خالد صاغيةلدى كلّ موسم تعيينات، يجد أولياء الأمر في هذه البلاد ضرورة لبدء حفلة تكاذب جديدة. فما دامت التعيينات تخصّ مناصب داخل جهاز الدولة، وما دامت الدولة هي التي تدفع رواتب المعيَّنين، فلا بدّ من تحوّل أولياء الأمر إلى رجال دولة حتّى يجري إمرار الصفقة.
هكذا ستُصَمّ آذاننا، من الآن وحتّى إنجاز التسميات، بنظريّات عن الكفاءة والمعايير. وبدأت أعلى المراجع تروّج للمزاوجة بين المحاصصة والكفاءة. فلا مانع، يقال، من أن تراعى المحاصصة (وهي، في خطابات أولياء الأمر، شرّ لا بدّ منه تماماً كالطائفية)، وأن تُعتمَد في الوقت نفسه الكفاءة. وربّما كان وليد جنبلاط الأبلغ تعبيراً عن هذا الأمر، إذ تساءل، وهو السياسي العتيق الذي شهد حفلات عدّة من هذا النوع، في أكثر من عهد: «لماذا توضع دائماً المحاصصة على نقيض مع الكفاءة؟ وإذا لم يكن هناك مهرب ممّا يسمّى محاصصة، ألا تستطيع كل الأطراف أن ترشّح الكفاءات التي لديها القدرة على النهوض بالإدارة العامة وعصرنتها وتحديثها وإصلاحها؟».
ويكرّر الأمر، بطريقة أو بأخرى، وافدون جدد إلى النادي السياسي، يريدون هم أيضاً إثبات أنّهم رجال دولة، لا بل أنّهم الأمل في بناء الدولة، علماً بأنّ وصولهم إلى مراكزهم كان ناجماً عن المحاصصة نفسها.
ووفقاً للمنطق المتداول، يصبح المطلوب التوفيق بين ثلاثة أمور على الأقلّ:
أن يكون الموظّف المُعيَّن مرضيّاً عنه من رأس الطائفة، وأن يكون الموظّف نفسه مرضيّاً عنه من الرأس السياسي للطائفة، وأن تتناسب مؤهّلاته مع المنصب المخصّص للطائفة، وأن لا يكون هناك أي فيتو عليه من أي رأس لأي طائفة ومن أي رأس سياسي لأي طائفة، وأن تكون لديه مؤهّلات موضوعيّة لتولّي منصبه للجديد.
لا تكمن المشكلة في صعوبة إيجاد شخص يجمع كلّ هذه التوافقات، بل في وجود تناقض جوهري بين المحاصصة والمؤهلات الموضوعية. ذلك أنّ الشرط الأساسي للمناصب المتنازع عليها هو الاستقلالية وإعلاء خدمة الشأن العام على أيّ اعتبار آخر، وهذا ما لا يتماشى مع المحاصصة، أي مع عدم قدرة ذاك الموظّف الرفيع على إغضاب وليّ نعمته، وأصدقاء وليّ نعمته، وأصدقاء أصدقاء وليّ نعمته.
يدرك أولياء أمرنا هذا التناقض جيّداً. لكنّ المرحلة تتطلّب منهم أداء دور رجال دولة. وهو دور عرف نبيه برّي كيف يخرجه حين دعا إلى اعتماد المعايير الموضوعية، وإن تعذّر ذلك، فأنا «بدّي حصّتي».
للتذكير فقط: حين نتكلّم عن حصّة فلان، إنّما نتكلّم عن بَشَر، وعن موظّفين رفيعين. تخيّلوا مثلاً مواطناً يسأل المدير العام لأمنه العام: «حصّة مين إنتَ؟».