خالد صاغيةمشهد اليوم شديد الدلالة: موارنة يحتفلون في سوريا بعيد مار مارون، وموارنة يحتفلون في لبنان بالعيد نفسه. الأخيرون يمثّلون الجسم الماروني الرسمي: رئيس الجمهورية، البطريرك... والأوّلون يمثّلون الجسم الماروني «المعارِض». لكنّ كليهما يتسابق في ابتداع تعريف للموارنة لا علاقة له باعتبارهم مواطنين ينتمون إلى دول.
فبالنسبة إلى البطريرك، شدّدت رسالته التي وجّهها في المناسبة على ارتباط الموارنة بلبنان وأرضه. وهو إذ يغمز من قناة معارضيه الذين استغلّوا مناسبة مرور 1600 عام على وفاة مار مارون، ليحتفلوا بعيداً من البطريرك، فإنّه يتحدّث عن الميثاق اللبناني كـ«ميثاق أقلّيات حضاريّة تقمّصت في طوائف بشريّة»! أمّا رئيس الهيئة التنفيذيّة في القوّات اللبنانيّة الذي شنّ هجوماً هو الآخر على الذين ذهبوا للاحتفال في سوريا، والذي أعلن تمسّكه بشعار 14 آذار «العبور إلى الدولة»، فلم يتورّع عن وصف وضع لبنان بالمعقّد، لكونه «يحوي مئة ألف مجموعة وأمّة».
الموارنة هم إذاً بالنسبة إلى البطريرك أقليّة حضارية متقمّصة في طائفة. وهم، بالنسبة إلى جعجع، لا مجموعة وحسب، بل أمّة أيضاً (ما دام هناك مئة ألف منها في لبنان). الدولة تصبح وعاءً لاستيعاب الأقليات والأمم المختلفة.
لعبة ميشال عون وصحبه مختلفة. ففي زيارته الأولى إلى دمشق بعد عودته من المنفى، استُقبِل كزعيم مسيحيّ، وحجّ أكثر من كنيسة مسيحيّة، ووُضعت الزيارة في سياق توجيه رسالة إلى ما يسمّى «مسيحيّي الشرق».
اليوم، وفي ذكرى مار مارون، يعاد الفيلم نفسه، لكن على شاشة كبيرة. عون ليس وحيداً في سوريا. هناك سليمان فرنجيّة إلى يمينه، وإميل لحّود إلى يساره. والزيارة، مرّة أخرى، رسالة طمأنة إلى مسيحيّي الشرق.
الرجل الآتي من المؤسسة العسكرية، والذي ترك البلاد رئيساً لحكومة خاضت حرب تحرير قبل أوانها، عاد ليجد قوّتين رئيسيّتين تحتلان الساحة. قوّتان لم تكن أيّ منهما قد اشتدّ عودها يوم غادر إلى المنفى. عاد الجنرال إلى بلاد هي غير البلاد التي تركها. وبعد اغتيال رفيق الحريري، والنزول إلى ساحة «الحريّة للطوائف»، لم يبقَ للجنرال إلا موقع زعيم مسيحيّ يصارع من أجل «أل» التعريف.
عبارة «مسيحيّي الشرق» ليست إلا «كوداً» لجائزة ترضية تعويضاً عن موقعه الذي قزّمته تحوّلات التسعينيّات والاحتكار المستحيل لزعامة مسيحيّي لبنان. لكنّها أيضاً تصبّ في خانة بثّ روح الخوف في الأقليّات، تماماً كما يفعل خطابا صفير وجعجع، وإن من زاوية مختلفة. خوف يدعو لطلب الحماية مِن سوريا، وخوف مقابل يدعو لطلب الحماية «مِن» سوريا.
في عيد مار مارون، لا يبدو أنّ للموارنة ما يدعوهم حقاً للاحتفال.