خالد صاغيةوجد اللبنانيون في الطائرة الإثيوبية المنكوبة مناسبة لتجديد مفردات قاموسهم. راجت فجأة تعابير وكلمات تستحق التوقّف عندها.
الطيّار: ما إن شاع خبر تحطّم الطائرة، حتّى بدأت الألسن تتحدّث عن مخالفة قبطان الطائرة للتعليمات التي وُجِّهت إليه. وهو أمر قد يكون صحيحاً أو غير صحيح. لكنّ السرعة في تبنّي هذه الرواية، وتنقّلها بخفّة من شاشة إلى أخرى، وتقدّمها على سواها من الروايات، لا يمكن فصلها عن كون الطيّار إثيوبيّاً. فاجتمعت هنا رغبة تبرئة الذات مع تحويل الطيّار إلى كائن تُكثَّف فيه كلّ مشاعر التمييز ضدّ الشعب الإثيوبي، وهو ما برع فيه اللبنانيّون منذ زمن. وقد زاد الطين بلّةً الحديث عن ركّاب لبنانيّين و«كَمْ إثيوبي»، أو عن جنسيّات مختلفة إضافة إلى «أفريقي».
الخطّ المباشر: حادثة تحطّم الطائرة الإثيوبية ليست فريدة في تاريخ الطيران. خطوط جويّة كبرى، ومطارات عريقة، تعرّضت لحوادث من هذا النوع. إلا أنّ عقدة التفوّق اللبناني تأبى الاعتراف بذلك. ارتفعت الأصوات المطالبة بخط مباشر، وكأنّ وجود خطّ كهذا سيمنع حصول كوارث مماثلة. إلا أنّ الخط المباشر غير مرتبط بالنظرة إلى النفس وحسب، بل سرعان ما تحوّل إلى جزء من المحاصصة الطائفية في البلاد. بات علينا إعداد إحصاءات عن وجهات سفر أبناء الطوائف اللبنانية، وتخصيص كلّ طائفة بعدد معيّن من الرحلات. ولم يتوانَ أحدهم عن الحديث عن «مؤامرة» نتيجة غياب خط كهذا.
الضحايا: استخدمت هكذا بالجمع. إلا أنّ الجميع تعامل مع نوعين من الضحايا. الأوّل لبنانيّ وغربيّ يستحقّ متابعة أخباره وسرد حكاياته. أمّا النوع الثاني، فهو الإثيوبيّات اللواتي لا حكاية لهنّ. حتّى الموت لم يتمكّن من إزالة الفوارق.
المغتربون: استغلّ حرّاس النظام المناسبة لتأبيد النظام الاقتصادي السائد في البلاد. فبدلاً من ذمّ النظام الذي لا يقدّم لمواطنيه إلا أبواب الهجرة، والذي يعتاش من فتات التحويلات الخارجيّة، بات المغتربون أبطالاً مثاليّين وجنوداً مجهولين في ضمان ديمومة نظام عصيّ على الأزمات. تحوّل الحزن على أفراد من لحم ودم قضوا في حادث مؤسف، إلى مديح لنظام يأكل أبناءه.
القاموس يتّسع. لكنّ هول المأساة يستدعي وقف التصفّح هنا.