خالد صاغيةوقف الرجل أمام المرآة. نظر إلى نفسه جيّداً قبل أن يرتشف القهوة. ما زال يشعر بصدمة النهار. هل كان ما فعله صائباً حقّاً؟ في داخله، يشعر بالإهانة الشخصيّة. لم يكن الأمر كذلك عند الصباح. حين ارتدى ربطة العنق وحمل حقيبته ومشى، كان يشعر أنّه رجل محترم، له كلمته التي لا يتراجع عنها بسهولة، وله موقفه الحازم ممّا يعتبره شأناً عامّاً. لقد تعب كثيراً حتّى وصل إلى ما هو عليه، حتّى اكتسب احترامه لنفسه. وها هو يخسر الآن كلّ شيء.
لقد شاهده الناس على التلفزيون. شاهدوه حين رفع يده وقال: نعم. ثمّ فتحوا التلفزيون بعد حين، وشاهدوه بالبذلة الرسمية نفسها، يرفع يده ويقول: لا. المكان نفسه. الشهود أنفسهم. الموضوع نفسه.
سبق أن فعل الأمر ذاته من قبل. كان قد صدّق على أمر ثمّ صدّق على عكسه. لكن، آنذاك، كانت لديه حجّته. فالناس يتذكّرون جيّداً الضغط السوري، ويتذكّرون ما سمّيناه النظام الأمني المشترك. ويتذكّرون أيضاً اجتماعات «الترويكا» حين كان الرؤساء الثلاثة يلتقون قبل كلّ جلسة، ويتّفقون على كلّ شيء، ثمّ نأتي نحن ونبصم. لم يكن ذلك خروجاً على الدستور. كان مجرّد مراعاة لوضع غير طبيعيّ ارتضيناه بحجّة أنّه ضروري، وشرعي، ومؤقّت.
الناس أنفسهم غفروا لنا. ونحن لم نخجل من توقيع عريضة علنيّة أعلنّا فيها بعد خروج الجيش السوري من لبنان أنّنا كنّا أبناء قوم مضغوط عليهم. أمّا الآن، فحتّى سلاح المقاومة لا يمكننا التذرّع به. فها هم نوّاب حزب اللّه قد صوّتوا مع تعديل الدستور لخفض سنّ الاقتراع.
أوكي. امتنعت عن التصويت بدلاً من الاعتراض. لكنّ ذلك لا يكفي. كان ينبغي عليّ أن أكون أكثر جرأة، أن أطلع على الناس وأقول: أنا طائفيّ أعيش في بلد طائفيّ وأَنتخب وأُنتخَب بناءً على قانون طائفي. ولهذه الأسباب الطائفيّة التي لا علاقة لها بأيّ ضغط خارجيّ أو بأيّ أداة قمع داخليّة، أرفض منح أبناء الثامنة عشرة حقّ الاقتراع. فنحن في لبنان يحصي بعضنا بعضاً. ونفزع كثيراً حين نشعر أنّ طائفة تكبر وأخرى تصغر. من هنا، من مجلس النوّاب، أوافق على تعديل الدستور شرط توزيع حبوب منع الحمل على الطوائف الأخرى. فلبنان لا يطير إلا بجناحَيْه...
تذكّر الرجل أنّه لم يغسل أسنانه. وضع رأسه تحت المغسلة. وأحسّ أنّ مياه العالم كلّه لن تغسل خيبته.