ستيف كول*عندما يحاول شخص ما قتل الناس عبر متفجرة في سرواله الداخلي، يوم عيد الميلاد، فمن المؤكد أن يغضب ويُصدَم العديد من الأشخاص. مرّت الأيام منذ أحداث رحلة طيران «نورث ويست» الرقم 253، ونحن نعود إلى الحديث عن فقدان الأمّة مهاراتها في وصل النقاط. ويبرهن الإعلان التراجي ـــــ كوميدي من قبل إدارة أمن النقل والتراجع عنه، بعد ثماني سنوات على أحداث 11 أيلول، أنّ الولايات المتحدة، وهي تشبه كائناً صناعياً عصيّاً على قوانين التطوّر، فشلت في التأقلم مع تحديات تنظيم القاعدة.
يضاعف هذا الانطباع، على شاشات التلفزيون على الأقلّ، وجهة نظر تشيني عن العالم، وهي قد عادت إلى الحياة. عنصرها الرئيسي أخذ عطلة من تفرغه لكتابة قصة حياته، ليصدر بياناً لـ«بوليتيكو» يفتقر إلى الكرامة والتحفظ إلى درجة أوحت بوجود آلة دمغ شريرة لتصنيف الناس. قال تشيني عن الرئيس أوباما:
«يبدو أنّه يظنّ إذا كانت لديه ردة فعل متواضعة تجاه محاولة تفجير طائرة وقتل مئات الأشخاص، فلن نكون في حالة حرب. يبدو أنّه يظن إذا أعطى الإرهابيين الحقوق التي يتمتع بها الأميركيون، فيستطيعون الحصول على محامٍ، إننّا لن نكون في حالة حرب... لكننا في حالة حرب».
لكنّ الرئيس أوباما قال في أيار الماضي: «دعوني أكُن واضحاً: نحن بالفعل في حالة حرب مع القاعدة ومتفرعاتها». ثم قال الأسبوع الماضي «نحن في حالة حرب».
هكذا، إلى جانب بناء هذا التصريح على بيانات خاطئة، يشير تصريح تشيني والاهتمام الذي حظي به إلى أنّ الخطاب الأميركي الخاص بمكافحة الإرهاب بقي مجمداً في 2002. لحسن الحظ، هناك العديد من البراهين على دخول الولايات المتحدة في عصر جديد في نضالها ضد الإرهاب. وهو عصر بدت فيه الحكومة والمجتمع كأنّهما يعودان عن أخطائهما، فيما القاعدة، مثل ديك تشيني، تعزل نفسها.
فضحت الرحلة 253 فجوات في الدفاعات الأميركية ضد الإرهاب. كان من الصعب تقويم بعض الإخفاقات «المنهجية» التي وصفت في الملفات والتصاريح التي أصدرها الأسبوع الماضي البيت الأبيض بسبب قلة التفاصيل، وربما كان لا يمكن تجنبها. ومن هذه الإخفاقات بيروقراطية الاستخبارات وعجزها عن ربط النقاط بعضها ببعض. لكن بعض الانهيارات التي تمّ جردها تتخطى الفهم بعد أعوام من التحليل وإنفاق الدولارات عليها، ومنها آليات غير دقيقة في مراقبة اللوائح، عدد قليل من رجال الشرطة الجوية، وفشل المحلّلين في تفتيش قواعد المعلومات بفعالية لمعرفة المزيد عن عمر فاروق عبد المطلب، الانتحاري، بعدما وشى به والده.
تعرض محاولة التفجير يوم عيد الميلاد حيل القاعدة على الملأ. في عقده الثالث، وتحت ضغط كبير، تطوّر التنظيم إلى نسخة جهادية من شركة تسويق تعمل عبر الإنترنت. يغيّر تنظيم القاعدة شكله ويغتنم الفرص، وهي مميزات تنبئ بدوامه فترة طويلة. سيتمكن من زرع الفوضى من وقت لآخر ما دام قادراً على تجنيد انتحاريين ومواهب متعلّمة جيداً كما فعل دوماً.
لكنّ «القاعدة» يضعف أيضاً. سعى بن لادن لقيادة طليعة ثورة تنتشر. لكنّه، مع نائبه أيمن الظواهري، تمترس، كما يقال، على الحدود الباكستانية ـــــ الأفغانية مع مئتي مناصر فقط. مناصروهم في اليمن وأفريقيا لم يعودوا يتخطّون عدّة آلاف. أصبح «القاعدة» في العراق مثالاً صغيراً عمّا كان عليه من قبل. وتبدو علاقة بن لادن مع الطالبان هشة وجافة. على عكس حزب الله، لا يقدم تنظيم القاعدة خدمات اجتماعية، وبالتالي لم يبنِ حركة سياسية. على عكس حماس، لم تجذب عدميته الدامية أيّ دولة مستعدة للدفاع عن شرعيته. في عالم يوجد فيه حوالى مليار ونصف مليار من المسلمين. هذا لا يؤدي إلى ثورة.
العديد من أهداف بن لادن المعلنة، ومنها طرد الجيش الأميركي من الأراضي الإسلاميّة، لا تزال تجد صداها في المجتمعات الإسلامية. لكن في استطلاعات الرأي التي تجرى عبر العالم الإسلامي، يرفض عدد كبير «القاعدة»، وخصوصاً تكتيكه الهادف إلى قتل المدنيين. أصبح من المألوف ملاحظة تراجع التأييد لبن لادن في السنوات الماضية، لأنّ العنف حصد أرواح المسلمين، كما «الكفار». في الحقيقة، تظهر استطلاعات الرأي أنّ مواطني الدول الإسلامية، كما في أيّ مكان آخر، يرفضون رفضاً كاسحاً القتل العشوائي، مهما كانت المعتقدات الدينية للضحايا، ومهما كان السبب.
منذ 11 أيلول، تطوّر أيضاً الرأي العام الأميركي في موضوع كيفية التعامل مع بن لادن. خلال الحملة الانتخابية في 2008، اختار الجسم الانتخابي المرشحين الذين يعارضون التعذيب، من كلّ حزب أساسي. أظهرت استطلاعات الرأي أنّ عدداً كبيراً ممن صوّتوا لباراك ألأوباما فعلوا ذلك لتحسين صورة أميركا في الخارج.
بعد تسلّمه الرئاسة، بدأ أوباما بتشكيل استراتيجيا مناهضة

فضحت الرحلة 253 فجوات في الدفاعات الأميركية ضد الإرهاب وعرضت حيل القاعدة على الملأ

للإرهاب. لقد صنع موقفاً يتسم بالصبر الاستراتيجي، مرتكزاً على دفاع متقدم واستمرارية القيم الدستورية الأميركية. وفي الوقت الذي نظّم فيه البيت الأبيض موظفي مجلس الأمن القومي ومجلس الأمن الداخلي العام الماضي، أنشأ إدارة «سياسة صمود». في أيار، خلال خطاب عن الإرهاب في مركز الأرشيف الوطني، قال أوباما: «من أوروبا إلى المحيط الهادئ، كنّا الدولة التي أغلقت غرف التعذيب واستبدلت الاستبداد بحكم القانون. هذا ما نحن عليه. وفي الأماكن التي يقدم فيها الإرهابيون ظلم الفوضى والدمار، أميركا يجب أن تبرهن أنّ قيمها ومؤسساتها صامدة أكثر من إيديولوجية الكراهية».
الولايات المتحدة هي بالكاد الديموقراطية الأولى التي يجري اللعب بأعصابها، ويتم تحدّي قيمها من قبل إرهاب مثابر. تفترض الدروس من بريطانيا، الهند، إسرائيل، تركيا وغيرها أنّ الديموقراطيات تحتاج إلى وقت، وكذلك إلى التجربة والخطأ، لتجد توازناً مستداماً بين السياسة والسياسات (كما فعلت الولايات المتحدة تجاه الشيوعية خلال الحرب البادرة). تقترح الأمثلة من الخارج أنّه في الوقت الذي يمكن فيه أن تكون أثمان التعلم عن الإرهاب مرتفعة في ديموقراطية ما، ستؤدي مع الوقت إلى وقفات استراتيجية يساندها الرأي العام، ومرتكزة على مبادئ وطنية شبيهة بتلك التي أعلنها أوباما في أيار. بعد الاعتداءات الكارثية في مومباي منذ 14 شهراً، تجاهل رئيس الوزراء الهندي مانهومان سينغ الصرخات الشوفينية التي طالبت بضربات تجاه باكستان. في النتيجة، أعاده الناخبون الهنديون إلى منصبه في الربيع الماضي، وأعطوا حزبه أفضل نتائج يحققها منذ عقدين.
خلال الصراع على كيفية إغلاق غوانتنامو واستخدام ماسحات الجسد، سيعيد الشعب الأميركي النظر في توازن سياساته المناهضة للإرهاب، وكذلك سيفعل أوباما. الأسبوع الماضي، قال إنّ الإخفاقات التي كادت تودي بحياة مسافرين على رحلة 253 هي «مسؤوليتي». كان على حق، هذه هي واجباته. لكنّ الرئيس لم يبالغ في تقدير الإرهاب أو يقلل من أهميته. سجلّه يظهر أنّه يدرس ويتأقلم. لنأمل أن يبقى الحظ إلى جانبه دائماً.
* عن «ذا نيو يوركر» (ترجمة ديما شريف)