يتطرق كاتب المقال إلى القرارات السياسية التي اتخذت خلال حكم الإدارة الأميركية السابقة مع الرئيس جورج دبليو بوش، ليفضح مسؤوليتها عن تدهور الوضع في هايتي اليوم
جايمس ريدجواي*
في أعقاب الزلزال المدمر، تشخص العيون الأميركية مرة أخرى نحو هايتي، وهو أمر يبدو أنّه يحصل عندما تضرب الكوارث، لا خلال الفوضى اليومية والبؤس الذي يعذّب أفقر دولة في القسم الغربي من الكرة الأرضية. أمضيت وقتاً طويلاً في هايتي، وكتبت في البداية عن القمع تحت حكم دوفالييه، ثم عن صعود الحركة الشعبية لجان برتران أريستيد، ثم عن الانقلاب العسكري الذي أطاح حكمه في 1991. وكنتُ هناك خلال التدخل العسكري الذي أعاد أريستيد إلى الحكم في 1994.
بدت المصالح الأميركية في هايتي كأنّها تتضاءل مع رحيل القوات الأميركية، وفي أعقاب 11 أيلول والمغامرات العديدة لإدارة بوش حول العالم، عادت الدولة إلى حالتها المعتادة من التخفّي في العيون الغربية. لاحظ عدد قليل من الناس تقريراً مهماً صدر في «نيويورك تايمز» في 2006. اعتمد التقرير في بعض جوانبه على تحليل السفير السابق براين دين كوران، وأظهر كيف أنّ سياسة الولايات المتحدة ساعدت على ترسيخ عدم الاستقرار في هايتي لسنوات حتى عام 2004 عندما أجبر المتمردون المسلحون برئاسة شخص مسؤول عن فرقة موت، أريستيد مجدداً على التخلي عن الحكم. التقرير كتبه والت بوغدانيتش وجيني نوردبرغ قبل فترة وجيزة من الانتخابات التي ربحها الرئيس رينيه بريفال، وجاء تحت عنوان «إشارات مبهمة من الولايات المتحدة ساعدت على رمي هايتي في الفوضى».
يقول بوغدانيتش ونوردبرغ إنّ الوضع في هايتي أصبح فوضوياً لدرجة كبيرة، ممّا ساعد على إطاحة أريستيد. ويضيفان أنّ الخطف انتشر في العاصمة، بور أو برينس، بسبب فساد عناصر الشرطة الذين اغتالوا بعض الناس في الشارع. ويتساءل الكاتبان عن الظروف التي أدت إلى إطاحة الرئيس الذي كان قساً سابقاً مناصراً للفقراء، وتحديداً لماذا لم تقدم إدارة بوش المزيد لترسيخ الديموقراطية في هايتي رغم أنّها جعلت من ذلك مهمتها في العراق وحول العالم.
ويفسر الكاتبان كيف قوّضت سياسات إدارة بوش الخاطئة الديموقراطية في هايتي. ففي الوقت الذي قالت إدارة بوش أنّ السيد أريستيد سيّئ، اعتمدت سياسة التعامل معه كقائد هايتي المنتخب ديموقراطياً. لكنّ أعمال الإدارة في هايتي لم تطابق خطابها. إذ أظهرت وثائق حكومية أنّ مجموعة تعنى بالديموقراطية قريبة من البيت الأبيض، وهي المعهد الجمهوري الدولي، عملت عكس سياسة الولايات المتحدة، وفضحها السفير الأميركي في هايتي، براين دين كوران. نصح رئيس المجموعة، ويدعى ستانلي لوكاس وهو من نخبة هايتي ومعارض لأريستيد، المعارضة الهايتية بعدم التعاون مع الرئيس لتقييد عمل حكومته وإطاحته. وقال السفير كوران إنّ لوكاس أبلغ المعارضة الهايتية أنّه يمثل النيات الحقيقية لإدارة بوش لا كوران. ونبه السفير رؤساءه في واشنطن من تصرفات لوكاس المعارضة للسياسة الأميركية، لكنّه صدم لاحقاً برفض الإدارة تقييد عمل المجموعة في 2002.
رغم أنّه يجب الاعتماد على أنّ إدارة أوباما لن تتورط في هذا النوع من الخداع القاتل، لكنّها لم تأخذ موقفاً ذا معنى في ما يتعلق بهايتي العام الماضي. لقد تراجعت عن بعض أقسى سياسات الترحيل التي اعتمدت في سنوات بوش، ممّا أثّر على الهايتيين الذين يهربون من شواطئ بلادهم. لكنّها طبقت عدداً قليلاً من التوصيات التي طالبت بها شبكة قيادة المحامين الهايتيين بعد تنصيب أوباما، والتي تضمنت إلغاء الديون وزيادة التجارة.

لماذا لم تقدم إدارة بوش المزيد لترسيخ الديموقراطية في هايتي رغم أنّها جعلت من ذلك مهمتها في العراق والعالم؟

استمرت أوروبا والولايات المتحدة بالوقوف على الحياد، فيما زادت هايتي فقراً. عندما كنت هناك، كان الأطفال يجلسون على أطراف «سيتيه سولاي»، الحي الفقير العملاق، ويعيشون وسط القمامة، ينتظرون شاحنات الجيش الأميركي لترمي فضلات وجبات الجنود الأميركيين. وقفوا هناك، ركبهم تغرق في القمامة، يتشاجرون حول قطع صغيرة من الطعام. أما الكبار، فكانوا في كلّ شارع، يتجمعون قرب فندق «هوليداي إن» في بور أو برينس على كراسيّ متحركة، ينتظرون على الأبواب قطعة نقود. ليس لديهم أي شبكة أمان اجتماعي. ولا يحاول أحد ممن يملك المال، من البنوك، شركات التأمين، صناديق الائتمان، القيام بأيّة خطوة جدية للاستثمار في البلد.
من الصعب تخيُّل ما يمكن أن يسبّبه زلزال بقوة 7 درجات لمدينة تشبه في يوم عادي منطقة منكوبة. اليوم، سيجفل الأميركيون الطيّبون من الصور، ثم سيختارون المنظمات التي تقدم الصدقات لفقراء هايتي. هنا اقتراح غير تقليدي لمساعدة هايتي من الكاتب خوان كول الذي أرسل ملاحظة إلى أوباما عن هايتي: قيل إنّ مصارف غولدمان ساكس، مورغن ستانلي، وجي. بي. مورغان تشايس مجتمعة، وضعت 47 مليار دولار جانباً كعلاوات. يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لهايتي 7 مليارات دولار في السنة. ضع يدك على هذه العلاوات، وأرسلها إلى هايتي.
هذا لن يحدث أبداً بالطبع. لكن، لو كان هناك عدل في العالم، لحصل ذلك.
* عن «ماذر جونز»
مجلة تصدر كلّ شهرين، تصنّف نفسها بأنّها ليبراليّة وتقدّمية ومستقلّة