محمد أحمد علي المخلافي*قبل قيام الوحدة اليمنية، جرى الإعداد للانقضاض عليها والانفراد بالسلطة. فمن 1989 وحتى 1994، جرى نقل المجاهدين الأفغان من الجنسيات العربية المختلفة إلى اليمن، بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وبدعم أميركي وغربي وسعودي بالتأكيد. وحيثما شُنت الحرب ضد الجنوب والحزب الاشتراكي، قدر عدد مقاتلي التنظيمات الإرهابية المشاركة بالحرب بما يزيد عن ستين ألف مقاتل من يمنيين ومصريين وفلسطينيين وأردنيين وسودانيين، وغيرهم من الجنسيات العربية. حقق الرئيس علي عبد الله صالح بهذه الحرب هدفه المتمثل بالتفرد بالسلطة وإيقاف التحول الديموقراطي ومنع تداول السلطة.
ولكن، كان من نتائج تلك الحرب تحوّل القاعدة ضد رعاتها: الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب والمملكة العربية السعودية. إذ إن الأمر الذي وجهه ملك السعودية إلى أسامة بن لادن لمغادرة اليمن بعد انتهاء الحرب، والعودة إلى المملكة العربية السعودية، قد جعله وقيادة القاعدة يتخذون قراراً بشق عصا الطاعة على السعودية وأميركا والغرب. وهم أشعلوا الحرب عليهم، بعد نقل القيادة إلى السودان ثم أفغانستان، وذلك انتقاماً من منعهم إياهم من إقامة دولتهم في
اليمن.
لقد حققت الحرب، بواسطة القاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى في اليمن، للرئيس علي عبد الله صالح الانفراد بالسلطة وتحويلها إلى مشروع عائلي. وتحقق لهذه التنظيمات إمكان التغلغل في المجتمع اليمني والاختلاط بأجهزة الدولة، بما في ذلك الأجهزة العسكرية والأمنية. وهنا يُطرح السؤال: هل فُكّ الارتباط بين السلطة في اليمن والتنظيمات الإرهابية فعلاً؟ أم أن السلطة تسعى باسم الحرب على القاعدة إلى كسب تحالف دولي لتحقيق غلبة أخرى على الخصوم السياسيين بهدف الاستمرار في احتكار الثروة والسلطة وتوريثها؟ مشروعية هذا السؤال تمليها الحالة التي يعيشها اليمن اليوم وفقدان السلطة شرعيتها الشعبية، حيث صارت الحرب في الشمال أكثر اتساعاً، واتخذت طابعاً إقليمياً بدخول المملكة العربية السعودية فيها واستباحة السيادة اليمنية، وصار الحراك المسلح في الجنوب أعلى صوتاً. كما أعلنت أحزاب اللقاء المشترك وكتلها البرلمانية صراحة عن عدم شرعية ما يقوم به مجلس النواب والحكومة مما هو خارج الوفاق الوطني المتمثل باتفاق شباط/ فبراير 2009 الذي أجَّل الانتخابات العامة لمدة عامين، ومدد لمجلس النواب، وبالتالي للحكومة معيّناً لهما مهمّات دقيقة وذات صلة بوظيفة فترة التمديد.
وبتجاهل تام للحاجة إلى شراكة المجتمع وقواه السياسية في هذه القرارات الخطيرة، تعلن الحرب ضد القاعدة، وتشترك فيها الولايات المتحدة الأميركية لا من خلال الدعم فحسب، بل من خلال العمليات الحربية. إن مكافحة الإرهاب في اليمن لن تحقق غاياتها بالقضاء على التنظيمات الإرهابية إلا بوفاق وطني وباستراتيجيا سياسية ووطنية تشارك بوضعها وتنفيذها الأحزاب المناهضة للإرهاب. والوفاق الوطني يتطلب حواراً جاداً بين أطراف الصراع بمشاركة جميع القوى السياسية دون استثناء
أحد.
إن التدخل السعودي والأميركي المباشر، كطرف خارجي في الصراع وفي الحرب، ستترتب عليه تأثيرات تعمق الأزمة في اليمن باتجاهين:
الاتجاه الأول: اتخاذ السلطة الحرب مصدراً لشرعيتها. وهذا التدخل ستستخدمه لإطالة أمد الحرب والاتجار بها، وسيشجعها على الاستمرار بالإعداد لحرب أهلية واسعة ومستمرة وتجهيز الميليشيات المسلحة ذات الطابع القبلي والجهوي، كلجان الدفاع عن الوحدة، وكتائب الجهاد والجيش الشعبي. وإن تم في الأيام المقبلة قبول أطراف الحرب في الشمال بالهدنة، فإنها ستكون مؤقتة لتُستأنف الحرب بعنف أكبر ومساحة أوسع بعد ذلك.
الاتجاه الثاني: استخدام السلطة للحرب للتنصل من الحوار ومن الاتفاقات السابقة مع أحزاب المعارضة وآخرها اتفاق شباط/ فبراير2009، ومواجهة المعارضة، ممثلة بأحزاب اللقاء المشترك والحراك السلمي في الجنوب، بالمزيد من العنف. هذا علاوة على التخلي الكلي عن مسؤولية الدولة تجاه التنمية وحماية المجتمع من الفقر والبطالة، ممّا سيضيف عوامل ومصادر جديدة للعنف والثورات، ويجعل البلاد مهيأة أكثر للانزلاق إلى الفوضى وإلى احتمالات حرب أهلية شاملة.
ما من شك بأن للسعودية الحق في حماية أمنها، وكذلك الولايات المتحدة الأميركية. لكن هذا الحق يجب ألا يكون على حساب شعب اليمن وأمنه واستقراره ووحدة كيانه الوطني. وهذا التدخل لن يحقق الأمن والاستقرار في المنطقة، بل سيقود إلى العكس تماماً، إذ يجعل من انهيار الكيان الوطني في اليمن نتيجة طبيعية لمثل هذه الحرب.
ثمة إشارات تظهر أن التدخل الخارجي في الحرب المباشرة ضد الإرهاب لن يقتصر على الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية، بل سيشمل تحالفاً يضمّ أوروبا الغربية على الأقل، وسيجعل اليمن في مركز يماثل أفغانستان. إن فشل سياسات الحكم في اليمن هو السبب الأساس الذي يجعل البلاد في مثل هذا الوضع غير الطبيعي، إذ إن أزمة القضية الجنوبية، وحروب الشمال، والقاعدة، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية جميعها، ليست سوى نتاج سياسة غير رشيدة مسعاها الأوحد استمرار احتكار السلطة وتوريثها. وهي من أجل ذلك تستخدم الشيء ونقيضه: الحرب بالإرهاب وتنظيماته، والحرب ضده. حيث يصلح أي شيء لتحقيق هذه الغاية غير المشروعة التي يجب إنقاذ اليمن منها. ومسؤولية

مساندة اليمن للخروج من الأزمة يجب ألا تكون على النمط الأفغاني
الأسرة الدولية تجاه مصالحها، بما في ذلك دول الجوار وأوروبا الغربية، هي منع انزلاق اليمن إلى الفوضى بالمساعدة على تحقيق وفاق وطني يوجد حلولاً سياسية واقتصادية. وفي المقدمة منها إيقاف الحرب في الشمال وإزالة أسبابها وآثارها، وإزالة آثار حرب 1994 التي شنت على الجنوب ونتائجها، وإيجاد حلول للأسباب التي أدت إليها، بتوفير شروط الانتقال الديموقراطي وإحداث تغيير للنظام السياسي يؤدي فعلاً إلى إنهاء احتكار السلطة والثروة ويمنع توريث الحكم بأية صورة كانت. وفي هذه الحالة تصبح مواجهة الإرهاب في اليمن يسيرة، وسيقوم بها المجتمع نفسه والقوى
السياسية.
اليمن يعيش حالة إنسانية كارثية، وكيانه الوطني مهدد بالانهيار، ومساندته للخروج من هذه الأزمة يجب ألا تكون على النمط الأفغاني، ليس لمنع انزلاق اليمن إلى ذلك الوضع البائس وحسب، بل لكي يُمنع أيضاً تكرار تورط الولايات المتحدة الأميركية بحروب لا طائل منها، ويُمنع انزلاق السعودية إلى ما يشابه وضع باكستان. مساندة اليمن تتطلب الدفع بالجماعة الحاكمة إلى الانفتاح على الداخل والاستعداد للحوار ودفع كلفة الديموقراطية، بفتح باب تداول السلطة أمام جميع أطراف المعادلة السياسية
اليمنية.
إن انزلاق اليمن إلى المجهول من شأنه أن يهدد أمن مناطق الثروة في شبه الإقليم، وبالتالي، الأمن والسلام الدوليين. ومن هنا تأتي أهمية قضية المصالحة الوطنية والوفاق على قاعدة تسوية وطنية تاريخية وعقد اجتماعي جديد، يجب أن تنصب جهود الأسرة الدولية من أجل تحقيقه لإنقاذ اليمن، لا الغرق
معه.
* محام، وعضو اللقاء المشترك
ولجنة الحوار في اليمن