خالد صاغيةردود الفعل على مؤتمر «رئاسة الحكومة: إشكاليّات الموقع وآفاقه» الذي نظّمته الجامعة الأنطونيّة، خطيرة للغاية (راجع ص 6). فربّما كان الاقتباس الذي استخدمته نائبة رئيس الجامعة للشؤون الثقافية، باسكال لحود، لا يحظى بالإجماع. وربّما كان من الأجدى الإدلاء بآراء من هذا النوع خلال المناقشات، لا في سياق تقديم المؤتمر. لكنّ الواضح أنّ هذا ليس ما استدعى غضب بعض الحاضرين. الأساس هنا، الذي بات يتكرّر في أكثر من مناسبة، هو إلقاء الحُرم على كلّ من يجرؤ ويناقش وينتقد السياسات التي اتّبعها رئيس حكومة سابق يُدعى رفيق الحريري. المؤلم والمخزي حقّاً أن يتولّى إلقاء هذا الحُرم وتعميمه مثقّفون ارتضوا لأنفسهم أن يصبحوا جزءاً من حاشية البلاط. فبات الاستشهاد بدراسة علميّة «خفّةً» و«إثارةً»، بحسب وزير الإعلام طارق متري.
والدراسة المذكورة تحوي مغالطات كثيرة، وقد لا يتّفق المرء مع منطلقاتها النظريّة. لكنّ ذلك لا ينفي حججها القويّة في وصف الاقتصاد اللبناني بـ«الزبائنيّ»، وفي اعتبار الفساد حميداً في بعض البلدان لجهة القدرة على توفير حاجات بطريقة أكثر فاعليّةً من أجهزة الدولة. ليس المجال هنا لمناقشة السياسات الحريريّة، لكن هل فوجئ الحاضرون حقاً بأنّ الفساد جزءٌ من التركيبة الحريريّة، وأنّ رفيق الحريري تعاطى مع فاسدين، وشارك في صفقات فساد؟ الأمر أكثر إيلاماً أيّها الأصدقاء. حكومات الحريري لم تتألّف من الفاسدين وحسب. تألّفت من مجرمي حرب. هل هذه مفاجأة أيضاً؟
لكن، بصرف النظر عن ذلك، أيّ رئاسة حكومة تلك التي تحرّم الإدلاء بوجهة نظر داخل أسوار الجامعات؟ إنّ مطالبة المكتب الإعلامي لسعد الحريري إدارة الجامعة باتّخاذ خطوات لمحو «الإساءة»، هي ببساطة مخالفة للدستور اللبناني الذي يكفل حرية التعبير. وهو قمع للنقاش العلمي للسياسات الاقتصادية والاجتماعية في لبنان. فإذا كان نقاش كهذا محرَّماً في ندوة جامعيّة، فأين هو مجال طرحه؟ لكنّ الأسوأ هو غمز بيان المكتب الإعلامي من القناة الطائفيّة، واعتباره اتّهام رئيس حكومة بالفساد تعرّضاً لمقام رئاسة مجلس الوزراء!
البيان ـــــ الاعتذار الذي أصدرته الجامعة الأنطونيّة مقلق حقاً. فتطييف المسألة اضطرّ الجامعة إلى الاعتذار، لأنّ مؤتمراً علمياً عُقِد في أرجائها تعرّض لسلوك مسؤولين سابقين. من الآن فصاعداً، ينبغي لكلّ النقاشات الأكاديميّة أن تبدأ بكيل المدائح للرؤساء الثلاثة، الحاليين والسابقين. أمّا تشريح وضع البلاد المتردّي، فيمكن ردّه دائماً إلى... الجالية الإثيوبيّة!
إنّه يوم حزين بالنسبة إلى التعليم الجامعي والبحث العلمي في لبنان. يوم يستحقّ من طلاب لبنان وأساتذته الجامعيّين إعلان الإضراب العام احتجاجاً على منعهم من ممارسة مهنتهم التي لا وجود لها في غياب النقد.
باستطاعة آل الحريري أن يبنوا أكثر من تمثال لرفيق الحريري في مدينة بيروت. لكنّ أكثر ما يسيء إلى ذكرى رفيق الحريري هو محاولة تصنيمه وفرضه أيقونةً على الشعب اللبناني. آن لهذه المهزلة أن تنتهي.