النبطية الثّكلى تتحمّل المصيبة
النبطية مدينة الإمام العباس. هذه هي صفتها التي عرفناها منذ ولدنا على ترابها، إلى أن يضمّنا ترابها. منذ أن ترعرعنا في ربوعها، وعشنا سنوياً عاشوراءها.
والعباس أبو الفضل، وابن الإمام علي «عليه السلام»، وفارس كربلاء وشهيدها البارّ دفاعاً عن أخيه الإمام الحسين وعن عائلته، وعن رسالته وعن مبادئه، هو شفيع النبطية وأبنائها المؤمنين في يوم القيامة.
لذا، اتخذ أبناء النبطية «أبا الفضل» مثلاً ومثالاً، به يُقتدى ويُحتذى. النبطية التي هي حاضرة جبل عامل وقلبه النابض، كُتب لها أن تلبس الحداد مرة بعد أخرى. فبين عاشوراء وعاشوراء، حُكم عليها بالتضحية وحُكم عليها بالفداء.
شرارة مقاومة الغزاة انطلقت من بيدرها وساحاتها... بيدرها الذي أُقيمت عليه مراسم عاشوراء عام 1983، وساحتها التي فرّ منها جنود الصهاينة في ذلك التاريخ المجيد أمام شباب يرتدون الأكفان البيضاء وسلاحهم «كامات» وإيمان.
قدمت النبطية الشهداء أفواجاً أفواجاً قبل التحرير وبعده، ولم تندب يوماً هؤلاء الشهداء، بل تقبّلت بشهادتهم التهانئ والتبريك.
وأبناء النبطية ثلاثة نماذج: مقاوم فاعل، ومقاوم صامد، ومقاوم يسعى في مناكب الأرض ومجاهل الاغتراب لضمان العيش الكريم لأهله وعائلته.
في طائرة «كوتونو» فقدت بلدتي أكثر من سبعة من شبابها... واليوم، بعد كارثة الطائرة الإثيوبية، هنالك كوكبة من اثني عشر شاباً تنتظر المدينة جثامينهم الطاهرة بصبر اعتادته، متبعين قول الرسول الكريم «إن الصبر ضياء»، وكتاب الله العزيز «وبشر الصابرين الذين إذا إصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنا إليه راجعون».
ليس لنا اليوم أمام هذه الفاجعة التي أصابت لبنان بأسره، إلا أن نترحم على أبنائنا ونتحمل بإيمان وزرها، فالمصيبة الكبرى هي عندما لا نستطيع تحمل المصيبة.
د. هشام جابر
(عميد ركن سابق في الجيش)