خالد صاغيةينكبّ الوزراء والزعماء على مناقشة مشاريع إصلاحات في ميادين شتّى. ثمّة من يقدّم المشاريع، وثمّة من يتقصّد إضاعة الوقت، وثمّة من يرفضها بخجل، وثمّة من يقبل على مضض، وثمّة من يعيد طرح التراجع عن إصلاحات كانت قد أقرّت سابقاً... وغالباً ما يتقاسم المسؤول نفسه هذه الأدوار كلّها. المحصّلة واضحة ومعروفة: لا أحد يريد الإصلاح.
وحين نقول «لا أحد»، لا نقصد المسؤولين وحسب، بل عموم الناس أيضاً. الحريّ بالجميع توفير الوقت والجهد. فتماماً كما يمكن الإسراف في نقد الطاقم السياسي، يمكن التأكيد أيضاً أنّ الزعماء، رغم كلّ عيوبهم، يحظون بإعجاب الجماهير، و«القرد بعين طايفتو غزال».
وما يقال في القادة، يقال في النظام. الناس ضدّ التغيير. الناس يعشقون النظام. الأغلبيّة لا تريد النسبيّة مثلاً. الأحياء شُغلت في الأعوام الماضية بتنظيف نفسها بحثاً عن الصفاء الطائفي، وتحدّثونها الآن عن النسبيّة؟ والناس آخر همّهم أن ينتخب ابن الثامنة عشرة. فلا الشباب أكثر تلهّفاً للتغيير، ولا هم أقلّ طائفيّة، ولا أكثر ثورةً على التقاليد. والناس لا يريدون الانتخابات البلديّة أصلاً، في بلاد مرّت الانتخابات النيابيّة فيها مرور الكرام.
إذاً، لا داعي لأن يشعر رافضو الإصلاح «من فوق» بالذنب. فما من ضغط عليهم يأتي «من تحت». الشاطر هو من يعطّل الإصلاح، لا من يحاول فرضه.
فلنأخذ مثلاً موضوعاً شديد الحساسيّة كإلغاء الطائفيّة السياسيّة. لقد مثّل هذا المطلب ذات مرّة الشعار الأساسي لحركة شعبيّة ضاغطة. أمّا اليوم، فهو لا يتعدّى كونه شعاراً لا يجد من يحمله ومن يحميه إلا من استطاب اللعب على حبال الطوائف.
القوى المسمّاة عادةً «قوى تغييريّة» هي في أدنى مستوى لها. بالكاد تستطيع عقد ندوة، أو حفلة بكاء على الأطلال. وفي ظلّ وضع كهذا، يصبح الحديث عن الإصلاح، في أحسن الأحوال، عملاً تطهّرياً يقوم به الطاقم السياسي من فترة إلى أخرى، كي يتمكّن من العودة الثأريّة إلى وضع سابق. وفي أسوأ الأحوال، مجرّد نعيق بوم ينذر بالموت الآتي.