مارثا موندي
تم اللجوء إلى فوكو كمرادف لرؤية للسيادة هي نفسها الرؤية التي سعى فوكو إلى مساءلتها
يشتمل الكتاب، الذي يضم أسماء 19 مؤلفاً، على مقدمة و14 مقالة تفصل بينها مجموعتان من الملفات. وتنقص الكتاب لائحة موحدة للمراجع وفهرست، ويختم بملف ثالث يلخص التغيّرات التي طرأت على نظام الاحتلال ما بين 1967 ــــ 2007 مرتبة حسب تاريخ حدوثها. تضمّ المجموعة الأولى من الملفات نماذج من الأوامر والمراسلات والإعلانات التي تصدرها سلطات الاحتلال (بالعبرية أو بالعربية مع ترجمات إنكليزية مرادفة)، وتشتمل المجموعة الثانية على صور مرتبة بحسب الموضوع (تدمير، عزل، فصل، ذعر). وتثير الوثائق المترجمة القشعريرة، وهي غالباً أبلغ تعبيراً من الكم الهائل من الكلام الذي يضمه الكتاب. وحسبما ورد في الكتاب، يعود الفضل في تجميع هذه الوثائق إلى جيفوني الذي يرد اسمه كمؤلف، فيما ظهرت أسماء الباحثين (بدر وسوسن) والمترجم (جاكوبسون) مطبوعة بأحرف صغيرة جداً في أسفل الصفحة. أمّا الملف الثاني، فلا يخلو من خطر نظراً لقدرة الصور الثابتة على تحويل أعمال رهيبة إلى أشياء فنية للاستهلاك. لقد أتت النتيجة مختلطة: فترتيب الصور بحسب المواضيع والتعليقات المستفيضة على هذه الصور جميعها تخفّف، إن لم تلغِ، من خطر التشييء الفاضح.
يزعم المحررون وجود إطار مشترك للمجلد ككل من ناحية محور الكتاب، وحدود البحث، والنظرية التحليلية. فمحور الكتاب، على حد قولهم، هو طريقة عمل الاحتلال في الزمن الحاضر، وليس ماضيه أو مستقبله المجهول. ومن شأن هذا التحديد للموضوع فصل احتلال عام 1967 عن 1948 وغياب أية رؤية لوضع حد لاحتلال عام 1967. (غنيّ عن القول إن المقالات الأفضل من سواها لا ترضخ تماماً لهذا الأمر).
من الناحية النظرية، يشير المحررون بطريقة أضحت مألوفة في الأوساط النقدية في الأكاديمية الأميركية إلى تأثرهم بالطروحات النظرية لكلٍّ من ميشيل فوكو وجيورجيو أغامبين. وبالتالي، لم يجد المحررون أية مشكلة في إدماج مفهوم فوكو «سياسات الحياة» في مفهوم «الحياة العارية» لأغامبين، وفي موافقتهم للأخير على استعادة التعريف المحدود سياسياً تعريفاً حاداً والقائل إن القانون (كل قانون) إنما هو مرسوم مطلق شَرّعه العنف، كما في كتابات بنجامين وشميت وكيلسين، على الرغم من أن بنجامين وحتى شميت تراجعا أمام النتائج المتأتية من هذه الرؤية لدى النازية تراجعاً لا يقدم عليه أغامبين اليوم. وتم اللجوء إلى فوكو كمرادف لهذه الرؤية للسيادة القائلة بسلطة القانون المكتفية بذاتها، وهي تحديداً الرؤية التي سعى فوكو في أعماله إلى مساءلتها. والنتيجة هي تشوّش نظري يلبس لبوس النقد: ففيما التنظيم القانوني الفعلي موجود في كل مكان، تظهر «استثناءات» و«الحياة العارية» في كل بقعة، وليس أقلها في قراءة حنفي لوضع المخيمات الفلسطينية التي تمثلت في بحثه المعنْوَن «مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية: فضاء الاستثناء وموضع المقاومة». وتُعدّ مقالة شهناف وبيردا، وهي بعنوان «الأسس الاستعمارية لدولة الاستثناء: موازنة بين الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والتاريخ البيروقراطي الاستعماري» مثالاً هاماً، لِما تتصف به من ذكاء، عن اللبس الذي تولده الحدود السياسية المفروضة، وحصر الأبحاث تاريخياً، والنظرية المشوّشة. وتستحق هذه المقالة دراسة نقدية مفصلة تُفرد لها دون سواها.
ولكن دعونا نختم بملاحظة عن أقوى ثلاث مقالات في الكتاب، لا تعتمد الشروط التحليلية التي يزعم المحررون أنها تمثّل قاسماً مشتركاً في الكتاب ككل. وأولى هذه المقالات الأفضل، والتي تعتمد على أعمال منشورة سابقاً، تحمل عنوان «لا شرعية نظام الاحتلال: بنية القانون في الأراضي الفلسطينية المحتلة» لكل من نفتالي، غروس، وميكايلي. وباستثناء غروس الذي يعمل في جامعة تل أبيب، يعمل المؤلفان الآخران حالياً في مؤسسات خارج إسرائيل. فكقانونيّين يعملون ضمن إطار الأعراف الخطابية للقانون الدولي وقانون النزاع المسلح، يؤكد بن نفتالي وغروس وميكاييلي أن احتلال الأراضي الفلسطينية منذ عام 1967 هو استثناء، أي غير شرعي بمنظور تلك الأعراف المعيارية. أما المقالة الثانية لمؤلفتها ليلى فرسخ من جامعة بستن، فتحمل عنوان «من الهيمنة إلى التدمير: الاقتصاد الفلسطيني في ظل الاحتلال الإسرائيلي» وتقدّم تقريراً جليّاً عن التدمير الاستعماري للاقتصاد السياسي الفلسطيني الذي تسارعت وتيرته إلى حد كبير في الـ15 سنة الأخيرة. أما المهندس المعماري إيال ويزمان، العامل في جامعة لندن، الذي استحضر تعبير فوكو «سياسات الموت»، لا الحياة، ليعنْون به دراسته عن الاغتيالات المستهدفة، أي «تكتيكات الموت»، فهو يبين بوضوح أن «المعرفة»، التي تتخذ شكل أنظمة تقنية متحولة، تلوي ليًّا معقداً «السلطة» كاستراتيجية سياسية متناقضة ومميتة. ليس هذا وحسب، بل يجدد أيضاً حجة حنة آرندت المعارضة للمنطق السياسي القائل بقبول «الأقل شراً». فكتب يقول «بمواجهة كل الذين مكثوا في ألمانيا من أجل تحسين الأمور من الداخل، وبمواجهة كل أعمال التعاون، لا سيما تلك المنفذة بغية التخفيف من الأذية، وبمواجهة الحجة القائلة إن «الأقل شراً»، المتمثل بالتعاون مع أنظمة وحشية، أمرٌ مقبول إن كان قد يمنع وقوع شرور أعظم أو أن يحوّل مسار هذه الشرور، دعت [آرندت] إلى العصيان الفردي وإلى الاضطراب الجماعي... فإذا انتفت كل الإمكانيات الأخرى، يمثّل الامتناع عن أي نشاط فعل مقاومة بامتياز، وتكون نتائج الرفض العملية في كل الحالات تقريباً أفضل إذا أقدم على الرفض عدد كاف من الناس».
* أستاذة الأنثروبولوجيا
في جامعة «أل. أس. إي» ــــ لندن

(ترجمة جورجيت فرشخ فرنجية)

■ ■ ■

القانون اللبناني يحظر أي علاقة مع من يحمل جنسية إسرائيلية



عصام نعمة إسماعيلوهذا الحظر هو مطلق يشمل جميع الأشخاص الطبيعيين الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، وجميع الأعمال من أي نوع كانت، وهو لم يفرِّق بين إسرائيلي مقيم في إسرائيل أو مقيم خارجها، إذ اكتفى لحظر التعاطي مع هذا الشخص، تحقُّق شرط واحد هو حمل هذا الشخص الجنسية الإسرائيلية بصرف النظر عن مكان إقامته أو مكان التعامل معه أو طبيعة هذا التعامل.
واستناداً إلى هذا النص القطعي الدلالة، فإن إقدام شخص ما على إعداد كتاب مشترك مع أشخاص يحملون الجنسية الإسرائيلية، إنما يكون قد دخل ضمن المحظور القانوني ولا يشفع له مضمون الكتاب، لأن القانون حرَّم جميع أنواع التعامل بدون أي تفرقة بحسب مضمون العمل.
أما لناحية جنسية من يقوم بهذا التعامل، فإن القانون اللبناني لم يجعل هذا الحظر مقتصراً على اللبنانيين، بل جاء النص عاماً أيضاً، إذ ورد في المادة الأولى المذكورة: «يحظر على كل شخص طبيعي أو معنوي...»، وهو لم يقل يحظر على كل لبناني. وبالتالي، فإن الأجنبي الذي يقيم في لبنان هو حكماً مخاطب بهذا القانون، وتنطبق عليه أحكامه، سواءً جرى الترويج لهذا الكتاب ضمن الأراضي اللبنانية أم اقتصر توزيعه في الخارج.
وبالتالي، فإن الأجنبي الذي شارك الإسرائيليين في إعداد كتاب، يكون قد خرق القانون اللبناني المتعلق بمقاطعة إسرائيل. وأن فعله هو من الجنايات المعاقب عليها بعقوبة الأشغال الشاقة الموقتة من ثلاث إلى عشر سنوات وبالغرامة وبالمنع أيضاً من مزاولة العمل وفقاً للمادة 94 من قانون العقوبات (المادة 7 من قانون مقاطعة إسرائيل). وبسبب خطورة هذه الجرائم ولطابعها الخاص، فإن المحاكم العسكرية تختص وحدها بملاحقة هذه الجرائم (المادة 12 من قانون مقاطعة إسرائيل).
ولقد أحسن القانون اللبناني بعدم التمييز بين اللبناني والأجنبي في تطبيق أحكام هذا القانون، لأنه لا يجوز أن يتخذ لبنان مقراً لأشخاص يساهمون، ولو عن حسن نية، في تلميع صورة الكيان الإسرائيلي الغاصب وإظهاره ككيان حضاري، وخصوصاً أن الهدف الاستراتيجي لحكومة إسرائيل إنما يكمن في إظهار إسرائيل أنها دولة ديموقراطية تقبل الرأي الآخر والاعتراض والنقد.
* باحث في القانون