خالد صاغيةبعد حادثة الطائرة الإثيوبية، انبرى عدد من زعماء الطوائف للظهور على الشاشات وتقديم شكرهم للدولة وأركانها على تعاطفهم مع أهالي الضحايا، وعلى جهودهم في سبيل تسريع عمليّات الإنقاذ والبحث عن الصندوق الأسود، والتعرّف على هويّة أصحاب الجثامين. مشهد وُضع في خانة الوحدة الوطنية التي ازدادت رسوخاً تحت وطأة هول المأساة. إلا أنّه، في الواقع، مشهد محزن ومخزٍ حين تتحوّل الدولة إلى جهاز تطوّعي كالصليب الأحمر مثلاً، يستدعى للقيام بعمليّات إغاثة لا يمكن أجهزة الطوائف القيام بها. ثمّ يُقدَّم الشكر له باعتباره قد مدّ يد العون لأبناء الطوائف. فالضحايا اللبنانيون وأهلهم هم من رعايا هذه الطائفة أو تلك. والمسؤول عنهم هو زعيم الطائفة الذي يشكر الدولة على تقديمها خدمة لأبناء رعيّته. وما أداء المسؤولين إلا محاولة لنيل الإعجاب والرضى.
لقد بذل بعض أركان الدولة جهداً، وإن من غير مردود مباشر. إلا أنّ ذلك لم يمنع التصفيق للتأثّر الصادق والنيّات الحسنة. وجرى الفصل بين النيّات والإمكانات. فالكلّ تصرّف بمسؤوليّة، لكنّ الدولة لا تملك تقنيات متطوّرة تؤهّلها للتعاطي مع كارثة بهذا الحجم. هذا الفصل هو فصل اصطناعيّ يضع ورقة التوت على المشهد الفاضح للدولة العاجزة، وهي عاجزة بالضبط لأنّ هناك من منعها من تطوير قدراتها. لأنّ هناك من لا يزال متمسّكاً بمنطق المحاصصة في التعيينات الإداريّة. لأنّ هناك من يحمي الفساد داخل الوزارات. وهذا «الذي هناك» ليس غريباً عن أركان الدولة أنفسهم الذين حاولوا الظهور بمظهر من يتحمّل المسؤوليّة. فإن كانت إمكانات الدولة ضعيفة، فهذا ليس نتيجة كارثة طبيعيّة، بل نتيجة كارثة من صنع البشر أنفسهم الذين يقفون اليوم عاجزين أمام سقوط الطائرة.
مشهد أخير لا بدّ منه: نشرت الوكالة الوطنية للإعلام الخبر الآتي: «أعلن وزير الصحة محمد جواد خليفة إنجاز الخريطة الجينيّة لضحايا الطائرة الإثيوبية المنكوبة...». يتابع الخبر: «وبالنسبة إلى الضحايا الإثيوبيّين، أوضح وزير الصحة أنّ فريقاً سيذهب من لبنان إلى إثيوبيا لتحديد خريطة جينيّة للضحايا».