دي. بي. غرايدي*يلقي البيت الأبيض باللوم في نجاح عبد المطلب على فشل في «وصل النقاط بعضها ببعض»، لكنّ الحقيقة هي أنّ هذه النقاط كانت موصولة مسبقاً. لم يكن هناك نقاط. كان لدينا مسبقاً كلّ المعلومات اللازمة للقضاء على عبد المطلب. لم يكن هناك داعٍ لمهمات سرية. لم يكن هناك ضرورة لحقائب مليئة بالمال ومخصصة للرشوة لتبادلها في محطات الباصات. لم يكن عملاء الاستخبارات بحاجة إلى اقتحام الأبواب، ولم يكن هناك ضرورة لإزالة الغبار عن اللوائح لمعرفة أي اسم.
عرفنا كلّ شيء في مؤتمر صحافي، قال الرئيس أوباما إنّ فشلنا في إيقاف الحادث الإرهابي لم يكن «غلطة شخص واحد أو منظمة واحدة». لكن هذا ليس حقيقياً. كان حريّاً بالمسؤول أن يكتشف كل شيء في اللحظة التي دخل فيها والد عبد المطلب إلى السفارة الأميركية، ومعه معلومات عن احتمال كون ابنه إرهابياً. كان يجب أن تجرى متابعة كل قصاصة ورق أو معلومات موجودة عن المشتبه فيه. لهذا السبب، لدينا سفارات. عندما أرسلت أولى المعلومات إلى أول عميل في السي آي إيه، كان واجباً عليه أو عليها، أن يكتشف كلّ شيء. عندما وصلت المعلومات إلى الإداري الأول في مركز مكافحة الإرهاب كان يجب أن يحصل الأمر نفسه.
كلّ من قرأ اسم «عمر فاروق عبد المطلب» قبل 25 كانون الأول 2009 يجب أن يعاقب أو يطرد.
تقول المعلومات التي توصّل إليها البيت الأبيض إنّ «السيد عبد المطلب كان لديه تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة، لكن هذه الحقائق لم تكن مرتبطة بقلق والده بشأن تطرفه المحتمل». هذه جملة بيروقراطية، مخجلة بحدّ ذاتها، وبعد رؤيتها في النص بأكمله. لم تبطل وزارة الخارجية تأشيرة عبد المطلب لأنّ أحد الموظفين كتب اسمه خطأً في قاعدة المعلومات.
ألم يستخدم أحد في عالم الاستخبارات «غوغل» من قبل؟ عندما كتبوا عبد المطلب بلام واحدة، ألم يسألهم الحاسوب إن كانوا يقصدون الاسم كما يكتب بلامَيْن؟
هناك اعتراف آخر يتخطّى عتبة الذهول إلى عالم الإهمال الجنائي: يمتلك المركز الوطني لمكافحة الإرهاب قاعدة معلومات عن كلّ الإرهابيين المشتبه فيهم والمعروفين عالمياً. اسم عمر فاروق عبد المطلب أضيف إلى هذه اللائحة.
لكن قاعدة المعلومات هذه لا تذهب مباشرة إلى اللائحة الخاصة للممنوعين من الطيران بإدارة أمن النقل. مَن أكثر من الإرهابيين المعروفين ينتمون إلى لائحة الممنوعين من الطيران؟ يجب ألا يكون هناك تدخل بشري هنا. البرنامج الإلكتروني وحده كان سيجنّبنا الكارثة.
وفق البيت الأبيض، عندما وصل اسم الناشط المتطرف من والده إلى الـ«سي.آي.إيه» والمركز الوطني لمكافحة الإرهاب ومعه تحذير بأنّه يخطط لاعتداء، لم تبحث الوكالتان في «كلّ قواعد المعلومات المتوافرة لكشف المزيد من المعلومات التي تدينه». كم عدد قواعد المعلومات؟ وعلى كم لائحة يجب أن يظهر اسم الإرهابي قبل اعتباره خطراً على الأمن القومي للولايات المتحدة؟

أليس من الصواب أن يكون هناك شخص في غرفة عمليات البيت الأبيض رتبته أعلى من رتبة حاجب؟
هذه ليست حالة قنبلة موقوتة بطلها ذئب واحد لا يلتقطه الرادار. إرهابي كهذا سينجح ولا يمكننا فعل شيء عدا بقائنا متيقّظين. لكن الولايات المتحدة عرفت مسبقاً عن عبد المطلب، وعرفت عن نيّاته في 18 تشرين الثاني قبل أن يضرب ضربته بشهر واحد.
الأكثر إزعاجاً في تقرير البيت الأبيض تكرار مقولة إنّ خطة عبد المطلب فشلت. هذا غير صحيح. بعد تسع سنوات على 11 أيلول وصرف مليارات الدولارات في إجراءات أمن غير مجدية، نجح في تهريب المتفجرات إلى طائرة متوجهة إلى الأراضي الأميركية. نجح في إشعال الفتيل. لولا الحظّ السيّئ ومعرفة سيّئة بالكيمياء ومخرج هولندي شجاع، لكان هناك في ديترويت اليوم حفرة ملتهبة.
بعد الاعتداء، بقي الرئيس أوباما في هاواي واستمتع بعطلة عيد الميلاد على ملاعب الغولف. بعد الاعتداء، أخذ رئيس المركز الوطني لمكافحة الإرهاب مايكل لايتر عطلة ستة أيام للتزلج. بعد الاعتداء بقي رئيس الـ«سي.آي.إيه» ليون بانيتا في مدينة مونتيري الكاليفورنية الجميلة. تدّعي الإدارة الحالية أنّه يمكن حكم الأمة من بعيد، وربما كان هذا صحيحاً. لكن عندما يحاول الإرهابيون ضرب الأراضي الأميركية، أليس من الصواب أن يكون هناك شخص في غرفة عمليات البيت الأبيض تكون رتبته أعلى من رتبة حاجب؟
عندما حذر مستشار الأمن القومي جايمس جونز من أنّ مراجعة البيت الأبيض المتعلقة بمحاولة الاعتداء في يوم عيد الميلاد سـ«تصدم»، توقّع المرء أن يعرف بمكيدة سياسية، أو بموضوع إهمال قصاصات مهمة استخبارية. لكن على العكس، كان السيد جونز يقصد ربما غطرسة إدارة أوباما في هذه القضية، وهي أكثر ما يصدم.
* عن «ذا أتلانتيك» وهي مجلة شهرية
ليبرالية أميركية (ترجمة ديما شريف)