يحلّل كاتب هذا المقال «الثقافة» السائدة في هايتي بما يقترب من العنصرية، ويحمّلها المسؤولية عن التخلّف والفقر الذي تعيشه هذه الدولة
دايفيد بروكس*
في 17 تشرين الأول 1989، ضرب زلزال بقوة 7.0 خليج شمال كاليفورنيا. مات ثلاثة وستون شخصاً. هذا الأسبوع، ضرب زلزال آخر بقوة 7.0 أيضاً قرب بور أو برينس، في هايتي. يقدر الصليب الأحمر أنّ ما بين 45000 و50000 شخص قد لقوا مصرعهم.
هذه ليست قصة كارثة طبيعية. إنّها قصة فقر. قصة عن مبان شُيِّدت تشييداً سيّئاً، عن بنى تحتية رديئة، وخدمات عامة رهيبة. الخميس الفائت، توجه الرئيس باراك أوباما إلى شعب هايتي قائلاً «لن يتخلى عنكم أحد، ولن يتم نسيانكم». إن كان سيبقى وفياً لهذا الوعد، فسيكون واجباً عليه أن يستخدم هذه المأساة كمناسبة لإعادة النظر بمقاربتنا للفقر العالمي. سيكون عليه أن يعترف ببضع حقائق صعبة.
أولى هذه الحقائق هي أنّنا لا نعرف كيف نستخدم المساعدات للحدّ من الفقر. خلال العقود القليلة الماضية، أنفق العالم تريليونات من الدولارات لتحفيز النمو في الدول النامية. شهدت الدول التي لم تتلقَّ الكثير من المساعدات، مثل الصين، نمواً كبيراً وخفضاً كبيراً في مستويات الفقر. أما الدول التي تلقت المساعدات، مثل هايتي، فلم تستطع فعل ذلك.
في تقرير صدر أخيراً بعنوان «ما الذي يعمل في التنمية؟»، يحاول عدد من الاقتصاديين فرز ما تعلمناه. الصورة قاتمة. لا رافعات في السياسات تربطها باستمرار بالنمو المطرد. لا علاقة بين وضع الاقتصاد النامي خلال عقد ما، وما يصبح عليه في العقد التالي. لا طريقة مثبتة فعاليتها لخفض الفساد. ولا يبدو أنّ تحسين المؤسسات الحاكمة يأتي بالنتائج المطلوبة.
النبرة المهذبة في هذه الأبحاث تعود للاقتصادي أبهيجيت بانيرجي الذي يقول «إنّه ليس واضحاً لنا أنّ الطريقة الأفضل للحصول على نموّ هي في تطبيق سياسة نموّ من أيّ نوع كانت. ربما كان تحقيق النموّ خارجاً عن سيطرتنا».
الحقيقة الصعبة الثانية هي أنّ المساعدات الصغرى ضرورية، لكنّها ليست كافية. فمع إخفاقات التنمية على مستويات واسعة، تركز منظمات الإغاثة في معظم الأحيان على المشاريع الصغيرة. أكثر من عشرة آلاف منظمة تمارس هذه المهمة في هايتي. وفق بعض التقديرات، يبلغ في هايتي عدد المنظمات غير الحكومية للفرد الواحد أكثر من أي مكان آخر على وجه الأرض. هم يقومون بـ«عمل الله»، وخصوصاً هذه الأيام، لكن حتى عاصفة كبيرة من هذه الجهود لا تبدو كأنّها تنفع في دفع التغيير الشامل.
ثالثاً، حان الوقت لوضع موضوع الثقافة الشائك في صلب الجهود لمقاربة الفقر العالمي. لماذا هايتي فقيرة إلى هذا الحد؟ حسناً، لديها تاريخ من القمع، العبودية والاستعمار. لكن باربيدوس كانت مثلها، وهي تبدو اليوم على ما يرام. عانت هايتي من الدكتاتورية، الفساد، والاجتياحات الأجنبية. كما كانت جمهورية الدومينيكان، وهي اليوم في وضع أفضل بكثير. تشارك هايتي والدومينيكان الجزيرة والبيئة نفسها، لكن الحدود بين المجتمعين تعطينا أكثر التناقضات الصاعقة على وجه الأرض. فهناك أشجار وتقدم في جهة، وتصحّر وفقر وموت مبكر في الجهة الأخرى.
إنّ هايتي، كما يفسّر لورنس هاريسون في كتابه «الحقيقة الليبرالية المركزية»، كمعظم الدول الفقيرة، تعاني من شبكة معقّدة من التأثيرات الثقافيّة التي تمنع التقدّم. هناك تأثير ديانة الفودو التي تنشر رسالة مفادها أنّ الحياة متقلبة والتخطيط لا طائل منه. هناك نسبة عالية من عدم الثقة الاجتماعية. المسؤولية ليست موجودة في حالات عدّة. عادات تربية الأطفال تنطوي أحياناً على إهمال في السنوات الأولى، وتأنيب قاسٍ عندما يصبح الطفل في عمر التاسعة أو العاشرة.
يطلب منّا أن نحترم بتهذيب ثقافات الآخرين. لكنّ بعض الثقافات مقاوِمة للتقدّم أكثر من غيرها، وقد تفاقمت مأساة فظيعة بسبب واحدة منها.

هايتي، كمعظم الدول الفقيرة، تعاني من شبكة معقدة من التأثيرات الثقافية التي تمنع التقدم

رابعاً، حان الوقت للترويج للقيادة المحلية. في هذه الدولة، حاولنا أولاً أن نقارب الفقر عبر رمي المال في اتجاهه، كما فعلنا في أماكن أخرى. ثم حاولنا دعم المشاريع الصغيرة، كما فعلنا في أماكن أخرى. لكنّ البرامج التي تنجح فعلاً هي تلك التي تنطوي على قيادة تدخلية.
هذه البرامج، مثل «منطقة هارلم للأطفال» و«مدارس دون أعذار»، يقودها أشخاص لا يفهمون كلّ العوامل التي أدت إلى الفقر، لكنّهم لا يكترثون لذلك. سيبدّلون أجزاءً من الثقافة المحلية بثقافة إنجازات متطلبة ومكثفة. وستشمل هذه الثقافات الجديدة كلّ شيء من قواعد تربية الأطفال إلى مدارس أكثر صرامة، إلى تحسين الأداء الوظيفي.
حان الوقت لحمل هذه المقاربة إلى أماكن أخرى أيضاً. حان الوقت لإيجاد قادة محليين واثقين من أنفسهم، ويستطيعون خلق ثقافات مضادة في أماكن مثل هايتي. يتوجب إحاطة الناس، في حيّ أو مدرسة واحدة ربّما، بقيم الطبقة الوسطى وثقافة الإنجاز وتحقيق مطالب قوية ومحددة.
كان عالم السياسة الراحل صموئيل هنتنغتون يعترف بأنّ التغيير الثقافي صعب، لكنّ الثقافات تتغير بعد صدمات قوية. هذا الزلزال هو بالتأكيد صدمة. السؤال الوحيد الآن هو ما إذا كان العالم الخارجي سيستمر في سياساته القديمة.
* عن «نيويورك تايمز»