خالد صاغيةحين يتّصل المدير العام للأمن العام بقاضٍ، أو يبعث له من يرهّبه، حتّى يصدر حكماً مخالفاً لقناعاته، نعرف حينها أنّنا نعيش في نظام أمنيّ. أمّا حين يُترَك القاضي يمارس صلاحيّاته، فيصدر حكمه، ثمّ يرفض المدير العام للأمن العام تنفيذ الحكم، بحجّة أنّه «يفهم» أكثر من القاضي، فنكون عندها قد خرجنا تماماً من النظام، وصرنا نعيش في الفوضى أو في حارة «كل مين إيدو إلو»، وبوسع غوّار الطوشة أن يضع أكثر من نجمة على كتفيه.
وحين يرفض مدير عام تنفيذ مضمون أكثر من كتاب وجّهه إليه الوزير المختصّ، وحين لا يملك الوزير المختص ما يفعله حين «يتمرّد» المدير العام، تتأكّد عندها حال الفوضى، ويصبح غوّار الطوشة هو المجرم وآمر السجن في آن واحد.
وحين يصدر ما صدر من كلام على لسان المدير العام للأمن العام بحق القضاء، ولا يتفوّه وزير العدل بأيّ كلمة، علماً بأنّه الوزير نفسه الذي تقدّم بمشروع قانون لإتاحة سجن الصحافيين الذين ينتقدون القضاء، وهو مشروع وصل إلى عتبة مجلس الوزراء وأُجِّل البحث فيه في اللحظة الأخيرة... نعرف عندها أنّه ما من أحد يريد صون القضاء، وإنّما هناك من يريد كمّ الأفواه.
وحين يقترن ذلك بأقاويل من نوع أنّ المدير العام «محسوب» على رئيس الجمهوريّة، وأن لا أحد يريد مشكلة الآن مع رأس الدولة، نعرف عندها أنّ الجمهوريّة باتت أقرب إلى جمهوريّة موز.
كلّ ذلك عيّنة صغيرة ممّا يجري على أراضي الجمهورية اللبنانية. عيّنة طفت على السطح بسبب قضيّة لاجئة عراقية تدعى يسرى العامري صدف أن عرف الإعلام بقضيّتها. المؤكّد أنّ ثمّة قضايا شبيهة لا تحصى، وهي لا تطال اللاجئين وحسب، تُظهر التصدّعات الآخذة في التمادي داخل النظام.
العزاء الوحيد هو أنّ قرار الإفراج عن العامري قد جاء بعد حملة من الإعلام والمجتمع المدني، ما يؤكّد أنّ داخل هذه الجيفة اللبنانية ما زال هناك شيءٌ ما ينبض بالحياة. مشهد الموت لم يصادر المكانَ كلّه بعد.