خالد صاغية«إنّ العودة إلى الملابسات التي سبقت السابع من أيّار/ مايو لا فائدة منها إلا في إطار إثارة الغرائز عند بعض من يغلب عليهم الأفق الضيّق أو الانغلاق». الكلام لوليد جنبلاط الذي يبذل جهداً كبيراً هذه الأيّام لطيّ صفحة الماضي. الصفحة التي قال، عن حق، إنّها «كادت تقضي على العيش المشترك في كلّ لبنان». وهو في مغادرته لهذه الصفحة، يواجه صعوبات لا يُحسَد عليها بين مناصريه وأبناء طائفته. وإذا كان الطرف الآخر جادّاً في المصالحة، فلا بدّ من أن يسهّل للزعيم الدرزي مهمّته بدلاً من تعقيدها.
لكن، إذا كان من المفهوم أن يكون جنبلاط قد ضاق ذرعاً بمن يحاول ثنيه عن المضيّ في طريقه الجديد، فيما هو يدرك تماماً أنّه لا طريق عاقلة غيرها في الوقت الراهن، مهما كانت الصعوبات، فإنّ ذلك لا يسوّغ طيّ صفحة الماضي من دون مراجعة، ولا رشق كلّ المعترضين على ما يجري بتهمة إثارة الغرائز.
لقد قبل جمهور وليد جنبلاط ذات يوم مسألة الغشاوة على العينين. لكن، هل هي الغشاوة نفسها تعود الآن، أم هناك مراجعة جدّية لمواقف وقرارات خاطئة جرّت البلاد إلى شفير الهاوية؟ صحيح أنّ المرحلة السابقة كانت حافلة بالتوتّرات، وقد صبّت الاغتيالات مزيداً من الزيت على النار، لكنّ مهمّة القادة ضبط هذه التوتّرات، ومنع انفلات الغرائز في الشارع. لا يكفي وضع كلّ ما جرى في خانة «فورة غضب»، وذلك احتراماً لوليد جنبلاط نفسه، واحتراماً لجمهوره، واحتراماً للطرف الآخر الذي يتصالح وإيّاه.
لا تقتصر ضرورة المراجعة على جنبلاط وحده. فليس من يبذل جهداً لتغيير موقعه هو وحده المطالَب بمراجعة. الثابتون في مواقعهم مطالبون أيضاً بمراجعة. هل يعقل أنّه لم يصدر صوت واحد في تحالف 8 آذار يحاول أن يقول إنّ خياراً آخر كان متاحاً أمام حزب اللّه في السابع من أيّار؟ وأنّ الحزب الخارج من انتصار تمّوز لم يعرف كيف ينتصر على المتآمرين حقاً عليه، وسقط سريعاً في فخ الصراعات الطائفيّة؟
ما جرى في الشويفات، أمس، ليس ثانويّاً. حسبه أن يهدّئ النفوس المحقونة. لكنّ المصافحات وحدها لا تكفي، فيما البلاد تطوي كلّ فترة صفحة، تودّع معها حرباً، فتستقبل حروباً أخرى.