجية خلال السنوات الثلاث المقبلة من ولاية الرئيس الأولى. لكن، رغم ذلك، كانت متعة فعلية الاستماع إلى خطاب حال الاتحاد الذي بالكاد تحدث عن الحرب، الإرهاب و«الدول المارقة»، وخصوصاً بعد ثماني سنوات من إنذارات سلف أوباما ووعيده الحربي.
خلال الخطاب الذي دام أكثر من ساعة، خصص الرئيس ثماني دقائق للشؤون الخارجية، معظمها تناول قضايا لا علاقة لها بالحرب أو الإرهاب. فتحدّث عن المفاوضات بشأن نزع السلاح النووي، السيدا، والتغيّر المناخي. رغم أنّ المشاكل لا تزال موجودة، كان من الجيد الاستماع إلى رئيس لم يحاول إخافتنا حتى الموت أو تجنيدنا من أجل مغامرة عسكرية غير محسوبة. بدأ الجزء الصغير المخصص للسياسة الخارجية من خطابه مع صفعة للرئيس بوش الذي لم يتقن استخدام التعاطف الدولي القوي بعد أحداث 11 أيلول، فأطلق حربه الكونية العبثية على الإرهاب، وحربه غير الشرعية في العراق. «بكل أسف، تبخرت الوحدة التي شعرنا بها بعد 11 أيلول»، قال أوباما. وأضاف أنّه لن ينتقد بوش مباشرة بسبب ذلك، «نستطيع أن نتناقش قدر ما نشاء في من يجب أن يتلقى اللوم من أجل ذلك، لكنّني لست مهتماً بالحكم على الماضي».
ثم سخر من سلوك الحزب الجمهوري القوي: «لنضع جانباً ألعاب المدرسة في من هو القوي... لنضع وراءنا الخوف والانقسام».
بكلمات أخرى، لم ينتقد أوباما استراتيجية «الخوف والانقسام» الخاصة باليمين وحسب، لكنّه تجنب أيضاً تجنّباً ملحوظاً التورط في تكتيك الخوف والانقسام هذا. وذلك كاف كي يستحق التصفيق.
بالنسبة إلى أفغانستان، لم يتوعد أوباما بسحق طالبان و«الفوز». على العكس، ركز على بدء انسحاب الجنود الأميركيين في تموز 2011، وهذا هو الجزء الأهم من سياسته الأفغانية المضلَّلة. هذا ما قاله: «في أفغانستان، نحن نزيد عدد قواتنا، وندرب القوات الأفغانية كي تستطيع أن تأخذ زمام القيادة في تموز 2011 وكي تستطيع قواتنا العودة إلى الوطن» (حتى دايفيد بترايوس، مسؤول القيادة العسكرية الأميركية الطموح، يحارب فكرة تحديد الرئيس مهلة تموز 2011).
هذا ليس بلا معنى: فرئيس ملتزم بحرب دون نهاية، أو رئيس ملتزم بفوز صعب التحقيق في دولة ما، سيجنّد الأميركيين من أجل الحرب. لكن ما سمعه الأميركيون الليلة الماضية كان: «عودوا إلى الوطن».

كان من الجيد الاستماع إلى رئيس لم يحاول تجنيدنا من أجل مغامرة عسكرية غير محسوبة
قال أوباما الشيء نفسه عن العراق. عوضاً عن التبجح بـ«الإنجاز» الأميركي الكبير في تقسيم العراق، وقتل مئات آلاف العراقيين، وتدمير نصف مؤسسات الدولة، ودفعه باتجاه الحرب الأهلية في 2010، قال أوباما: «لا تخطئوا، هذه الحرب تنتهي، وكلّ قواتنا ستعود إلى الوطن». لاحظوا كلمة «كلّ». متحدثاً باسم مناصري الحرب، وزمرة المحافظين الجدد الهامشيين، تذمر بيل كريستول من مجلة «ويكلي ستاندرد» قائلاً: «لا يستطيع أوباما أن يقول إنّنا ربحنا في العراق... لن يقول إنّنا ممتنّون لقواتنا لربحها حرباً كانت الخسارة فيها ستكون كارثية».
والواقع أن أوباما لن يقول ذلك، لأنّ ما فعلته أميركا بالعراقيين هو جريمة حرب بشعة، ولم نكن لنواجه احتمال خسارة «كارثية» في العراق، لو لم نشن حرباً غير ضرورية في المقام الأول، يا بيل.
احتج كريستول أيضاً على عدم دعوة أوباما للانقلاب على حكومة إيران. «لم يشر أوباما إلى احتمال تغيير النظام في إيران ولم يتبنَّ إمكانية ذلك»، شكا كريستول الذي لم يلتقِ نظاماً لم يرد تغييره. لكنّه على حق. أوباما لم يدعُ إلى تغيير النظام في إيران، وفي الوقت الذي أثنى على المتظاهرين في إيران، استمر في تسميتها «جمهورية إيران الإسلامية»، معلناً أنّه مستعد لتقبل إيران بشروطها.
كلّ من يقرأ لي، يعرف أنني من منتقدي أوباما الدائمين في السياسة الخارجية، في مجالات واسعة. لكن لنفكّر قليلاً، ونقدّر خطاب أوباما.
* عن «ذا نايشن»، مجلة أسبوعيّة يسارية