خالد صاغيةإذاً، قرّرت قوى 14 آذار أن تقيم احتفالاً ضخماً في ساحة «الحريّة للطوائف» في ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لكنّها اختارت أن تفعل ذلك من دون جرح مشاعر سوريا، أي الدولة والنظام الوحيدَيْن اللذين اتّهمتْهما قوى 14 آذار سياسيّاً باغتيال الحريري، وكذلك من دون خرق أجواء الوحدة الوطنيّة مع الغائبين عن الذكرى.
لذلك يتساءل المرء عن المنطق السياسي لحشد عشرات الآلاف من المواطنين، من أجل خطاب بارد كالذي شهدته الساحة. خطاب لم يحدّ من مَلله اختراع عريف الاحتفال ألقاباً فضفاضة على المتحدّثين، فبات أمين الجميّل «حارس الجمهوريّة»، وسمير جعجع «سجين القضيّة»، فضلاً عن المفاخرة بأنّ فؤاد السنيورة تمكّن من محاصرة نصف الشعب اللبناني.
على المستوى السياسي، يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
سوريا: تبارى المتحدّثون في التأكيد على ضرورة تحسين العلاقات معها. القوى التي دعت في مناسبات مماثلة إلى إسقاط النظام السوري، أكّدت على «أطيب العلاقات وأفضلها»، وعلى أنّ «استقرار لبنان من استقرار سوريا، والعكس صحيح أيضاً» (الجميّل). والسنيورة، بالمناسبة، يكنّ لسوريا «التقدير والاحترام». أمّا الحريري، فعلى ما يبدو، «شريك في رسم خارطة المصالحات العربيّة وإعدادها». أمّا الذي لم يشأ أن يمدح سوريا، فلم يرد اسمها على لسانه، إذ خلا خطاب سمير جعجع من أيّ ذكر لسوريا، سلباً أو إيجاباً.
14 آذار: تحدّث الجميّل والسنيورة كأنْ ما من حركة تدعى 14 آذار. وحين ذكرها الحريري، لم نفهم ماذا يقصد بها، وما عليها إنجازه، باستثناء كلام عام عن الوحدة الوطنيّة. وحده سمير جعجع خاطب «شعب 14 آذار» و«جماهير 14 آذار».
القرارات الدوليّة: مرة أخرى، وحده جعجع تحدّث عن التمسّك بالقرارات 425، 1559، 1680، و1701.
حزب الله والسلاح: فيما تحاشى الحريري الإشارة إلى سلاح حزب الله، اكتفى السنيورة برفض الاستخدام الداخلي للسلاح. وتولّى الجميّل وجعجع مهمّة التأكيد على «أن لا يكون على أرض لبنان أيّ سلاح غير سلاح الشرعيّة اللبنانيّة». وفيما رأى جعجع أنّ السلاح «هو ما قد يستجلب اعتداءات خارجية»، استفاق السنيورة على أنّ «عدوّنا الوحيد هو الكيان الصهيوني».
قال الجميّل أمس: «أيّ متغيّرات محلية أو إقليمية لا تغيّر لحظة في مسارنا الوطني». لكنّ الجمع المحتشد هناك، وخصوصاً الجمع الذي بقي في بيوته هذا العام، يعرف تماماً أنّ كلّ شيء قد تغيّر، وأنّ كلّ ما بقي شعارات مستهلكة عن العبور إلى الدولة. شعارات ربّما كان وليد جنبلاط أكثر من يدرك تهافتها. فقرأ الفاتحة. وعاد إلى البيت.