إي. جاي ديون*«الشعبوية» هي الكلمة الأكثر استخداماً في معجم التعليق السياسي، وعلى نحو خاطئ أيضاً. لكن بسبب قرار متهور من رئيس المحكمة العليا جون روبرتس وطمع بارونات المال في الدولة، وصلنا إلى لحظة شعبوية حقيقية في السياسة الأميركية. قرار المحكمة العليا الذي اتخذ بخمسة أصوات مقابل أربعة، الأسبوع الماضي، بإعطاء الشركات الأميركية الحق بإنفاق مال سياسي غير محدود، كان عرضاً مفاجئاً من الغطرسة القضائية ومن النشاط المبالغ به وغير المبرر.
غالبية يمينية بسيطة في المحكمة أدارت ظهرها لقرن من الممارسات وعقود من السوابق، وقررت تغيير النظام السياسي الأميركي ليصبح مطابقاً لمصالح الشركات.
سرد عنوان فظ سرداً غير عادي في النسخة الورقية من عدد الجمعة من جريدة «نيويورك تايمز» الحكاية بإيجاز: «سلطة اللوبيات الجديدة: تخطّونا، وسندفنكم بأموالنا».
تخيّلوا المحادثة التالية بين سيناتور وأحد أعضاء جماعات الضغط: «هل ستوقفون خطة إنقاذ دافعي الضرائب التي نريدها؟ حسناً أنا آسف، لكنّنا سنموّل بقيمة مليوني دولار إعلانات ضدك». الحوار نفسه يمكن أن يجري حول الإعفاءات الضريبية، حماية المستهلك، القوانين البيئية وحماية العمّال.
يدّعي المدافعون عن هذا التوسّع الكبير في تأثير الشركات بأنّ ما حصل متعلق بـ«حرية الرأي». لكن منذ متى تتمتع شركة، بعد تمرير بعض القوانين من الحكومات، بالحقوق نفسها التي يتمتع بها المواطن؟ هذا الحكم سيمنح الكيانات التجارية الكبيرة قوة أكبر من أي فرد، إن لم يكن مايكل بلومبرغ أو بيل غايتز.
الرد الوحيد على هذا التشويه لنظامنا السياسي بواسطة قضاة مؤدلجين، هو ثورة شعبية. ستكون ثورة من النوع المتجذّر في التقاليد السياسية الأميركية. أكثر أنواع الإصلاح الحيوية في تاريخنا تضمنت تحالفات بين الشعبويين (الذين يدافعون عن مصالح المواطنين العاديين وقيمهم) والتقدميين (الذين يحاربون الفساد في الحكومة ويسعون للتغيير المؤسساتي لتحسين عمل ديموقراطيتنا). حان الوقت لتحالف شعبوي ــــ تقدمي جديد.
يجب على هذا الحكم أن يتحدى الشعبوية المزيفة التي رأيناها أخيراً. فهي تخفي دفاعاً عن مصالح الأقوياء خلف جمل ترضي الجماهير ضد «واشنطن»، «الضرائب»، وبالتأكيد «أوباما». ساعد الرئيس باراك أوباما على تغذية هذه الثورة الشعبوية الزائفة عبر فشله في إدراك مدى استياء الطبقة الوسطى الأميركية، وجلّها من المعتدلين سياسياً، من السياسات التي أنقذت المصارف وتركت في الوقت نفسه ملايين من العاطلين من العمل، وملايين إضافيين من القلقين على مستقبلهم الاقتصادي.
إذا اعتبر الناخبون العاديون أنّ الحكومة هي في المقام الأول أداة بيد المصارف، فلماذا عليهم أن يصدقوا أنّ الحكومة نفسها ستساعدهم في موضوعات الرعاية الصحية والعمل؟ هذه المشكلة تتعاظم مع شيوخ أنانيين تآمروا لجعل عملية الانتخاب تبدو أبشع وأكثر فوضوية، ما أمكن. بدأ أوباما بالتوجه نحو الشعبوية قبل صدور نتائج انتخابات مجلس الشيوخ في ماساشوستس. فوز الجمهوري سكوت براون جعل التحوّل حتمياً.
عرض الرئيس الآن ضريبة متواضعة على المؤسسات المالية الكبيرة لتغطية كلفة الإنقاذ. كما عرض مقاربة أقسى للمصارف ستحد من حجمها وقدرتها على القيام برهانات مالية تخرّب الاقتصاد. هذه بداية مهمة، وقد حان وقتها. بعد ذلك، يأتي تشريع لقلب جهد المحكمة العليا لتقويض الديموقراطية الأميركية. يعمل السيناتور تشارلز شومر والنائب كريس فان هولن مع البيت الأبيض على ترتيب كبح مدى انتشار حكم المحكمة العليا.

هل نريد شركات مملوكة من حكومات أجنبية، لتمارس تأثيراً لا لزوم له في سياستنا؟
قانونهم لا يزال قيد الإعداد، لكنّ الأفكار التي يتداولونها تتضمّن منع صرف المال الانتخابي من جانب الشركات التي تتلقى أموالاً حكومية، أو تستأجر جماعات ضغط، أو تجني معظم مداخيلها في الخارج. ألا يحق للمساهمين التصويت قبل أن تصرف الشركات المال على السياسة؟ هل نريد شركات مملوكة من أجانب، وخصوصاً تلك التي تملكها حكومات أجنبية، أن تمارس تأثيراً لا لزوم له في سياستنا؟ تخيلوا ما ستحاول شركة مملوكة من الحكومة الصينية أو الروسية، أو تتأثّر بهما، أن تفعله لسياسي يركّز على حقوق الإنسان؟
فكرتي المفضّلة: الطلب من مدراء الشركات الظهور في الإعلانات التي ترعاها شركاتهم، كما يفعل السياسيون: «مرحباً أنا جو سميث رئيس شركة عملاقة، وأنا أوافق على هذه الرسالة». كان الرئيس أوباما محقاً في استذكار تيدي روزفلت في خطابه الإذاعي السبت الفائت. فالديموقراطية الأميركية التي حارب روزفلت من أجلها، هي في خطر.
* عن «ذا نيو ريبابليك»، مجلّة نصف شهرية أميركية ليبرالية اقتصادياً مع ميل إلى وجهة نظر الصقور
في السياسة الخارجية