وائل عبد الفتاحالكموني رجل الساعة في مصر. كلماته ستغيّر أشياء كثيرة في أحوال الدولة ومستقبلها. الصحف تنشر صوره منذ أسبوع تقريباً، ويبدو بجسده الضخم ورأسه الحليق مبعوثاً في مهمة خاصة. نظراته بين السذاجة والعنف المستتر. تقفز من خلفها مشاعر مغدورة. هو واحد من بين ٣ ملايين مسجّل خطر، وهو تعبير أمني توصف به قوائم أعدّتها الشرطة المصرية لمحترفي الجرائم الجنائية. وهو المتهم الأول في مذبحة عيد الميلاد، التي قتل فيها ٨ مسيحيين ورجل شرطة على بوابة مطرانية نجع حمادي (جنوب الصعيد) بوابل من رصاص، يقال إن الكموني وبصحبته عصابة من 3 أشخاص أطلقوه على الحشد الخارج من الاحتفال الديني.
الكموني فتوّة بالمعنى القديم، وبلطجي تحت الطلب بالمعنى الحديث. اتهمه محافظ الإقليم (قنا) بأنه مدبّر الحادث. وقال في مجلس الشعب: «إنه معتاد الإجرام، وسبق أن اتُّهم في 12 جناية». المحافظ لواء سابق (مجدي أيوب) ومسيحي قبطي لكنه «محبوب من المسلمين، بينما يرفضه كل الأقباط»، كما قالت النائبة جورجيت قليني، قبل أن تخرج منفعلة من الجلسة البرلمانية وهي تردّد «المحافظ كذّاب وسيدخل النار».
الكموني كان بطل الحوار الخفي وراء الخلاف بين المحافظ والنائبة، أو وجهتي نظر للدولة في المذبحة الطائفية. المحافظ تعامل بحسه الأمني كرجل شرطة سابق. وقال «كله تمام. الكموني رجل خطر. اعتاد فرض سيطرته. وليس له ميول دينية. وغالباً نفّذ المذبحة بتحريض من آخرين». والنائبة انفعلت لأن كلام المحافظ يعني «أن الأقباط هم المسؤولون، لأن أحدهم اغتصب طفلة مسلمة».
المحافظ ليس وحده الذي يبحث عن المحرض. الدولة كلها. رئيس البرلمان الدكتور فتحي سرور، ووزير الشؤون البرلمانية الدكتور مفيد شهاب ردّدا لحناً واحداً: «إنها قوى خارجية تريد زعزعة استقرار مصر».
الكموني قال كلمته، واعترف بأنه أطلق الرصاصات المجنونة ليلة عيد الميلاد لأن جريمة الاغتصاب استفزّته. هو الذي بدأ مجده الإجرامي بواقعة هتك عرض، تلتها وقائع أخرى متنوّعة، بعضها من نفس النوع الجنسي.
نظرية المؤامرة فاتنة هنا. الدولة كلها توجه الأنظار إلى الخارج. أعداء يريدون تدمير مصر، واللعب على حدود خطوطها الحمراء.
لم تفكر الدولة أبعد من توجيه النظر إلى الخطر الخارجي لكي لا يرى المجتمع كوارثها وفشلها المتكرر في صناعة مناخ يقاوم الطائفية المتصاعدة من التسعينات إلى الآن.
دولة إن لم يكن لها أعداء اخترعتهم لتبرّر بهم خطاياها. وهو سلاح فاسد يضرب في الدولة نفسها. والمجتمع رد على بحث الدولة عن محرض خارجي بتفسيرات تقول إن مذبحة نجع حمادي من صنع الحكومة، لتلهي الناس عن قصة الجدار الفولاذي وكوارث أخرى، وتبعدهم عن تفويضات البرادعي. ودليل المجتمع أقوى، فالكموني وغيره من المسجلين خطر أداة ذات حدّين في يد رجال الشرطة المحترفين. هم عناصر كشف الجريمة وتنفيذها في الوقت نفسه.
القتل في نجع حمادي كان على الهوية. وهذه أخطر إشارة جديدة. ليست معركة عادية أو هجوماً مسلحاً بلا رسالة رمزية. إنها تدمير في بناء الدولة، وبدلاً من البحث عن إعادة الترميم، استغرقت الدولة، عبر كبار حرّاسها الأيديولوجيّين في البحث عن مشجب في مخازن الدول الشمولية، ولم تجد سوى المحرض واليد التي تلعب في الخفاء.
الدولة تجنّد حرّاسها للبحث عن «كموني» دولي يحرّك الكموني المحلي. والاسم المستوحى من محالّ العطارة يشير إلى موهبة قديمة لدى الدولة في صناعة خلطات شهيرة من البهارات السياسية ذات الروائح النفّاذة، والمذاقات الحارقة. خلطة توحي بالمذاقات اللذيذة وتلهي المستهلكين في سر الخلطة عما تحتها.
هكذا، وفي الوقت نفسه، ومن أجل امتصاص غضب ملايين المحرومين من مشاهدة مباريات الفريق المصري في بطولة الأمم الأفريقية المقامة في أنغولا، خرج المسؤول عن التلفزيون المصري بشعار حريف يقول إن «كرامة مصر أهم من المباريات». الموظف برّر عدم الكفاءة والاحترافية في عالم التلفزيون المشفّر، وأخرج من الجعبة القديمة بهارات ماركة «كرامة البلد». وردّت «الجزيرة» بسياسة مضادّة، وقرّرت إذاعة المباراة على القناة المفتوحة، لتردّ على تهمة عدم احترامها للجمهور المصري، وتثبت أن المشكلة في إدارة ملف التشفير وحقوق البث، لا صراع كرامات.
ما الذي وضع كرامة الدولة في تناقض أو صراع مع مشاهدة المباريات؟ هل هو إسقاط على التشاحن السياسي بين مصر وقطر وقناة «الجزيرة» بالتحديد (صاحبة حق البث) وتريد الحكومة شحن المصريين ضد القناة المصنّفة في خانة الأعداء؟ أم أنه مجرد كسل موظفين، وعدم كفاءة الإدارة المسؤولة عن الإعلام؟
المهم أن سر الخلطة اشتغل في أزمة الكرامة والمباريات، كما اشتغل في الفتنة الطائفية. والمهم الآن هو الاستفسار عن رصيد الدولة في مصر من البهارات في تلك السنة الساخنة.