جورج بشيرفور نشر نبأ الفضيحة، وربما بسبب اقتراب موعد الانتخابات البلدية، شعر من شعروا بعقدة الذنب بضرورة تكريم الرئيس الأمير فؤاد شهاب وتخليد ذكراه بتحويل منزله المتواضع عبر تملكه من جانب المجلس البلدي في جونيه، أو من جانب اتحاد بلديات كسروان ــــ الفتوح، لتحويله إلى متحف أو إلى مكتبة كما كان ينوي أن يفعل الوزير جورج أفرام قبل أن يذهب به المرض العضال. أجل، لماذا كان ولا يزال على بلدية «جونيه» واتحاد بلديات المنطقة أن يفعلوا هذا تقديراً أو وفاءً وتخليداً لهذا الرئيس الناسك كما كان يسمى؟
لأن فؤاد شهاب تميز بالنزاهة من خلال ممارسته لمسؤولياته سواء على صعيد بناء الجيش الوطني ورئاسته للجمهورية، وتميز عهده بالمنجزات العصرية على صعيد بناء دولة المؤسسات على أنقاض دولة المزارع.
حاول أن يبني دولة مؤسسات فتحوّلت بفضل أداء بعض مسؤوليها إلى ما يشبه «الرستوران» يأكلون منه وفيه
ولأن منزل الرئيس فؤاد شهاب شهد ولادة دولة المؤسسات وقوانينها ومراسيمها الاشتراعية بواسطة وزارة الأربعة (رشيد كرامي، وحسين العويني، وبيار الجميل وريمو إده) والتي كنّا زملائي وأنا نسهر حتى إطلالات الفجر لنغطيّ جلساتها في بدايات العمل المهني بداية الستينيات، فإنه كان ولا يزال مطلوباً من بلدية جونيه واتحاد بلديات المنطقة، فضلاً عن الدولة، العمل على إحاطة منزل الرئيس شهاب بالاحترام والتقدير وتخليد ذكراه بالعلم عبر تحويله إلى متحف أو مكتبة، على الأقل لأن هذا الرئيس هو شخصياً من نشر العمران والإنماء في جونيه والمنطقة الكسروانية، وهو شخصياً من عمل من دون كلل على إنشاء سرايا المدينة لتحلّ فيها دوائر الدولة محل مبنى السرايا القديمة التاريخي القائم في وسط المدينة والذي بناه الأتراك، لكي يتحوّل إلى قصر بلدي إلى جانب الملعب البلدي (ملعب فؤاد شهاب) الذي حرص الرئيس على أن يكون للبلدية، ترعاه وتستثمره وتضعه في خدمة نوادي الشباب الرياضية في لبنان والمنطقة. طبعاً، إن تخليد ذكرى الرئيس شهاب بالمحافظة على منزله المتواضع الذي أورثه إيّاه خاله الشيخ وديع حبيش كون الرئيس شهاب لم يكن يملك منزلاً، ليس ضرورياً فقط لأن الرئيس فعل ما فعل لمدينته جونيه ولمنطقته كسروان فحسب، بل تقديراً ووفاءً لما فعله لوطنه وما بناه من بنى تحتية لدولة المؤسسات والاستقلال، ولأنه مثل ومثال في ممارسة المسؤولية بنزاهة وشفافية وترفع.
المنزل هذا انتقلت ملكيته من الورثة إلى ملاكين جدد، ومن هؤلاء، وبموجب عقد استثمار إلى مستأجرين كانوا يعتزمون تحويله إلى مطعم، يقال إنهم سموه «مطعم المير» ربما تيمناً بالرئيس الأمير، «وربما تخليداً له ووفاءً» لأنه حاول أن يبني دولة مؤسسات، فتحوّلت هذه الدولة مع معظم مؤسساتها وبفضل أداء بعض مسؤوليها السابقين واللاحقين إلى أشبه «بالرستوران» يأكلون منه وفيه، ويغرفون من خيراته من دون مساءلة ومحاسبة...
قرار مجلس بلدية المدينة الذي اتخذ باستملاك منزل الرئيس شهاب لم يكن قراراً قانونياً لأنه موجّه إلى لجنة الاستملاك، وهي ليست المرجع الصالح لتلقّي قرارات من هذا النوع وتنفيذها، ولذلك ذيّله قائمقام المنطقة بعبارة «للحفظ» وأحاله إلى الأرشيف. والضجّة التي رافقت هذه الفضيحة أدّت إلى تغيير القرار البلدي ليصبح قانونياً ويذهب إلى مجلس الوزراء عبر وزير الداخلية لكي يبنى على الشيء مقتضاه، وخصوصاً أن الوزير زياد بارود ابن جعيتا وهو يرفض كما يقول عارفوه أن يكون مصير بيت الرئيس شهاب كمصير مغارة جعيتا، هذا المرفق السياحي الذي لزّم استثماره لشركة «ألمانية» خلافاً للدستور الذي يحظّر مثل هذا الفعل من دون قانون صادر عن مجلس النواب...
ما ينقص تنفيذ قرار إنقاذ بيت الرئيس شهاب وإعادة الاعتبار إلى هذا الرجل الوطني الكبير هو اقتران القرار بآلية تنفيذية. فالمال موجود لهذا الغرض في خزائن البلدية واتحاد بلديات المنطقة وفي صندوق مصلحة مياه هذه المنطقة، ومن المعيب أن يضيع حق هذا الرئيس على مدينته ومنطقته ووطنه في حفظ كرامته والحرص على تراثه وإبراز إنجازاته المميّزة.
الطابة في ملعب الحكومة على طاولة مجلس الوزراء. حكومة الوحدة الوطنية، هذه الوحدة الوطنية التي كرّس الرئيس شهاب حياته من أجل المحافظة عليها، وبنى في سبيل نشرها وتحصينها دولة المؤسسات.
* صحافي لبناني